قصيدتان

أسامة الحداد

 

شجون كثيرة تنتظر

منذ أكثر من ثلاثين سنة،
و أنا أرتق قدمى كل يوم،
و أبحث عن أنفى
فى صفحات جريدة قديمة،
و ما اعتقدت أنه شارع متاخم لى
كان مدينة تناصبنى العداء،
و تحتفل كل يوم بانتصارها،
فى مهرجان يمتلئ بالموتى،
و المشاهدون يلملمون الحروف،
و يعيدون صياغتها،
مرة منقوشة على الأحجار،
و غالبًا محفورة بالأزاميل فى جسدى….
أنا الذى شوهتنى عقارب الساعة،
و التف ظلى حول ياقة قميصى
مرة رابطة للعنق،
و مرات مشنقة….
أخطو على الفراغ
دون تابوت يصلح لى،
أو صخور تدحرجنى إلى البيت…
أليس ذلك الكامن فى نهاية الشارع؟
بيتى الذى بحثت عن عنوانه فى قائمة الطعام،
و حدثت سيدة لا أعرفها
عن إمكانية الوصول إليه…
حدث ذلك منذ سنوات عديدة،
و أنا أجلس أمام مطعم قديم
منهمكا ًفى إصلاح الأطباق المهشمة،
إليس ذلك بيتى؟
الذى ألمحنى فى شرفته،
و بنطالى يعبث فوق حبال الغسيل
ببقعه المثيرة للاشمئزاز،
و دمعه الذى يتساقط فى جوف المارة
بانتظار من تلعننى،
و تصعد للتشاجر معى….
لحظتها ستكتشف
صعوبة أن ينهض رجل
لا يحسن عمل أى شىء
سوى انتظار دقات الساعة لاستقبالها،
و تدرك
أن أنوثتها المفقودة أهدرت
على سلم مكسور
لرجل وحيد….
معذرة….
إن ساقى تهرعان أمامى كدراجة،
و رأسى يتقافز من طوارلآخر…
فكيف أطلق الآن آلاف الرصاصات ؟
على مرآة دون أن تتهشم،
أو أجد مقعداً
فى حديقة مهجورة
يصلح للتحاور معى

 

ملاحظات هامشية

تصعد الدرج،
و تخطو على ظلال شائهة لأناس ذهبوا…
تذكر أنك لا تصعد وحدك
ثمة آخرون يقفزون للطابق الأخير،
و عنده لا مفر

هذى المشاجب
التي طالما حملت ملابسك،
و أكواب الشاي التي أفرغتها فى معدتك،
الدخان الذى تطلقه للهواء دون مبرر…
كل هذه الأشياء
ليست بسيطة كما تعتقد

أن تستوعب ما يدور بمخيلتها عنك،
و تحتفظ بصورتها بين جفنيك
تتذكرها دائماً حين ترى امرأة…
كل ذلك ليس كافياً لأجلها،
و أنت تتحسس جرحك الساخن
منذ عشر سنين

الأناشيد التى أطلقها القدماء،
و السنابل التى نبتت فجأة فوق الأسفلت،
الغابات التى اختصرت فى أصص الزهر،
الخماسين التى طاردتك،
و خطواتك فوق ظلك المكسور،
لا تملك جمعها فى لفافة، و لا مجاوزتها…
إذن لا مفر
أيها الكسول
الذى لم يشرب غير دمه،
و لم ير فوق شاشة التلفاز سوى أوهامه المحترقة

كيف تخرج من المرآة التى تحولت لجدار؟
وتودع التماثيل التى قيل إنها تشبهك،
أنت لم تأخذ من الوردة حتى رائحتها،
و لم تفكر فى الناموس الذى يلدغك
فهل تحاول عقد صداقة جديدة مع أحزانك؟
و الدماء التى نزفت
تداولتها الأحذية
عبر شوارع تتأرجح فى الهواء…
فأى أحزانك تفضل اليوم على مائدة الإفطار؟
و أنت تغنى لك الآن
أغنية لا تتذكر كلماتها…

اجمع الآن شظاياك المبعثرة فى الفراغ،
و رتب أعضائك من جديد
أيها الولد الذى تعلق طويلا فوق حبال الغسيل،
واعتقل فى قفصه الصدرى سنوات
لقد حان الوقت…
لإيداع شرورك فى بنك مفلس،
و جراحك فى معطف مهترئ.

اترك رد

اكتشاف المزيد من عناوين ثقافية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading