قصائد

نصر جميل شعث
2007
هديل على الأخشاب
 
 
هديلها المسكوبُ في الصورةِ كمالُ الرائحةِ في مَعدنٍ كالطيفِ بعيدٌ ،
والريشُ على الياقةِ شلالُ ذنوب !
هديلها على الأخشابِ . ولفرطِ ما شربَ الصباحُ ضجيجَ المياهِ ..
الهَوَى تَقشّفَ على تجاعيد اللحاء ، أو هكذا الحلمُ أديمُ شيطان ٍتكَرْمَشَ في يدي .
 
***
 
في الصباح ،
رأيتُ الذبابَ مَسْكوبًا على حَلَمَتَي بقرة حَلوب ،
رأيتُ مُخاط الدخان على ذبابٍ ، وتفاحًا  يَمـُرّ على أذرعة تقيسُ القماشَ ،
وأياديَ تنفتحُ مسافة َرُوح ٍ تقيسُ الخرابَ قبل أنْ تطويَ الأمهاتُ ، صبحًا ، أغطية المَنام !
 
فكلّما تركتْكِ الحديقةُ في الليل يا عيني
صافحي الصحراءَ ضحىً بمنشور الطيف !
 
***
 
في القميص ليلاً ، لا أستعين بملاعقَ إذْ أطبخ قهوتي .
الآن ، أغمسُ عُرْيَ ساعديّ بأكمام .
هيكلي ملءُ طاووس في ” حِرامي ”  . وقاربٌ في القَدَح بذْرة !
هي ضفدعة ، هي ضفدعة .. والصيفُ بلوى !
 
غزة ،  18مايو 2007
 
 
 
ينحتُ نافورةً بقلقِ عينيه
 
 
إما أنْ يتبخّرَ المجهولُ  أو تتصحّرَ الغابةُ ، عندنا مُدَدٌ كافيةٌ للانتظار.
قد نصبحُ بخاراً وأوزاناً خفيفة كالظلّّ ، أو ما يعادله في سبورة المعرفة .
قد يسرقنا نبيّ ، من النار ، بلا زوجة ولا أولاد أو ظلال .
لا يضحك ولا يبكي، متعرّجٌ كالمشيئة في الأشجار ، معتدلٌ كماءِ نهرٍ بلا استقامةٍ :
تحسبه ثعباناً ، وما هو بالثعبان .
تحسبه حبلاً ، وما هو بالحبل .
تحسبه ربطةَ عنق ، وما هو بربطة العنق .
تحسبه سِلكاً مَجدولاً ، وما هو بالسلك المجدول .
تحسبه رباطَ حذاءٍ ترَكَ الأخيرَ ، ما هو بالأول ولا الأخير .
 
في حَكيهِ إلتماعات ومفاصلُ ، كالتي نصادفها في بنْية عكّاز . لا يدخّنُ ، ومَعه قدّاحة.
في خدّيهِ حُبُوبٌ إذا يغفو تَهوي عليه العصافيرُ ، وحينَ يَصحو يَصُبّ الماءَ في سدادةٍ بيضاء ،
لتشربَ النبْتةُ المجهولةُ . سدادة بدلاً من الفخّ لتشربَ العصافيرُ ، ولا ذنبَ عليه إذا سطا فأرُ الحشائش .
صَدرُه غيمةٌ مِن كثافةِ مَن أحبَّ . يقولُ له الربُّ : كلّما خَرَجَ عليك شَعرٌ  حاول أن تكرعَ ظلّك ، لن تموتَ كَنجمك في السماء !
 
***
 
وأنا ، يا ربّ ، لا أملك ظلي ولا وقتي .
فقط ، يداي تمسكان بخصْري . حاولتُ أن أفردَ جناحيّ ، فإذا بالمثلثين الفارغين يرعباني !
يداي تَضربان على رأسي لتطردَ الطيرَ ، أو لأني نسيتُ وسامتي على المرآة ،
فإذا بالمثلثين الفارغين يزعجاني !!
 
وما من أحدٍ ملَكَ ظلّه. ما منْ أحدٍ غيّرَ لونَ ظلّه.
حينَ يموتُ يُورّثه ، للذين ابيضتْ عيونُهم من الحزن ، أبيضَ قيلَ :
كالروح ، كالنيون البشوش ، كثوبٍ على منشر ..
 
الذي أعطى صغيرَه الاسمَ ، وبذورَه لأشجارٍ ونجومٍ عَكَسَتْ أسماءَها في الصحراء؛
فتحَ النافذةَ ليشمّ الهواءَ ، فدخلَ غرابٌ بأربعة أجنحةٍ : نصفها في كَبد الغرفة ،
ما تبقى ظلّ رَفرفَ على سريرٍ في جناح الرئتين .
الذي لم يدرِ أنه ماتَ جَرَحَتْهُ اللوحةُ مِن يديه، فرسمَ بِدمِهِ الحياةَ على جدار غرفته كما يفعل السورياليون والشهداء !
 
***
وفي بلاد الثلج ، أين تكون الثعابين ؟،
قالت المرأةُ وهي تضعُ يدَها ، المشنشلةَ بثلاثِ أساورَ من الحيّاتِ ، في الثلاجة .
قلبها ليسَ أبيض كالثلج . قلبها أبيضُ كَـظَهرِها . والشجرةُ على ظلالها بلا ظُهورٍ ،
تخفي ما ليس وَجهًا ، وتدلّ على عَظمةِ ، تحتها ، تشبهُ مِزماراً لفرط الليل إشتعلَ في يديّ حارسٍ 
يسندُ الأشتالَ بالأعواد اليابسة.
 
ذراعاه تتمرجحان ، والمعطف جلد أسود . ومن تحت إبطيهِ صَوتٌ كَدَوِيّ النحلِ .. 
نارٌ تطَردُ ماءَ الشجرةِ من أطرافها . الرغوةُ نوّار ينزّ من الأطراف !
وحيثما حديدةُ حِزامه المشدود على وسطِهِ تئنّ ؛ صوتُ طائرٍ يفرّ خارج الشعلةِ لذراع مُصباح مُعطّلٍ ..
 
ظلٌه على عشبةٍ ميتةٍ ، أقربَ إلى سنبلةِ الذّرَةِ  أو مقطع ثعبان !
والليل ببدلةٍ كاملة ، وعكّاز وأحجية . وعلى مَدرجٍ من طَحين الموتى والذكريات
نبيّ بلا نبوّة ، ينحتُ نافورةً بقلقِ عينيه ، ويسألُ : ماء أم  الظلّ يَصعدُ  بموازاة التمثال ؟!
 
المشهدُ المُدوّيّ لذبابتين حلّتا في كيسٍ شفّاف .
ما الذي يَجمعُهما: الصراعُ أم دقيقةِ الصلاة ؟!
 
غزة ، 20  مارس 2007
 
من أينَ تؤكلُ التفاحة؟
مطر 
مِنْ فَرطِ المطر
أغلقَ بائعُ الإسفنج
بابَ المحلّ!
دخان
عامداً،
يَحجبُ الوقتَ المتاحَ، تحتَ
زجاج الساعةِ، بهواء فمِهِ الفاسد.
وكلما خرّ مِن فمِ المزرابِ خَيطٌ
أطلقَ الدخان!
 
حمل ثابت
 
كلّ شيء في مكانِه:
زجاجةٌ على فَمِها،
رسالةٌ على منحنى السلحفاء،
جَرَسُ الساعةِ في جدار الصباح،
طابةٌ تصعد السلّمَ،
فراغ في الجردل،
انقطاع الوحي والكهرباء،
وحصوة في النعل،
تجرحُ السيراميك.
 
حوار وطني
– مِن أينَ ليدِكَ الجرحُ الحلو ؟
مِن قدمِ حمامة.
– وهذا العِرقُ الواضح ؟
من تجربةِ النهر.
– وبماذا تحلم في الليل ؟
بالليل.. ومختلف الأشياء.
– وإذا ما فاجأتك المرآةُ بنقصٍ ؟
يدي قطعت يدي .
 
مسافة
مسافةٌ ليدٍٍ تَقضم الهواءَ،
وخطىً بين البيوت التي خفّفتْ من إناراتها فرحةً بالقمر.
مسافةٌ لصغارٍ:
بدلاً من الدُّمَى، يُداعبونَ ظلالَهم.
بدلاً من النهود، ينفخون البالوناتِ بماء الصنابير..
ويَهربون من جرعة الدواءِ،
إلى انفجار القمر!
 
مسائل عالقة.
. متى تَفتحُ الأرضُ فمَها طاعةً للقمر ؟
. لماذا يكتبونَ الأسماءَ على الرخام ؟
. أملسُ الأشياء يُذكرّني بكِ..
. نباتـُكِ الشَّهيّ، مِن ضحكةٍ متشقّقة، يَطلعُ..
. شيءٌ لا أستطيع نسيانَه كلّما التصقت بعرْيك السائل.
. في الصباح، سأشتري لك فاكهةً، وغلالةً زرقاء.
. مِن أين تُؤكلُ التفاحةُ ؟
. أحلامي سَحابة.. شاهديني، وخُذي، الآن، قُبلةً قبلَ الأخبار!
 
لاءات
لا تضحك أمامَ المرآة.
لا تصرخ، ولسانُـك داخلَ فمِكَ، في ليلةٍ بلا شمعة أو أمّك.
لا ترشقِ الماءَ، مِن دَلوِكَ الأسود، على هدوء الريح تحتَ شجرة.
لا تتخذ باطنَ كفّكَ سَماءً لفوّهة.
لا تدعس بحذائك المَدَنِيّ، على علبة فارغة.
لا تقطع من رأسِك شعرةً، وتعقدها مَرتين.
لا تشتري الشّموعَ من العميان.
 
سفينة
نوارسُ على البحر..
أم سفينةٌ تَجرحُ الزرقة ؟!
عَيني تقول شيئًا آخر:
الرياحُ الأربعة لن
تقودَ السفينة إلى معناها!
 
غزة ، 3 فبراير2007
 
 
حاكورة عثمان
 
مِن عَصبِ الرياح وترٌ
ومِنَ الإسفنج وطنٌ لكعبهِ المشقوق..
كلما داهمته الصفاتُ
هَرَبَ من اسمهِ إلى جرحٍ في ساعدِ شجرة
أثثه بالشقاوة عصفور ..
على كرسيٍّ بلون فاتحٍ ؛ المعطفُ بنيّ
صنِعَ في  ” لندن ” ،
عينه على شعرةٍ في أرنبة الأنف
وأخرى سائبة على أذنٍ مغتصبة
مصغياً إلى المذياع،
وبائعي الماءِ
في عرض البحر!
يبتلع مَوته ليسهرَ
بصمتٍ ..
عيناه إلى فمه
وثمّ كلام لم يقله للموتى
دم في الضحكِ
وفم في البحر
وثم كلام لم يقله عن قارب
بالناي يمشي ..
مَن يخرج الشارعَ مِن فمه؟
والبحرَ من زرقته البلهاء؟
الذين اقتلعوا إشارات المرو؛
رجموا السماءَ بالبنادق وأعقاب السجائر والزلف
الذين أمنوا مناماتهم
تركوا المدى للفضة
وساووا الذريعة بالذهب؛
ابتلعوا المرآةَ ..
مِن أجل ذلك صمتوا ،
ولم يروا الظهيرة في الحذاء..
رسموا المدائحَ والطبول،
والدم يجري
لمستقرّهِ :
حاكورةِ عثمان!
 
غزة ، 9 يناير 2007

اترك رد

اكتشاف المزيد من عناوين ثقافية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading