الهائمون

أحمد المــلا

حَفرنا أسماءَكَ التسعين فاتسَعَتْ بنا المعاصي وانهالتْ على أكتافِنا الطيرُ، نحن سُلالة ُاليُتم ِحيثُ يُقيمُ أو يَرْحَل. كنا الأوتادَ قبلَ خيانةِ الجبال، كنا السراجَ لِمَنْ لا حِرْزَ لـَه، ولمّا جَاءَنا الكِتابُ وفـَضَضْنا اللوحَ؛ حَمَلنا ما جَهَلنا فارتَفعَتْ أبصارُنا وانقبَضَ الهواءُ وفرّطنا في شوكةٍ نبَتتْ بين الحجارةِ، دونما حكمة ٍولا لذة. ولولا لذعة ُالفقدِ ما أتينا. نـَجُرُّ الخطايا والباطلُ يتخفـّى في ثنايَاها ونبتهلُ لتُخفـِّفَ عنـّا المَثاقيلَ. في كلّ وَادٍ تـَهتِفُ لِمَسْرَانا شِرَاكٌ تـُضِيءُ وتـُغوي ولم نـَكنْ واردِيْها. أدْرَكنا الوشاياتَ قبلَ أن تصيرَ رماداً لم نقترفه ولا أثراً.اِمتلأتْ السِلالُ بجَفائِكَ وأقبَلَ الخرَابُ من كلّ صَوْب، تكالبتْ الذنوبُ، حَمَلناها لئلا تحزنَ وتـَشمّ يَأسَنا الوحشة، كلـّما تلفـّتتْ نِيَاقـُنا اعتصَرْنا الرِّقة َوتعَلـَّقتْ القلوبُ بـِرَايَةٍ تـُشيرُ ونارٌ تـُلوِّحُ
ولا تقترب.

تـُخومُكَ أينها مِنـّا؟

مِنـّا المحزونُ والمطعون، منا المحمومُ والمُحتضر، منا المظلوم، منا الراجفُ والمحبوس، منا المكروبُ والمهمومُ والغريبُ بيننا، منا الأمامُ والخلفُ يكتمُ الأنينَ، منا اللاهثُ يتلقـّفُ النفـَسَ، منا القائِمُ والمُقعَدُ يَزحَفُ في تـُرابكَ، منا المأخوذ ُبـِذنـْبـِه، منا المجذوبُ سَلبـَتهُ نجمة ٌ، منا المكسورُ تـَجُرّهُ عصاهُ، منا الذبيحُ يسعى خلفَ السكـّين، منا القتيلُ يَلمُّ دَمَهُ من الشجيراتِ، منا الجريحُ طاويا ً والمغبون، منا مريضُ الأمل ِيَهذي بمَرْضَاتِكَ،

أنهَكـَتنا صِفاتـُكَ.

حُرُوفـُكَ التي أهدرَتْ أعمارَنـَا، حَفرْنـَاها بلا كلل ٍولا ضَغِينة. أخلصْنا ودَفعنا الصحيفة َ بضَرَاعَةِ الغفران. سَعَينا سَبْعا ً وبعد كلّ مَنزلةٍ تمَّحي خُطانا حتى صارَ المَسْعَى شاسعا ًواشتدتْ الحسرة ُولم نفطِنَ لما نسيناهُ. لم تتفتحَ سَمَاواتٌ ولا انفرَجَتْ غيمة. لم تشتعلَ حجارة ٌولا امتثلتْ أقداح. لم تنعقدَ مياه ٌولا انزاحتْ جبال. ضَربنا الأرضَ بعزيمةِ الجرحى ولم تتزحزحَ الأرضُ. وغيرَ أعيُن ٍ تـُبصِرُ الوجعَ يتسلـَّقُ الأجسادَ؛ لم تمهلنا. يا مَنْ زيَّنَ الغيبَ ودلـَّى حِبَالهُ وسَحَبَها من أيدِينا، تاركا ً فضْلة َالندَم ِترعى في ظهورنا حيث لا تطالَ الأظافرُ. ها هي أوهامُنا استطالَ قصَبُها ولم نـَهْتدِ ولم نبرَأ َ. كل من رَامَ شفاعَة ً ومَالتْ ركابُهُ نـَوَاح ٍتتحيَّنُ عُبورَنا، كل من شقـَّتْ الفجيعة ُثوبَهُ، كل من خنقتهُ العثراتُ وحيَّرَتْ قلبَهُ الليالي، كل من ابيَضَّتْ عيناهُ؛ سوى غُبارٌ لم يَلمَحَ، حيثُ لمّا نزل أندادَ الخديعةِ وفي رمالِها هائِمِين.

‏11 سبتمبر 2006م

اترك رد

اكتشاف المزيد من عناوين ثقافية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading