مقدمة انطلوجية قصيدة النثر اليمنية الصادرة في الجزائر

محيي الدين جرمة

2007

آخراً لا أخِيراً:

1-

كان الشعر والشعر وحده هو الرغبة الملحة والشغف الحميم إن لم اقل” بشكل منهجي” الأساس الموضوعي كمعيار استندت من خلاله وعبره لبلورة فعل هذه المختارات والمتضمنة تقديم اول إنطلوجيا من نوعها توثق لدفء وملامح شعرية قصيدة النثر اليمنية الجديدة اليوم في امتدادها وتحولات شعرية لحظتها الراهنة كما بنوعية تجاربها وفضاءات إختلافها في جزء ظل مقصيا من/ اوعن مشهد الشعرالعربي والعالم لفترات طويلة ولأسباب داخلية اكثر من كونها من خارج المشهد او محيطه البعيد ونتفهم تلك الأسباب جيدا وبخاصة لجهة تمرد رؤى وتجارب شعراء وشاعرات هذا العمل وخروجهم عن– سلطة الأب بالمعنى الشعري والسياسي والأيدلوجي الذي تحول إلى عقيدة او دجماسياسية تتمنطق بخنجر الاتجاه لكنها تضيق بكل الجهات. وهو- ما ابقى على شعرهم وتجاربهم في النبذ – وزنازن الطاعة- لعقود حالا تراجيدا منسيا ومهملا خلف الستارة: لذا اكرر انحيازي للشعر دون غيره نظرا لما تجسده هذه النماذج المختارة كأبهى واصفى واجمل ما امكن ويمكن تقديمه تمثيلا حصريا لقصيدة النثر في اليمن على شاشة هذا العرض البصري الانطولوجي ليكون في متناول القارئ العربي في الجزائر واليمن وغيرهما من البلدان العربية.

2-

وهكذا تأتي فكرة هذه المختارات :
– بعيداعن” قبلية المعايير”والإرتجال الفا رغ الذي يتمثل إ ملاءاته بعض من يعانون مركب نقص بإسم الشعر والأدب مستهدفين بذلك الإنتقاص وتوهم التقليل من شعرية تجارب حقيقية بعيدة عن”النفاق الثقافي”وتحفراسماءها وتجاربها بقوة الإرادة الخلاقة وجدارة الموهبة الجادة رغم ما تعترضها من نتوءات جدارالثقافة الرسمي والحزبي في اليمن-

3-

انني واثناء تواصلي في العمل والبحث لإستكمال إعداد هذه الإنطلوجيا كنت وما زلت اصدر من ثقة عميقة بأن هذه التجارب ستصدم وعي كثيرين وبخاصة من أولئك “المصنوعون” إعلاميا على صعيد النقد والشعر في عالم/نا العربي وبخاصة إذا ما توافرت لمشروع الإنطولوجيا العربية الإستراتيجية المأ ملة في الصدوروالتوزيع بتوسيع مساحة التلقي.وإفادة الباحث العربي بعيداعن رؤى من يخطئون عادة في مقاصدهم او يتوهمون في بعض احكامهم حين لايرون إلى بلد كاليمن وبخاصة على صعيد الشعرانه مازال من”الأطراف” وهذه لازمة تقليدية وثقافة متخلفة احسب انها ما زالت تعكس حالا من ثقافة البلى والتقعرفي بنية وعي خطابها وماضويتها بينما تنزع إلى الأخذ بمرجعية المركزالواحد اوالرمزالواحد في كل شيء حتى ان الحب هو الآخر في مستوى من مستويات الخطاب في” ثقافة” نا – العربية لايكون إلا واحدا وغير متعدد وغالبا ما يكون – من طرف واحد – ناهيك عن ان الحب في هذه اللازمة – وبحكم العادة- لايتم او يتعين كمعطى مدني اوفن ينتظم طبيعة العلاقات وتمثلات السلوك في الواقع.لأنه أي الحب اوكما يراد له ان يكون بالطبع في حياة العربي مازال “عيبا” او”عذابا” حسب الفتوى السائدة في “قاعدة” الوعي وبخاصة حين لايحيل في مفهومه الجاهز سوى إلى :النار.والإكتواء و”مرض القلب” كما يقال.لذلك لايوجد جنة للحب العربي ولا حتى لإمكانية حرية تنتصف لكرامة الإنسان بالمواطنة او” بالحب الحقيقي” كما تقول الأغنية.وارى ان اجدى طريقة لفهم الشعرهناهي ان يُفهم بالإحساس لابطبيعة الإدراك العقلي لكنُه المصطلح اورؤية الأشياء كما هي في الواقع او المباشر.ذلك ان الشعربطبيعته يعلمنا ان نحب حتى حينما نكره. والشعرهو رديف الحب والحرية بأكثر من معنى مفتوح على القراءة والتأويل ويحتاج الشعر ان يفهم من خلال الشعرذاته كفن وتذوق مثله تماما مثل اللوحة او القطعة الموسيقية العظيمة التى تفتح أفق وعيناعلى نوافذ الجهات : وتحررغالبا من ضيق الرؤية إلى رحابة المعنى في تكويناته وانسناته مثلما تحتاج اللوحة الفنية ” إلى بصر ثاقب لاإلى شرح ” كما راى الفنان الإسباني العالمي والشاعر بيكاسو.وهنا اقول بثقة وبكل بساطة ان قصيدة النثر في اليمن عبر هذه المختارات ستشكل ما كان بعيدا او محلوما به وصارملموسا تلامسه يد الشغف والعين الباحثة عن اللامألوف او اللامتوقع كما هي طبيعة الشعر المتحولة في تجدده وحيوية إشتباكه بلغة اثيرية وطرية يغدوبضوئها الشعرقريبا في مرصد القارىء المتذوق او الشاعر/المترجم والباحث عن إستكناه وإكتشاف بعضا من ملامح الشعرية الجديدة في اليمن بتنويعاتها المختلفة.وفي سياق كهذا اجدني غير ملزم بالضرورة في التعاطي بمعيارالإرضاء او”الترضيات”والتوافقية السلبية او التوفيقية / التلفيقية التي ” ينشدها”البعض تجاه اسماء بعينها درأ لفوبيات او مخاوف ما. لأنني لاابحث عن أي مبررات لتقديم اسباب لإختياري بإنتقائيته. لكن لايوجد مايمنع من الإشارة إلى ان ضيق الوقت لم يكن ليسمح لي بالتوسع اكثر خارج معطى وآلية ما رأيته بجهد ذاتي ودون اللجوء إلى معيا رية سلبية او إقصائية من أي نوع.كما قد يتوهم البعض. بقدر ماإرتأيت النأي ما امكن عن معيارحقائبية النقد الرسمي الفالت من العقل اوالمقاربة الموضوعية في إدعاء صحة معياييره.وإذا لينظرمن يشاء للأمر من زاوية ما اراد او يريد في إضمارات وعيه وإن شاء من زاوية وضوح اكثر بإعتباركون عنوان العمل واضحا من غلافه كما بإختياراته وتعيينه بثيمة رئيسة هي : قصيدة النثر اليمنية او / التي تكتب في اليمن لجهة ان الشعرغير قابل للتجغرف او الترسيم بعلامات النقد الميت او الحقبي .إذ جرت العادة ان يتم تعليبه وإضافة مواد أخرى “حافظة” بغاية صيانته من التلف جراء الإفراط في خطاب ذلك النقد الذي اصابه البلى والفقرفي بنية الوعي المعرفي لمقاوليه.وبخاصة بعد ان صار نقدا يخضع لإبتذال العطاءات والمزايدات التى ترسي عليه بمعيارثقافة السوق ومضاربات البورصة النقدية بشروط العرض والطلب. حتى لقد بات النقد في عالمنا العربي يعاني حالا من هزال وإسهال مزمن وعدم تجدد بل جفاف في الإدراك وصدأ في الرؤية وقصر في النظرولاعمق في الطرح.وبعدماصارفي خطابه يقتصرفحسب على جمع قصاصات من هنا اوهناك لعينات وإنتولوجيات غالبا لاتقدم إقتراحا بالشعر كمؤسسة وكفن ومجاوزة / اوإ ختلاف يلامس فعل التلقي ويؤثث الذائقة في محيطه تأثيثه الوعي بخضرة المعنى وبساطتة وإلتقاطات عالمه وتفاصيله وشعرنتها دون تعقيد اوتنطع وبمعزل عن أي تنظيرسطحي وإصطلاحي اومفهومي فارغ ظلت وما زالت تنتجه عربيا ظلال متشابهة في عماها وعتمتها كما في تلازم نماذج بعينها في الشعر والنقد على السواء والسوء معا .

4-

وهنا تجدرالإشارة إلى : إن مبادرة كل شاعروشاعرة على حدة ممن تضمنتهم هذه الإنطولوجيا وإشتغالهم بحب على القصيدة هي التي امدت تجاربهم بزخم إثبات وجودها رغم الأشواك التي تزعم انها ورود.ذلك ان هذه التجارب إستطاعت ان تجسد وتجسدن حضورها بروح الشعروالإخلاص له رغم ما لقيه ويلقاه كل شاعر/ة من تهميش بمعاييرالثقافة السياسية والحزبية “الضيقة” فكانت الكتابة رهاناحقيقيا لكسرانواع الحصارالثقافي والأيدلوجي المغلق على الجديد. وإنطلاقا من “إيمان” ان الشعرلايحتاج إلى شهادة تسنين من احد وبأن الشاعر الحقيقي لايصنعه الناقد.او” الوزارة” كما لايصنعه “.إتحادأدباء تحول إلى دار للإفتاء وتم تجييره” بعد ان صير إلى إنحناءة كاملة هذه المرة.و” نتيجةلإنفلات وترهل شروط العضوية في الإتحاد- صارالبعض يدخلون بالبنادق إلى الأمانة العامة”؟!!– ولقد بات مسيرابعدما جُرد من كل خيارات الحرية والكرامة ومبادىء التاسيس.: وبخاصة منها تلك التي تمثلت ضمن أسس قيمها على مدى عقود سابقة مبدأ ان الشعراوالشاعرلايكون بالتعيين اووفق معاييرملحقة بعسكرة الثقافة والإبداع .وذلك ما يجسده اغلب من تمثلهم هذه المختارات إذ يتماهى الموقف الجمالي للشاعر/ة في إتساع رؤياتهم بلغة القصيدة وشفافية الأداء الشعري وبعذوبة سابحة في وجوداتها والتحليق في فضاء تجريبها وتجاربها منذ ما يقرب من العقدين من السنوات حيث تمخضت وتراكم تعلقها بالكشف والمعاناة التي نفهمها هنا بالمعنى الفني للتجربة لامعاناة المبدع كمايتم تفسيرها بمفهوم سادي ينتظم بنية الوعي التقليدي كما لدى بعض النخب بتمثلات سطح الوعي الأكاديمي على السواء.غير ان المغامرة الشعرية عبرمجازاتها واستعاراتها ومناطق حرثها الجميل قدغذت وتغذي وعي هذه التجارب بروح السؤال وأفق التأمل والمراجعة والتجديد وبأفق الأمل وتربية الخيال على الخلق وهو ما تعكسه مرايا إشتغالها عبركتابة اللحظة كمستقبل يتخلق في “حنايا” الأمكنة المفتوحة على خيال الواقع المتخيل وبتقنيات: إن جاز القول / تحيل إلى ميديا شعرية من نوع خاص في كيفية التعاطي اواللعب من خلال اللغة ومدلولها النصي و”تعالقاتها” في بنية الخطاب وتركيباته الشعرية ورذاذ لغته وعلاقتة بواقع اومحيط مفترض برؤية غيرية لواقع لايتوقع.ولايطرح اسئلة كما لاينتظرإجابات وقفزا اومجاوزة للمعتاد والمألوف غيرالأليف: بتمثلات قوانينه وقوالبه وسلطة معاييره بتنميطاته وأبوته وخرف اكاديميته وإصطلاحاته بحجب تقليديتيها ورتابة خطابها المقررفي إجتراره بوهم التبشيروالإحياء لميت”اصلا”لايعترف بمدنية اوحياة بل بمزيد توترووصايات وعنفية لتسويق خطابه المحمل بإرث من الأثقال والوزن لا التوازن وبسلاسل التقليد القاطع بسلفية الفقهية النقدية والسياسية إزاء كل كتابة جديدة.بالإضافة إلى شيوع حالة من تطرف الإنشادية والزفافية اوالغنائية السوداء التي تكرس” مجتمعا فلكلوريا فحسب ” يرقص على جثته.إنها غنائية تبالغ في إصطناع الفرح قدر تناقضها في مديح الموت.اماعلاقة الشاعر”الحفار”بالقصيدة فقد ظلت متجددة تنمووتستضيء في عتمات الآخرين كحالة تشوف وشغف وأسلوب للإختلاف اوطريقة فنية في الحياة وكجزء وهو الأهم او حالة من اثبات وجودوإقامة في الكتابة ذاتها.كل ذلك “في ظل”تكديس الكائن وتكريس الغياب على رصيف المعنى والمعاناة.وفيما ظل الهامش رصيفا نظيفا لخيال الشعر وإشعاعاته البعيدة عن ” تسليط ” الضوء بزيف الإدعاء وتزييف معنى الثقافة في ظل إنتهازية المثقف المصنوع بفرمانات الوظيفة والنفعية السالبة ووصولية المصلحة والترقي في – مراتبية الأيدلوجي والموانع والممنوعات بقي ويبقى الشعر الحقيقي خارج كل مراتبية زائفة لسلطة المثقف داخل اي سلطة لاتتسق مع الشعر بإستثناء سلطة المعرفة او الخيال المؤسس بخيارديمقراطية الحرية لاالعسف ذلك ان جوهر الشعر بكل حضوراته ينزوي غالبا في عزلاته الخضراء ليحفر- اركيولوجياه الخاصة – بمنأى عن تجار الآثاروسماسرة الشعراوبعض المعارين من نقاد” العملات” وبعيدا عن بيوتات الشعربسوقه السوداء وغرف تجارته وبورصات إنشاده وتطرفه وتديينه إضافة إلى دوريات ثقافية متخلفة تزعم إختلافها ” دون إختلاف ” ذلك انها دوريات يديرها معاقون فكريا واخلاقيا رغم ما يتوافرون عليه من صفات ومناصب وادوات نصب بهجنة التسطيح والإستحواذ والإنغلاق وسلفية الوعي في رؤيتهم لقصيدة النثر اليمنية التي تمثل سؤال الحداثة الوحيد المطروح في اليمن كمعطى تجسده شعرية اللحظة بأفقها وراهنيتها واستشراقها واستغرابها.وحيث الشعرالحقيقي له غابته المستوحشة في غيابه.وغياباته الحميمة في حضوره الآسر.كأنما يستعيد الشعر هنا انفاسه ودهشته بعيداعن التلوث الثقافي.وفي سياق كهذالاانسى ان أذكربأن التلوث البيئي الحاصل اليوم بإسم الشعر في اليمن إنما سببه تلك المقدمات الهزلية والهزيلة التي سممت علاقة الناس بالشعروتكاد تنافس رداءة وتمييع الذوق بمايسمى طفيليات “فن”بمصنفات ومعاييربعيدة عن الفن الحقيقي.الذي لاينزل إلى مستوى قاع او قاعة الوعي الجاهز.وإذا كان الشاعرالحديث في مصر اليوم مثلا لم يعد ينتظر إعترافا من شاعر تقليدي او تراثي كحجازي او حتى شهادة من ادونيس كما قرأت فإن نظيره في اليمن هوالآخروبخاصة من يكتب قصيدة النثراليوم ليس بحاجة لشهادة عبد العزيز صالح المقالح بالضرورة ليكون شاعرا.كل شاعر حقيقي يولد كذلك ولابد له ان ينأى بنفسه كما بهروبه الصحي: غالبا من فطريات الترجمة الصحفية المزيفة لنماذج من الشعرفي العالم.وذلك ما يردده غيرمرة مترجمون بعينهم نجدهم شعراء في ترجماتهم أمناء للنص في تربته.وهم قلة يتم إنتقائهم بعناية كاسماء او علامات حال قراءة الترجمة لدى نوعية من الشعراء او الساردين.ذلك ان الشعرمايعمل عبرطاقة الشاعروموهبته الحقيقية على خلق الجمال واللاتوقع كحالة يتم.وبعيدا عن تسخيف الذائقة عربيا فوق ما هي عليه. نرى ان الشاعرهو من يأمل ويعمل بمزيد خبرة وتراكم إحساسه الشعري بمعنى القصيدة وجوهرانية التجربة والحياة ومختبر الفن والوعي بآلية الخيال: وذلك لتعميق وتجسير حضوره الشعري والإنساني وعلاقاته وجهود ه الذاتية اومبادرته التي تمثل جهدا فرديا واخلاقيا اكثرمن كونه جهود مؤسسات اوجهات داخلية تحبط اكثر مما تأخذ “بيد المبدع” او الأ ديب : كما لو ان وظيفتها تغييب الإبداع وتدميرحواسه الرائية: كيقظة خيال متمرد في شرود البشري على حافة الصراع وهوات الحروب.ماعززالثقة والرغبة في إقتراح عالم مختلف بسؤال القصيدة وعمق رؤاها لدى شعراء ومبدعي الهامش وبروح المبادرة في حين آلت غيرتجربة شابة في اليمن إماالى الرحيل بالمعنى الميتافيزيقي اوبالتواري والإشتغال على كتابة الصمت والغياب : لكن بصمت عميق.كما بالهجرة إلى الذات/الداخل والإشتغال على الأمل والعمل بتوسيع نشاطها وتواصلها البعيد المدى وإرسال اعمالها الشعرية او السردية لغير جهة عربية وأخرى.

ماءٌ في فم العصفور

وفي هذ االسياق لاانسى ان أنوه بأسماء شعرية لم يسبق لبعضها النشررغم حداثة سنها وتجربتها سوى نثارات هنا وهناك وهذا بالطبع ليس مقياسا لتقييم اداء تحركها الفني او إستبصارها داخل الكتابة بقدرما يمكن إعتبار مسارنضج او تحول تجربة بعينها من لحظة مكثفة لوجود ما او إختزال صورة العالم حتى من خلال نص واحد تتوافر فيه بروق الشعر وفنه الذي لايشيخ.وفي حين تمثل الكتابة لدى البعض نصا واحد او”مخطوطا”يضعه على إستحياء في خزانة الغرفة اوعلى درج مكتب او رف ريح.وحيث يؤثر البعض الآخر ان يبقى على قصاصاته في حاضنة ما بالإشارة إلى تمهيده الأول.وإجمالاهي اصوات تقارب رؤيتها لتفاصيل ما تحسه بعفويات المغامرة الأولى وتجاوراتها كما تقدم نفسها في شكل نصوص مغمورة بماء تجريبها والتوق الجميل في طرح اسئلتها عبر كتابة قصيدة مختلفة بدهشة الكلمات اواللحظة المتفلتة من كل قيد او إشتراطات حيث تقوم بنشربعض نتاجها في صحف اوملاحق اسبوعية قدلاتتوافرغالبا على إنتاج صحافة ثقافية وادبية بشروطها الفنية كمايفترض ان يتم التثبت منها كمعيارلتقييم مستوى الأداء والمهنية او إقتراح فكرة ما تستهدف إنتاج ثقافة قيمة.وحينا ترجىء بعض هذه الأسماء خيارها في النشر لتجد طريقة أخرى في إمتاعك بمشافهات مخيالها وتداعياته اللحظية كما بتوهج رذاذات وظلال بعيدة وانت تصغي إليها بصمت اللحظة.كما تسافرفي جهات سمعك بمفرداتها وصورها الأثيرة وما تعكسه مفردات ذاتها من دفق سواقي نصوصها الطائرة بأجنحة الأفق والحلم وبإنغمارماء قصائدها في ماء ورهافة التكوين.انها اسماء تحضرني في غيابات كثيرة وتحمل قناديلها بأيدي بصرها في عتمات الطريق واصوات شعرية مائزة ومبادرة كمحمد العابد الذي جبل من طينة الشعر والصداقة وزهرة الجمارك.ومحمد محمد العديني برهافاته الأليفة.ومختار الدبعي هذا الشاعرالمسكون” بحالات اللوتس” وبدفء صوته الذي كثيرا مالامس اسماع الناس عبرالهاتف الثابت من “برج المواصلات العامة”بقوله: يمكنكم المحاولة مرة أخرى. غيران الناس ربما لم يفهموا بإحساسهم حتى اللحظة قصيدته تلك.كمااشيرايضا إلى شاعرات مثل نوال جوبري .سماح الشغدري .ليلى إلهان: وغيرهن من حالات شعرية بقدرات تجعل من قصائدهن وتجاربهن القادمة ايقونات بصرية تكشف حجب القاعات الخرساء بالتصفيق.وأذكر بجهودالصديق الشاعر والناقد والراوية علوان الجيلاني هذا المتوزع في ارجائنا بحزنه التهامي الذي يشبه حزن البحربكلماته واشيائه و صوره الممتدة شعريا حتى اقاصي الوجع كما في قصيدته” لم اعد شاعرا” التي تمثل إختلافا كما تعلم كيف يُفهم الألم بالشعر.وعلوان شاعريتوزع إشتغاله على صوفية القصيدة التفعيلية والقصيدة الجديدة وبين مقارباته ايضا وإستغواره مشهد القصيدة في اليمن إجمالاما يجعل منه رائيها النقدي بإمتياز.وهوإلى ذلك الشاعرالمجرب في امداء وإتساع روى متعددة وإن بقيت احيانا في ثباتها على مسافة بعيدة من الحسم على صعيد الموقف المستتاب ربما بوصايا النأي عن قصيدة النثراوبعدم نيته بإستقلالية التجربة في شكل رؤية ناجزة او بصمة كتاب.الصديق الشاعرعلى جاحزهو الآخريزاوج بين العمود بشقيه البيتي والتفعيلي كما بتجريب في فضاء القصيدة النثرية الواسع وهو اقرب إلى تذوق ومحاولة حلاوة التفلت من ديوان البيت بأدخنته التي تعمي الحواس غالبا.بالإضافة إلى” قصائر”: يعني قصائد قصيرة. يكتبها الشاعرسلطان عزعزي بإدهاشاته التي نراها تشي بإمكانية تحول الفيلسوف داخله إلى شاعرقصيدة نثر تعكس إختلافها.كذلك الشاعر محمد الزراري بشعريته الحاضرة بعمق رؤياته الجديدة في كتاب.وثم شعراء يأتلق الشعربحضورهم وصداقتهم : فارس العليّ / إياد الحاج / اوراس الإرياني / نبيل قاسم / محمد العبسي.زكي شمسان.محمد الشلفي.عصام الشيباني.جازم سيف..وقبلهم جميعاهناك علي دهيس هذا الموله بالتماعات قصائده الطائلة في قصرها والصامتة في تأوهات إنسانها حينما تدفء شتاء بكامله.مثلما إنتظارنا كذلك الشاعرمصطفى الشميري الحاضر في تأملات الأصدقاء ومنادماتهم كوجود حميم يحتوينا.كما الشاعرعبد الرحيم الكسادي الذي نكتشفه مؤخرا بكلمات صمته المؤثر/ عبد الرحيم الواعد والقادم بقوة إلى فضاء الترجمة وبأفق فيزيائي لامتناه ٍ. وآخرين في ذاكرة النسيان يحتشدون وفي فضاء الشغف يعملون على تنمية الحرية في شعرهم .لكن بالطبع دون شعورهم بحرية متطلبة في الواقع شأن غيرهم من الشعراء الحقيقيين إذ يلامسون دفء العراء لاالبيت.ذلك ان” الشعراء الرديئون هم من يشعرون بالحرية ” كما يقول الفيلسوف الروماني إميل سيوران الذي- كان يمقت التكريس حد الغثيان.وهنا كما في كل الأمكنة تبقى هذه الأسماء وغيرها شواهد لعطاءات شعرية تعد بفتح مغاليق كثيرة وإشراع اكثرمن نافذة في شريان الحياة.اسماء كجريان النهرفي إمتداده تظل تروِّي بكلماتها ظلالات معتمة.وشموس كلمات تنتظر.انها تجارب مائية لااجد من وصف يليق بما تكتبه من إختلاف وإشراق بين حين وآخرسوى القول انها : ماءٌ في فم العصفور.

آخرا لا أخيراً :

يمكن إعتبار هذا العمل “تقدمةً”وإعدادا / رؤية وتصورا مجرد رأي –اووجهة نظرفي الإختيارالنوعي لأسماء وتجارب متعينة ضمن ما تم إختياره بجهد مكثف وتواصل كبيرين بعد إشتباك مُضنٍ بعامل الوقت.وعوامل أخرى.فآمل ان لايساء فهم القصد الذى تغيأت من خلاله خروج هذا العمل على هذا النحو او المعياروان لايذهب البعض بإتجاه مقاصد من خارج الإبداع.اوبتمثل سلوك التأويلات المغلوطة او الرطانة والمجانية التي تعودناها من كثيرين.ان من الطبيعي ان تثارعربيا إثرصدورانطلوجيا كعنوان لأي جنس ادبي كان زوابع في حين لااتصوران مجرد صدورانطلوجية للشعرمثلافي بلد اوروبي يغدومشكلة اوفعلايثيرغصة لدى البعض اويكون مدعاة لحساسيات.بقدرما يشكل حدثا ثقافيا وفعالية اومبادرة قد يصار إلى الإحتفاء بها. وبإزاء ذلك لااعتقد ان احدا يستكثرقيام شخص ما أي كان وبكل شفافية لإعداد عمل انتولوجي حتى عن “المبرزين في الفساد” في واقع عربي يبدو فيه الأخير:هو المؤسسة الوحيدة في البلد..ولابأس إذا من إنجاز إنطولوجيا عن” الشعر الردىء” فلن نحتج ابدا او نتذمرحتى لوتم إستبعادنا بشكل متعمد اقلها سنؤيد ذلك ولوبشكل سلمي. ومن جهة أخرى سيكون من الطبيعي ان يذهب شاعر ما او شاعرة من – شعراء الباب العالي – إلى ربيع الشعر في باريس وبدعوة عن طريق”مكتب الأستانة”لكن ومن جانب آخرلاارى إتساقا فنيا اواخلاقيا على الأقل بين تمثيل الشعر في حال كهذه وبين تدبيج شاعراوشاعرة بيانا مبتذلا اوقصيدة نثرمقفاة في مديح”مستبد”اوالزهوالمريض معه فوتوغرافيافي لقاء تلفزي” متبضع” تماما كبيان مشبوه “لزعانف مثقفين” وذيليين واشباه شعراء يجمعون فيه على وصف الحرب ايا كانت:” بالمقدسة” ؟؟!! وبمعنى آخرقد يتفهم المرء ان يكون الإنسان شاعرا. إلا ان يكون شاعرا ومحاسبا ماليا في آن. وما اريد ان يُفهم في هذا السياق هو ان جهداكهذالاينبع بصورة او بأخرى من موقف شخصي او إضمارات تجاه احد وبخاصة ممن قدنجده بمستوى الإستحقاق فترتب لإمرما إستبعاده بشكل او بآخر دون قصديات بالطبع سوى لعامل ضغط الزمن اولإنقطاع سفروغياب عنوان في التواصل وبخاصة إذا ما علم ان” اقل من شهر ونصف” لإنجاز العمل هو كل الوقت الذي أعطي لي من قبل الصديق الشاعرالجزائري ابو بكر زمال رئيس “جمعية البيت للثقافة والفنون “والذي بذل جهودا كبيرة وتفاعل بكل مودة وإخلاص بهدف التعريف بالقصيدة اليمنية الجديدة وإحتضانها ضمن مشروع بهذاالقدر. وهو كان المح لي قبلاوبأسى انه ينوي إصدار بيان للصحافة يأسف من خلاله لغياب اليمن عن مشروع الإنطولوجيات العربية حينها فكرت بجدية في إستثمارما تبقى من وقت واعطيته الرد سريعا بالموافقة وشكرته لحرصه بجدية التواصل وتحقيق الفعل الثقافي.وفي كل خطوة كنت اجد فيها صعوبة كان يبادرهوبالإتصال لتذليل اي مشقة اوإستفساروبأفق تكميلي بيننا لإقتراح ما يرى اواراه في سبيل إنجاح إنطولوجيا تستهدف قصيدة النثر الجديدة في اليمن بإمتدادأفقها التسعيني وتراكم تجاربها ونضج شعرية لحظتها الراهنة عبرنماذج لأبرزعناوينها وشعرائها الأحياء منهم بوجه خاص وبأمل قريب في مواصلة هذا المشروع وتوسيعه ليشمل شعراء راحلين ممن لازالو احياء بالطبع في ضمائرنا بمواقفهم وكتاباتهم كمافي ضميرالشعروفضاءاته الفسيحة وموقفه الجمالي والإنساني. ولقد حاولت قدرتصوري ان اختزل معنى عميقا ومفتوحا على الجهات ونافذة مشرعة بلاجدران او سقوف لتكون عنوانا لهذه الانطلوجيا فأرتأيت :” خيالٌ يُبلل اليابسة “كعنوان اصفى تجسيدا للمختارات بتنويعاتها المختلفة في إتساع معناها ودفء صورها وشفافية الكون في مرآتها كقطرة ماء بحجم العالم ذلك ما رأيته ولعل يشاركني ذلك اصدقائي من الشعراء والشاعرات كعنوان مفتوح بلاعنوان واجده بصريا يمثل كتابا خارج الكتاب لقارىء نوعي يرى بمشموم حواسه ويأتلق بشغف عند لمس المجرد وإلتماع برق المجازفي جهاته الصافية ليكتشف ذاته بعمق التوحد في إنتهاك عزلة اللغة ورذاذ الكلمة “الجارحة الجريحة”.
………………………………………………………………

التحية إذالجهود ابوبكرزمال الشاعروالصديق الذي لم يضع اي قيد امامي في مسعى كهذا إقتصرعلى التوثيق لنماذج بعينها ورؤيتها تعكس مجازالشك لاالشوك ذلك ان الشعريمثل الخيال الخلاق يقينه الوحيد في كتابة : قصيدة النثر اليمنية بإمتداد تكويناتها الأولى لمحطة التأسيس.مرورا بتجليات مرحلة النضج وربيع شعريتها المختلفة مرورا ومرارة برؤيات لحظتها الراهنة. وقد تبلورت الفكرة لدي بحماسة إن لم اقل بصورة شبيهة بمكابرة طفل او رغبته المصيرية إذ تستدعي البكاء كحتمية لشراء لعبة.وبضوء ذلك شرعت في تكثيف الجهد والتواصل مع زملائي الشعراء والشاعرات وبخاصة ممن لم اتوافرعلى بعض اعمالهم وتقصي تجاربهم سواء منهم المقيمين في قرى نائية او في صنعاء وغيرها من “مدن الضجيج الآسن”.وهكذا يعلم الجميع بأني كنت بإزاء ظرف وقتي طارىء وكان لابد ان اقول كلمة دون ان اصدر من موقع إدعاء.وما هذا العمل سوى ثمرة كل شعراء المختارات من اصدقائي الذين هي مختاراتهم بالدرجة الأولى وعنوان حرية وامل يضيئه إبداعهم بطيفة وتنوعه.وببصمته التي تختلف ولاتتشابه. كما أقدم التحية الكبيرة والخالصة بإسمي وبإسم زملائي في اليمن للجزائرارضا وإنسانا وحكومة ممثلة بوزارة الثقافة.والمكتبة الوطنية واثق بكون هذه الانطلوجيا تبقى تجسيدا وتجسيراكعنوان محبة ورسالة سلام يحملها الشعر إلى كل العالم من اليمن هذا الحرف الجميل الذي وإن بدا او ُنظر إليه في الترتيب الأخيرحتى في الأبجدية لكنه الأعمق في بهاء الشعروفلسفة الحرف وحضارة الكلمة.كما ان طباعة هذه المختارات في سياق اعمال عربية أخرى سبقتها في النشر.إنما يتحقق للشعرية الجديدة في اليمن كفضاء جديد يفتح امامها فرصا أخرى من الإحتضان والتفاعلية الصادقة بتماساتها وجمال مقاصدها التي جاءت كطموح لحظي استدعاه الإلحاح والمحبة وجمال ومبادرة بلدعظيم كالجزائرارضا وإنسانا بتمثيل القائمين على فكرة مشروع الإنطولوجيات العربية بالتنسيق مع وزارة الثقافة بالجزائركجهة داعمة للنشرضمن منشوراتها وبرنامجها” الجزائر عاصمة للثقافة العربية 2007م”وبآلية مؤسسية جادة وناشطة لجهات ثقافية وجماعات شعرية مستقلة تتبنى وتعمل بصدق وبلا عقدعلى مأسسة مشروع كهذا بفن ورؤية واحلام تتحقق اليوم كفعل ثقافي ولعل لديها كما ارى واسمع طموحات لإيصال هذه الشعريات إلى إستحقاق فضاء التلقي العالمي عبر إرادة ورغبة مدروسة بعناية ما سنح لها الظرف القريب لترجمة الإنطولوجيات العربية الناجزة بما فيها هذا العمل وذلك في سياق أفق مشروعها الحضاري إلى الإنجليزية والفرنسية وهو جهد سيمثل بالتأكيد في حال تحقق قيمة كبرى ومنحة عظيمة العطاء من الجزائربفكرة ومصداقية تستهدف الإنصاف والتعريف بهذه التجارب الطرية بإتساع مخيالها في إمتداد أفق جديد وذائقة مختلفة وفي حدود تلقي بلاحدود ادناه التوثيق الشعري في مساقاته وامكنته وانا وجوده وتمرده فنا وإبداعا كما بإ إقتراحاته الجديدة وإضافاته.كماعلى صعيد الإبقاء ايضا على صيغة الموقف الجمالي والفني والموقف من الإنسان في الشعروالعالم.وهي علاقة سؤال او صيغة إقتراح لوجود حتمي يقترن الشعرفي إمتداده الإنساني بنقاء الرؤية وتماسه بحجر التفاصيل والحياة وفي إقترانهما ايضا بشعرية الرغيف والحب والحلم والسلام كرديف للحرية. وهكذا كان من الصعب عليّ ان اخوض مغامرة إشكالية ومعقدة اقوم من خلالها بلعب دور” العداد”في عملية اشبه ماتكون بالديموغرافية في إحصاء النفوس.او الخروج بتقريرتفصيلي يستهدف معاينة إحصائية لملامح الشعرفي مشهديته وحالاته سواء منها الرديئة او المائزة.وهنا لابد من الإشارة كضرورة إلى انني ونتيجة لعامل الوقت القصيرفي إعداد وتقديم هذه الإنطولوجيا الخاصة والمخصصة لقصيدة النثر اليمنية في مستوياتها وتجاربها الأصفى وابعاد رؤيتها المختلفة لم يكن بإستطاعتي مقاربة اعمق لأبرز ملامح وحداثة وإسلوب كل تجربة على حدة بتمثيلات نماذج هذ العمل وبالرؤية والشكل والصورة او العمق الذي تقوله قصائدها كما بالقدرذاته الذي يكتسب عبره النص الشعري في خيارات التلقي حالا من الشغف والإنطباع والملامسة اوالتفاعلية عبر مستويات القراءة البصرية لاالمنبرية.بل القراءة المفتوحة على التأويل والتعدد وفعل الكتابة بالإضافة إلى إستكناه واكتشاف ما يمكن ان نسميه طبيعة جديدة للغة بتوثبات صورها وإنبثاقاتها الحية ومغايرتها لجهة الإسلوب وشعرية الصورة والإلتقاط في خلق اللامتوقع وإبداع قصيدة بطراوة مخيالها وإتساع فراغها الجميل بالمعنى الإنتولوجي الواسع: إذ يشعرك بإنفساح نفسي وبصري بينا يشغفك الدفء والتماهي
او الإمتلاء فيه.

اترك رد

%d