جيل التسعينات اليمني… وراثة «مشوّهة» للبَرَدُّوني وتجارب «طليعية» لم تكتمل!
صنعاء – علي سالم
على رفّ غرفة مقيل القاص اليمني محمد أحمد عثمان في حي الصافية في صنعاء يقبع آخر عدد من مجلة «طيارة ورقية». المجلة التي عكست عند ظهورها محاولة مجموعة من أدباء التسعينات تجاوزالكتابة السائدة والافلات من سلطة المؤسسة الرسمية والحزبية باتت مجرد تذكار، يطل من رف منزل رئيس تحريرها. نشأت فكرة اصدار «طيارة ورقية» مع شعور مجموعة من الكتاب الشباب من ذوي الميول الحداثية أمثال الشعراء نبيل سبيع، أحمد السلامي، محمد الشيباني، عمار النجار، اياد الحاج، والقاص محمد أحمد عثمان، بعجز وسائل النشر المتاحة عن استيعاب نتاجاتهم لأسباب عدة، بينها محاذير الثقافة التقليدية المهيمنة على معظم أقنية الصحافة الثقافية، حسب اعتقادهم.
المجلة التي نهضت على جهد ذاتي وبدأت على شكل نشرة تُوزّع بأعداد محدودة، على غرار نماذج عربية كمجلة «جرادة» القاهرية، سعت الى كسر العزلة عن الكتابة الجديدة. وهي بدت وكأنها لا تبشر بتمرد على السائد والمألوف فحسب، بل وبقدرة هذه الاصوات على فرض حضورها من خلال خلق أقنية تواصل مع الجمهور.
غير أنه لم تكن مضت أربعة أعداد على صدور «طيارة ورقية» حتى أخذ شمل القائمين عليها في التفّرق، ليؤول مشروع المجلة الى سلة النسيان، مثله في ذلك مثل مشاريع ثقافية عدة. توجهات شتى أخذت فريق المجلة، فمنهم من اتجه الى العمل الصحافي، مثل نبيل سبيع، الذي اصدر بمعية رفيق له صحيفة اسبوعية عامة، ومنهم من سلك طريق تاسيس مؤسسات ثقافية مثل عمار النجار، فيما اتجه الشيباني الى صحيفة حزب التجمع بعد حصوله على عضوية لجنته المركزية. فيما اطلق السلامي موقع «عناوين ثقافية» على شبكة الإنترنت. وفي حين انهمك الحاج في العمل التجاري، بقي عثمان منكباً على ترجمة نصوص فرنسية لبعض الصحف المحلية، إضافة إلى مزاولة التدريس.
وبحسب عثمان، فإن سبب توقف «طيارة ورقية» عائد الى الانشغالات الحياتية لأصحابها، ما جعلهم، بحسب قوله ينصرفون عن الاستمرار في المجلة. غير أن الواضح أن الأمر يرجع الى طبيعة جيل التسعينات ذاته، الذي بدا وكأنه غير قادر على اجتراح مغايرة، سيما ان نتاج بعض ممثليه توقف بإصدار كتاب او كتابين، أو بقي يكرر نفسه.
ويرى الشاعر احمد السلامي في منتج جيل التسعينات «خليطاً غير متجانس، متعدد الرؤى والأشكال إلى حد الاضطراب».
ويقول إن ظهور هذا الجيل في حقبة التسعينات لا يعني أنه واكب التحولات التي طرأت على المشاهد الثقافية العربية. موضحاً أن ما يميز جيل التسعينات عن سابقيه هو التعدد في الرداءة وفــي الجودة، فضلاً عن أن غالبية هذا الجيل لا يحفلون بالسياسة، ولا بالتأطير الايديولوجي، باستثناء انحيازات مناسباتية تظهر في الانتخابات النقابية وفي مواسم انتخابات الحكومة، «لكن تلك الاصطفافات تظهر معزولة عن توجهاتهم في الكتابة الإبداعية وتتخذ منحى اقتصاديا مصلحيا مؤقتا».ولئن نفى السلامي صفة الانغماس السياسي عن غالبية التسعينيين، الا أنه يضع تسطيراً غير بعيد عن التسطير السياسي اذ يرى أن بالامكان تقسيم الجيل التسعيني الى جماعتين. تبعاً لموقف كل طرف من الحداثة والتجاوز وتقديم منتج مغاير، ويحدد الجماعة الأولى بتلك، التي ترث البردوني وراثة مشوهة، ووجد أفرادها أنفسهم – من دون أن يشعروا – ضحايا لنوع من الفساد الثقافي الرسمي تجسده الملاحق الصحافية الرسمية وآليات طباعة الكتاب.
وعلى غرار ثنائية الخير والشر والسلطة والمعارضة المرسومة عادة على المشهد السياسي يصف السلامي الجماعة الثانية بالعصابة والقلة «المفككة نوعاً ما، لكن أفرادها معنيون بكتابة مختلفة ومغايرة للسائد»، لكنها عصابة «تحاول ان تتعاطى مع التحولات التي طرأت وتطرأ على صعيد الكتابة الإبداعية العربية والعالمية». ويرى السلامي أن من سمات فصيل التسعينات إجادة أفراده التلقي والتنقيب عن الجديد، ولديهم إمكانات لاستيعابه باتجاه خلق منتجهم الإبداعي المميز.
ونوه إلى أن هذه العصابة القلة مازالت « مقموعة حتى من المخرج الفني لصفحة النصوص في الملاحق الثقافية بالصحف الرسمية. وفي حين ترى الروائية نادية الكوكباني في منتج كاتبات التسعينات تميزاً وغزارة. يلفت أحد روائيي التسعينات إلى اليقين البارد الذي لا تشوبه شائبة»، «الذي يكتب به بعض الكتاب اليمنيين شهاداتهم حول منجزهم». وبحسبه فإن اصحاب هذه الشهادات عادة ما يعطون كتاباتهم الأدبية مستوى يضاهي، ما لم يفق، ما ينجزمن كتابات خارج اليمن. ويقول: «أحسد هؤلاء» الأصدقاء على هذه الثقة الحديدية في كتاباتهم، مشيراً الى أن «الثقة مطلوبة في كثير من الأحايين»، لكنها أحياناً تكون «مدمرة، وتجعلنا نعيش في غفلة من الزمن».
وعدا بعض التجارب الشعرية الجديدة، لا يرى هذا الروائي أن ما يكتبه أدباء التسعينات في اليمن «يشتبك بالحداثة في العالم». معرباً عن شكه في إمكان أن يظل كاتب يمني شاب «يكتب باستمرار، كتابة تضج بكل ما هو حداثي، وسط كم من المثبطات، وفي ظل كل ما يحارب الخروج على السائد».
(جريدة الحياة 2007)