الخلفية الاجتماعية لضعف وعي الطبقة الوسطى اليمنية بذاتها

بحث للدكتور أحمد القصير*

 

1- مدخل

هناك من الدلائل ما يشير إلى ضعف الدور الاجتماعي للطبقة الوسطى اليمنية. وتبدو ثقافتها ضعيفة التأثير في المجتمع. وفي نفس الوقت فإن الثقافة السائدة لا زالت تتسم بطابع تقليدي ليس له علاقة بثقافة البندر. أي ليس لها علاقة بثقافة الحضر التي تنشأ مع نشأة الطبقة الوسطى والشرائح والطبقات الاجتماعية الأخرى التي ظهرت ارتباطا بالنشاط الاقتصادي الحديث. إننا أمام إشكالية تقع على أكثر من مستوى. فمن جانب نحن أمام ما يمكن تسميته بضعف الثقل النسبي للطبقة الوسطى وهامشية ثقافتها في المجتمع علاوة على ضعف وعيها بذاتها. وبالمقابل تسود على سطح المجتمع ثقافة محافظة وأنماط سلوك تقليدية لا تنتمي إلى المجتمع الحديث.

 وفضلا عن ذلك فإن الدراسات الاجتماعية تبدو غائبة هى الأخرى، ولا تهتم كثيرا بدراسة مثل هذه القضايا. ومن الأمور التي تدعو إلى الانتباه أن بعض الدراسات المعنية بالتاريخ الاجتماعي لليمن تناولت الحركات الاجتماعية لبعض طبقات المجتمع وشرائحه الاجتماعية الأخرى بينما لم تظهر دراسات مماثلة أو كافية عن الطبقة الوسطى.. وعلى سبيل المثال ظهرت دراسات عن الحركة العمالية وحركة المرأة وعن القبيلة، بينما لم تنل الطبقة الوسطى اهتماما كافيا من جانب الباحثين.

وثمة ملاحظة أخرى وهى أن الأعمال الأدبية اليمنية تناولت بعض الجماعات والشرائح الاجتماعية علاوة على ثقافة تلك الجماعات ولم تظهر بينها الطبقة الوسطى على نحو واضح . وعلى سبيل المثال تناولت عدة  أعمال أدبية من شعر وقصة العمال سواء كانوا داخل البلاد أو في المهجر، كما تعرضت إلى الريفيين، وإلى المرأة خاصة في الريف بينما لم نشهد تواجدا يذكر لأبناء الطبقة الوسطى وثقافتهم في تلك الأعمال.

2 – موضوع – إشكالية الدراسة

يؤدي غياب الدور الفعال للطبقة الوسطى الحضرية، أي غير القبلية، إلى تأثيرات سلبية في المجتمع. فإن غياب دور هذه الطبقة وضعف تأثيرها في ثقافة المجتمع وسلوكياته يعني غياب أحد العناصر الأساسية التي تجمع بين كافة شرائح المجتمع وتوحد بينها. وهو ما يعني في واقع الأمر ضعف عوامل تماسك النسيج الاجتماعي وانتفاء أحد العوامل الأساسية للاندماج الوطني. فكلما برزت الطبقة الوسطي وازدادت فعالية دورها الاجتماعي تدعمت عوامل الاندماج الوطني. والعكس صحيح؛ فكلما غاب دور هذه الطبقة أو ظل هامشيا زادت وطأة الانتماءات الفرعية ومن بينها الانتماءت المناطقية والطائفية والقبلية.

ولا تتوقف الإشكالية عند هذا الحد. ففي الوقت الذي يبدو فيه دور الطبقة الوسطى غائبا أو هامشيا تظهر على السطح وفي مقدمة الصورة أصوات تعبر عن الجماعات التقليدية والقبلية، وتروج ثقافتها التي تتسم بطابع محافظ. وسبق أن ظهرت أراء مشابهة منذ أكثر من نصف قرن مضى. فقد وصل الأمر ببعض الشخصيات التاريخية مثل القاضي محمد محمود الزبيري إلى جعل القبيلة معادلة للشعب وبديلا له وليس مجرد أحد مكوناته.

إن ضعف التأثير الاجتماعي للطبقة الوسطى في الأنماط الثقافية للمجتمع مسألة تحتاج إلى الدراسة والتحليل والتفسير والفهم. أي أننا نحتاج أن نتعرف على العوامل التاريخية الاجتماعية التي جعلت هذه الطبقة تبدو صامتة أو غائبة ولا تجهر برأي واضح، وكأن ثقافة المجتمع وسلوكياته لا تعنيها. إننا أمام قضية لا تتعلق بطبقة بقدر ما تتعلق بضعف عوامل استقرار المجتمع وغياب بعض عوامل تماسك النسيج الاجتماعي.

ينبغي التنويه باننا نتحدث عن الطبقة الوسطى ذات الأصول الحضرية وليست القبلية. فإن شرائح الطبقة الوسطى التي تشكلت من أصول غير قبلية لا تصنع قوانينها الخاصة. كما أنها ليست حرة في ذلك. ويبدو الأمر وكأنها لا تعي دورها في المجتمع. فهي، على سبيل المثال، لا تبذل جهدا عاما من أجل نشر ثقافتها ولا تدخل في معارك من أجل ذلك. وتكتفي بأن تمارس جانبا من هذه الثقافة في حياتها الخاصة وحسب. أما في الحياة العامة فتخضع لثقافة عصر ما قبل الرأسماليـة. وهو ما يشكل إحدى نقائص هذه الطبقة.

“فهي تعيش في ازدواجية تنعكس سماتها ونقائصها علي المجتمــع بأسره. هنا يكمن أحد منابع الازدواجية التي يعيشها المجتمع اليمنى الآن. وهى ازدواجية تنسحب على أنمــاط السلوك والقيم. ازدواجية تتجسد فى نهاية المطاف في وجود مجتمعين وليس مجتمعا واحدا. مجتمع رسمي يظهرعلى السطح ويتسم بالتزمت. ومجتمع آخرغير ظاهر يقبل ويسمح ويبيح ما هو محظور في المجتمع الرسمي. وبهذا يتم تكريس احد أشكال التحديث المشوه”. (أحمد القصير، “الحداثة المفقودة في اليمن”، مجلة “أخبار الأدب” القاهرية، العدد رقم 409 الصادر في 13 مايو 2001). 

 

3- لمحة تاريخية

ظهرت الشرائح الأولى من الطبقة الوسطى اليمنية في عدن منذ عقود طويلة. وكانت الغرفة التجارية في عدن قد تاسست عام 1886 أي منذ ما يزيد على مائة وأربعة وعشرين عاما. كما ظهرت بعد ذلك في عدن أيضا منظمات تعبر عن الشرائح الاجتماعية الجديدة التي ارتبطت بنوعية جديدة من أشكال النشاط الاقتصادي. وكان بينها منظمات أهلية وأحزاب سياسية. كما ظهرت منظمات وأحزاب أسسها أشخاص من يمن الأمامة، أي من شمال اليمن. ومثال ذلك حركة الأحرار الدستوريين التي تأسست عام 1944 في عدن بزعامة أحمد محمد نعمان والقاضي محمد محمود الزبيري. وقد وضعت هذه الحركة ضمن مطالبها في عام 1948 مطلبا يعبر عن الشرائح الاجتماعية التجارية. فقد طالبت بضرورة “القضاء على احتكار التجارة من قبل كبار المقربين للإمام لتسويق أو استيراد المنتجات”. (سعيد أحمد الجناحي، الحركة الوطنية اليمنية من الثورة إلى الوحدة، مركز الأمل للدراسات والنشر، صنعاء وعدن، 1992، صفحة 86).

3/1- الاتحاد اليمني تعبير عن مرحلة جديدة

بعد فشل حركة 1948 أسست مجموعة التجار من أبناء الشمال في عدن في12 يوليو 1952 “الاتحاد اليمني” كنادي اجتماعي. (علي محمد عبده، لمحات من تاريخ حركة الأحرار اليمنيين-الجزء الأول، منتدى النعمان الثقافي للشباب والمعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية، صنعاء، 2003، صفحة 392). وكانت سلطات الاحتلال البريطاني قد رفضت محاولة المجموعة التي أسست هذا الاتحاد تأسيس حزب باسم “الرابطة اليمنية” في عام 1951. وينبغي التنويه بأن مؤلف الكتاب السابق أشار في مقال نشره عام 1978إلى أن “الاتحاد اليمني” تأسس عام 1951 وأن “الرابطة اليمنية” تأسست عام 1950. (أنظر: علي محمد عبده، “الاتحاد اليمني من المهد إلى اللحد”، مجلة “الكلمة”، الصفحات 22- 38، العدد 47، مايو 1978). وقد رفع “الاتحاد اليمني” سقف المطالب التي طرحتها حركة 1948. وكان ذلك تعبيرا عن زيادة الثقل النسبي للشرائح التجارية وعن ظهور شرائح اجتماعية جديدة. وعلي سبيل المثال جاء في دستور “مطالب الشعب” الذي أعلنه أحمد محمد نعمان ومحمد محمود الزبيري في عام 1956 ما يلي: “الدولة تحمي العمل وتنشئ له تشريعا يتضمن المبادئ التالية:

 ا- أجور العمل تكون متناسبة مع الكمية والنوع ولا يجوز أن تقل عن الحد الأدنى في التشريع.

 ب- تحديد ساعات العمل في الأسبوع ومنح العمال عطلة أسبوعية وسنوية بأجرة مدفوعة.

ج- تعيين مكافآت العائلات وضمان حالة المرض والشيخوخة والإصابة جراء العمل.

د- حرية تشكيل اتحادات عمالية”. (علي محمد عبده، لمحات من تاريخ حركة الأحرار اليمنيين-الجزء الثاني، منتدى النعمان الثقافي للشباب والمعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية، صنعاء، 2003، صفحة 96).

أما في الوقت الحاضر فإن الدلائل تشير إلى هامشية دور الطبقة الوسطى وعدم فاعليتها بشأن قضايا التطور الاجتماعي مع أن مشروعاتها الاقتصادية كانت في الماضي محدودة للغاية مقارنة بالوضع الراهن. فقد توسع نشاطها التجاري والصناعي في الوقت الراهن على نحو لا يمكن مقارنته بالماضي. وعلاوة على ذلك امتد هذا النشاط إلى بلاد أخرى عربية وأجنبية.

3/2- ضعف دور العمل الذهني والمهني

ينبغي التنويه بأن الشرائح التجارية التي ظهرت في عدن والتي أشرنا إليها آنفا قد تقلصت نتيجة التأميم بعد نجاح ثورة 14 أكتوبر وتحقيق الاستقلال. كما واجهت المجموعات التي انتقلت إلى الشمال أوضاعا تتناقض مع مقومات النشاط الاقتصادي الحديث. ولم تستطع أن تطور مؤسسات مهنية تعبر عن وجودها وعن مصالحها. وبالتالي يمكن القول بأن الشرائح التجارية والرأسمالية التي ظهرت من انتماءات وأصول غير قبليـة اتسم دورها العام بالطابع الهامشي بفعل السياق الاجتماعي العام.كما أن السياق الاجتماعي الثقـافي السائد أدي إلى ضعف العمـل الذهـني والمهني عامة على الرغم من أهميته لتحديث المجتمع وتنميته.

لذلك ليس غريبا أن يغيب الدور الاجتماعي الفاعل للمهنيين والطبقة الوسطى عامة في ظل سياق اجتماعي غير موات. وليس غريبا أيضا أن يتوارى دورهم البنيوي الذي يمكن أن يؤدي إلى إحداث تغيرات جوهرية في المجتمع. وبالتـالي لا تبرز في مقدمة الصورة، في أحيان كثيرة، إلا الجماعات التقليدية وثقافـة وسلوكيات المجتمع التقليـدي. ولهذا لم تنتشر مع الطبقـة الوسطى اليمنية أنمـاط سلوكية جديدة يقتدي بها الجمهور. ولم يكن غريبا في ظل مثل هذا الوضع “أن يحتفي بعض أبناء هذه الطبقة ذاتها ببعض أنماط السلوك التقليـدي والقبلي مثل الجنبية التي يتزينـون بها في المناسبات. ويحدث هذا بينما لم يكن التزين بالجنبية ثقافة عامة أو شاملة  لكل أبناء اليمن، بل كانت جزءا من ثقافة أقلية من السكان وحسب. ويشير ذلك إلى أن ثقافة الطبقة الوسطى في اليمن ترتكز علي خلفية هشة”. (أحمد القصير، “الحداثة المفقودة في اليمن”). ولا جدال في أن مثل هذه الأوضاع تعتبر من أسباب ضعف دور النقابات المهنية. كما أن تقييد الحريات العامة قد أسهم بدوره بل ولا يزال يسهم في ابتعاد هذه النقابات عن القيام بأدوارها.

4- بدايات التحديث في الشطر الشمالي

بدأت هذه العملية بعد ثورة 26 سبتمبر 1962مباشرة ثم تصاعدت بعد ذلك. ففي تلك الفترة نزحت من عدن كفاءات مهنية وعناصر من البورجوازية التجارية، أي الطبقة الوسطى، إلى الشطر الشمالي من اليمن سابقا. وهي تنتمي في الأساس إلى ناحية تعز. ولم تكن عمليات التأميم هي العامل الأول وراء النزوح من عدن في اتجاه الشمال. فقد يدأت عملية النزوح قبل حدوث التأميمات بفترة. وفي واقع الأمر بدأ  هذا النزوح بمجرد قيام ثورة 26 سبتمبر، أي أنه بدأ قبل ثورة 14 أكتوبر وقبل استقلال الجنوب. وكان الدافع الأول له هو السعي إلى إقامة أنشطة اقتصادية بعد سقوط نظام الإمامة. وفيما بعد قام عدد من التجار بالانتقال من عدن إلى الشمال بعد إجراء التأميمات وإنشاء القطاع العام وقيامه بعملية الاستيراد.

 4/1- توطن المشروعات في مثلث تعز- الحديدة- صنعاء

اتجهت العناصر البورجوازية النازحة من عدن بمشروعاتها إلى مثلث تعز- الحديدة – صنعاء. وأصبح هذا المثلث الموطن الرئيسي للمشروعات الحديثة. وجسدت هذه المشروعات دعائم أساسية في تحديث اليمن الشمالي سابقا وما حدث فيه من نهضة تجارية وصناعية. وقام بالدور الأساسي في إقامة تلك المشروعات التجارية والصناعية عدد ليس بالقليل من هؤلاء العائدين. لكن يبرز في هذا الصدد أربع مجموعات كبيرة من بينهم ثلاثة كان لها نشاطا في عدن. وهذه المجموعات الثلاثة هي مجموعة بيت هائل سعيد أنعم، ومجموعة أخوان ثابت، ومجموعة أخوان ردمان. أما المجموعة الرابعة فصاحبها هو شاهر عبدالحق، وكان مهاجرا في كينيا. وكان إلى جوار هذه المجموعات الأربع الكبيرة عددا ليس قليلا من أصحاب المشروعات الصغيرة أو المتوسطة.

4/2- إنشاء الفنادق أحد ملامح التحديث

سوف نشير إلى نشأة الفنادق في صنعاء كمثال لأحد جوانب عملية التحديث. فلم تكن هناك فنادق في يمن الإمامة. ولم تعرف البلاد آنذاك سوى السماسر. وكانت صنعاء أشبه بالقرية. ولا توجد بها حياة عامة. وبعد ثورة 26 سبتمبر 1962 مباشرة أخذت الفنادق الحديثة في الظهور أساسا في صنعاء.. وبدأت هذه العملية في عام 1963. وشهدت الفترة 1963- 1969 تأسيس سبع فنادق في صنعاء من بينها خمس تأسست خلال السنوات 1963- 1967. وأقام هذه الفنادق أشخاص ينتمون جميعا إلى ناحية تعز  ومن القادمين من عدن باستثناء شخص واحد كان مهاجرا في كينيا.

وكان أول فندق هو “فندق صنعاء”. وقد أسسه في 1963 عبده عبدالله الدحان وعلي أحمد شعلان ومحمد هاشم. وأداره الدحان الذي كان هو وشعلان يمتلكان فندقا في كريتر في عدن. أي كانا لهما نشاطا فندقيا من قبل. واحتل هذا الفندق مبنى من ثلاث طوابق بشارع جمال. وكانت ساحته الأمامية أشبه بملتقي سياسي للشباب المنتمي لحركة القوميين العرب وحزب البعث والشيوعيين.كما أصبح الفندق مقصدا لمن لا يجدون مكانا عاما بمن فيهم الذين يقيمون في دار الضيافة.

وفي 1965 أنشأ محمد هاشم “فندق السلام”. وفي نفس عام 1965 أيضا أنشأ شاهر عبدالحق الذي كان مهاجرا في كينيا فندقا في “قصر البشائر” باسم “فندق قصر الحرية” قبل أن يقوم بعد ذلك بحوالي عقدين بإقامة أول فندق خمس نجوم وهو فندق “تاج سبأ”. وفي 1966 أنشأ على احمد شعلان “فندق المخا”. وكان قد بدأ قي بناء مبناه منذ عام 1963.كما أنشأ عبدالقوي عثمان “فندق ناصر” في 1967 ثم “فندق الزهراء”  في 1968 ثم “فندق الشرق” في عام 1969. وفي الستيينات إيضا أنشأ محمد عثمان ثابت فندق الأخوة في مدينة الحديدة أولا ثم في تعز وبعد ذلك في صنعاء. وفي السبعينات أنشأ عبدالقوي عثمان أيضا فندقا في قصر “دار الحمد”.

إن هذه الحركة النشطة في بناء الفنادق سابقة علي استقلال الجنوب وعلى عملية التأميم. وهو ما يدعم القول بأن عملية التحديث في الشمال لم ترتبط بالتأميم الذي حدث في الجنوب. فقد بدأت هذه العملية ومن بينها إنشاء الفنادق قبل حدوث التأميمات بسبع سنوات.

5- عوامل ضعف دور الطبقة الوسطى

توجد عدة عوامل تؤثر على المجتمع اليمني. ولا تجعله يتطور على نحو طبيعي. ولا توفر حالة شبه دائمة من الاستقرار. كما لا تعمل على تماسك شرائحة الاجتماعية. وهي عوامل تخلق منابع لصراعات شبه مستمرة بين مجموعات من المصالح والقيم والثقافات. وعلاوة على ذلك فإن هذه العوامل تحد من دور الطبقة الوسطى سواء في المجال الاقتصادي أو المجال الاجتماعي. وتعود جذور  بعض العوامل إلى الماضي بينما نتج البعض الآخر بفعل تطورات حديثة. وكانت المحصلة النهائية أن المجتمع واجه عدة ظواهر سلبية يعنينا منها في دراستنا هذه الظواهر التالية:

1- عدم تشكل ثقافة جامعة لأبناء المجتمع ككل.

2- سيطرة ثقافة تقليدية محافظة وقبلية.

3- ضعف دور الطبقة الوسطى وعدم انتشار ثقافتها.

تعود أسباب هذه الظواهر إلى عوامل مختلفة حسبما أشرنا آنفا. ومن بينها عوامل موروثة من مراحل مختلفة في عهد الإمامة بينما ترتبط بعض العوامل الأخرى بنمط التحديث خلال العقود الماضية. كما ترتبط بعض العوامل الأخرى بتطورات جرت في كل من شمال اليمن وجنوبه قبل الوحدة اليمنية علاوة على تطورات أخرى تمت بعدها.

6- عوامل ترتبط بالعقود الحديثة

سوف نتناول أولا العوامل المرتبطة بالعقود التاريخية الحديثة وبنمط التحديث بعد قيام ثورة سبتمبر 1962 والتي أسهمت في وجود الظواهر المشار إليها آنفا. ثم ننتقل بعد ذلك إلى تناول العوامل الموروثة من عهد الإمامة.

6/1- بيئة غير مواتية للبورجوازية الناشئة

إن الملابسات التي أحاطت بنشاط العناصر البورجوازية في الشمال كان لها  تأثيرات سلبية علي نمط التحديث وصبغته بطابع غير صحي يعرقل التطور. وعلى سبيل المثال فإن عناصر الطبقة الوسطى الوافدة من عدن إلى صنعاء مارست نشاطها في مناخ محافظ لا توجد به قواعد منظمة لذلك النشاط. فهي لم تنشأ نشأة طبيعية بل انتقلت إلى بيئة اجتماعية محافظة، انتقلت إلى مجتمع يخلو من سمات الحضر أو البندر، ولا تتفق قيمه وسلوكياته مع القيم البورجوازية. وشكل هذا المجتمع بأنماط سلوكه وثقافته المحافظة قيدا وضغوطا على سلوكيات وقيم أبناء الطبقة الوسطى الوافدين من منطقة أخرى من نفس الوطن. لقد واجه الذين انتقلوا من بندر عدن، أي من حضر المدينة، إلى مجتمع تقليدي محافظ مغلق ضغوطا وقيودا كان لها تأثيرها السلبي على ثقافتهم الحضرية. وحدث ذلك التأثير السلبي على الرغم من الهزة العنيفة التي أحدثتها ثورة 26 سبتمبر 1962 في ذلك المجتمع المحافظ. لقد عاشت العناصر البورجوازية القادمة من عدن إلى مجتمع محافظ وكأنها في غربة وغير قادرة على التعبير عن ذاتها. إننا أمام قضية لا تتعلق بطبقة بقدر ما تتعلق بضعف بعض عوامل تماسك النسيج الاجتماعي.

عاش  أبناء الحضر من الطبقة الوسطى والجماعات المهنية المختلفة التي جاءت من عدن غرباء بدرجة أو أخرى عن النسيج الاجتماعي السائد على الرغم من قيامهم بدور هام في عملية تحديث البلاد.. كما قام المهنيون والفنيون منهم بتشغيل بعض المؤسسات التي نشأت في الشمال بعد ثورة سبتمبر1962. عاش هؤلاء شبه غرباء في وطنهم. وعلاوة على ذلك فإن الصراعات التي نشبت بعد الثورة بين الملكيين والجمهوريين ومحاولة الملكيين إعادة نظام الإمامة لم تخلق مناخا مواتيا لعملية الانصهار الاجتماعي. بل عرقلت هذا الانصهار.

يمكن القول أن التجار الذين انتقلوا من عدن إلى صنعاء عاشوا شكلا من الازدواجية. فقد نشأوا في مجتمع حضري تسير فيه المعاملات وفق قواعد وضوابط وله سلوكيات ترتبط به. ومن جانب آخر فرض عليهم المجتمع المحافظ الذي انتقلوا إليه عدم الجهر بتطلعاتهم، وهي تطلعات تتعلق بمصالح وطموحات وسلوكيات الشرائح الاجتماعية التجارية التي ينتمون إليها. وهكذا عجزت تلك الشرائح من الطبقة الوسطى عن التعبير  عن نفسها وعن ثقافتها المرتبطة بالمجتمع الحضري الذي نشأت فيه في بندر عدن. وبالتالي لم تشغل ثقافة الطبقة الوسطى إلا مساحة محدودة وسط ثقافة المجتمع التقليدي. لقد عجزت الطبقة الوسطى في واقع الأمرعن نشر ثقافتها على نطاق واسع. وأسهم ذلك في نهاية المطاف في عدم ظهور فكر للطبقة الوسطى على مسرح الحياة العامة بجوانبها الفكرية والثقافية والاجتماعية.

بدا الأمر في نهاية المطاف وكأن هذه الطبقة لا تعي ذاتها، أي لا تعي وجودها. بل ونسيت تاريخها. وقد رأينا آنفا ان التجار كان لهم من يعبر عنهم في حركة 1948حيث جاء في أحد مطالبها إلغاء احتكار التجارة، أي إلغاء سيطرة الإمامة على تلك التجارة. كما عبرت الشرائح التجارية بعد ذلك عن نفسها بوضوح أكثر من خلال “الاتحاد اليمني” في كل من عدن والقاهرة. لقد صبغت الأوضاع السلبية التي تحدثنا عنها الطبقة المتوسطة ولا تزال تصبغها بسمات جعلت دورها الاجتماعي الثقافي غير فاعل حتى الآن.

لم تقتصر عواقب تلك الأوضاع على إضعاف الدور الاجتماعي للمهنيين والطبقة الوسطى وحسب، بل أسهم في إعاقة تماسك النسيج الاجتماعي وفي عرقلة انصهار كافة ابناء المجتمع وشرائحة الاجتماعية في بوتقة واحدة تقوم على المواطنة وليس على الانتماء المناطقي أو المذهبي أو القبلي. وزاد من وطأة هذه الأوضاع عدم الاستقرار والأزمات الدائمة التي واجهها المجتمع في العغود الماضية.

6/2- دخول مشايخ القبائل مجالات النشاط الاقتصادي الحديث

تعاني عملية التحديث في الوقت الراهن من دخول مشايخ القبائل مجالات جديدة وحديثة للنشاط الاقتصادي. وشكل هذا الأمر بدوره قيودا وضغوطا على الطبقة البورجوازية التي لا تنتمي إلى أصول قبلية. كما أنه يدفع بشكل أو آخر إلى إضعاف الدور الاقتصادي والاجتماعي لهذه الطبقة. فقد “بدأ عدد من رموزالقبائل، أي كبار مشايخها، يشاركون في نشاطات رأسمالية واضحة، وبوجه خاص، في مجال الشركات الزراعية والتجارية والبنوك فضلا عن الوكالات التجارية”. (أحمد القصير، التحديث في اليمن والتداخل بين الدولة والقبيلة، دار العالم الثالث، القاهرة، 2006، صفحة 55). ويستند هؤلاء عادة في إدارة ذلك النشاط إلى النفوذ القبلي أكثر من الاستناد إلى القواعد والقوانين الحديثة التي من المفترض أن تنشأ من طبيعة ذلك النشاط وتتلاءم معه. وبكلمات أخرى نقول إنهم يمارسون ذلك النشـاط اعتمادا على الوجاهة القبلية بدرجة أو أخرى. ويشكل مثل هذا الوضع ضغوطا على أصحاب الأعمال الذين لا ينتمون إلى أصول قبلية الذين يعنيهم وجود قواعد منظمة لنشاطهم الاقتصادي.كما أنه يحد من دخول بعض المواطنين من غير القبائل إلى مجالات الاستثمار ويجعلهم يخشون من استخدام مدخراتهم في أنشطة اقتصادية حديثة. وكانت هذه الأوضاع من أسباب تراجع عدد من المغتربين في السعودية ودول الخليج عن استخدام مدخراتهم في مشروعات داخل البلاد في السنوات الماضية. لكن ينبغي أن نشير أيضا إلى أن عدم الاستقرار كان هو الآخر من بين الأسباب التي دفعت هؤلاء المغتربين إلى التراجع وعدم الإقدام على إقامة مشروعات استثمارية.

6/3- مشاركة الطبقة الوسطى في تشويه التحديث

إن التحديث يتم هنا في ظل ثقافة تقليديـة غير حديثـة، وفي ظل ظروف تحد من إمكانيات نشأة منظمات حديثة في المجتمع تواكب نوعية النشاط الجديد. وعلاوة على ذلك فإن أصحاب الشركات في مجال النشاط الاقتصـادي الحديث سواء كانوا من العناصر القبلية أوغيرالقبلية يقفون معا ضد نشأة النقابات العمالية في شركاتهم. وذلك على الرغم من أن هذه النقابات من مكونات أي مجتمع يوجد به نوعية النشاط الاقتصادي الحديث الذي يمارسه  المشايخ والبورجوازيون الذين لا ينتمون إلى أصول قبلية. وهو ما يعني أنهم يقفون معا بوضوح ضد نشأة بعض منظمات المجتمع المدني. ولا جدال في أن وضع قيود على حرية تأسيس النقابات العمالية إنما هو، بشكل أو آخر، انعكاس لوضع عام لا يترك حرية كافية لمنظمات المجتمع المدني بما في ذلك النقابات المهنية.

7-  تأثيرات الموروث

هناك بعض العوامل الموروثة من الماضي أثرت ولا تزال تؤثر على سياق التطور الاجتماعي. وترتبط هذه العوامل بالإمامة ذاتها وبعض مبادئها وما أوجدته من عدم استقرار. ويمكننا أن نشير إلى أربعة أمثلة للموروث الذي له تأثيره على مجريات تطور المجتمع وثقافته العامة وعدم استقراره. ويتمثل المثال الأول في بعض التأثيرات السلبية وردود الفعل الناتجة عن فشل حركة 1948. ويتمثل المثال الثاني في عدم انفصال فئة التجار في عهد الإمامة في العصر الحديث انفصالا كاملا عن البنية الاقطاعية القبلية. كما يرتبط الثالث بالحروب الأهلية والقبلية التي أفضت إلى هدر بعض إمكانيات التطور. أما المثال الرابع فيرتبط ببعض مبادئ الإمامة ذاتها وبالقبائل في آن واحد والعلاقة بينهما. وهي علاقة أسهمت في عدم الاستقرار وفي إحداث انقطاع في عملية تراكم الخبرات المادية والبشرية للمجتمع.

7/1- بعض تأثيرات فشل حركة 1948

انعكس فشل حركة 1948 ضد الإمام يحى على مواقف وفكر بعض أبرز قادتها مثل القاضي محمد محمود الزبيري الذي أخذ يخشى القبيلة ويمجدها. وكان ذلك بعد أن قامت القبائل بدور انتقامي ونهبت مدينة صنعاء بأمر من الإمام أحمد الذي تولى الإمامة بعد قيام رجال حركة 1948 باغتيال والده الإمام يحى حميد الدين. وبعد قيام الإمام أحمد بإعدام معظم قادتها بطريقة وحشية وقطع الرقاب حاول الزبيري التصالح مع الإمام وأصدر لهذا الغرض دستور “أمالنا وأمانيننا”.

وفي أعقاب ثورة 26 سبتمبر 1962 تخلى الزبيري عن البرنامج الذي أعلنه مع أحمد محمد نعمان في القاهرة عام 1956 في “مطالب الشعب”. كما قام في أكثر من مناسبة بتمجيد القبيلة وجعلها المعادل للشعب. وفي رواية “مأساة واق الواق” احتلت القبيلة مكانة محورية في تفكير الزبيري وتوجهاته. وذلك على الرغم من اعترافه بمختلف التقسيمات القائمة والتي يعاني منها المجتمع. ومن بينها التقسيمات المذهبية والسلالية العنصرية. وقد اشار في هذا السياق أيضا إلى تقسيم البلاد وبالأحرى “تقطيعها إلى قبائل ومدنيين”. (محمد محمود الزبيري، مأساة واق الواق، صنعاء وبيروت، 1978، صفحة 68). ومع ذلك فإن تصوره لنظام الحكم يتمثل في مجلس القبائل مثلما كان الوضع في الدول اليمنية القديمة، أي “في أيام معين وقتبان وسبأ وحمير”. (المرجع السابق، صفحة 264). وعلاوة على ذلك وقف الزبيري في صف الجمهوريين المعتدلين. بل طالب بتسليح القبائل وهاجم الرئيس عبدالله السلال لرفضه ذلك. إن هذا التوجه للدعوة للقبيلة ودعمها وجد فرصة للتصاعد خاصة بعد انقلاب الخامس من نوفمبر1967 ضد الرئيس عبدالله السلال. وقد تدعم نفوذ القبيلة في عهد القاضي عبدالرحمن الإرياني الذي تلى ذلك الانقلاب. بل وتداخلت مع أجهزة الدولة. وكان ذلك على حساب كافة القوى الأخرى في المجتمع بما في ذلك الطبقة الوسطى.

7/2- عدم انفصال فئة التجار عن البنية السائدة

تأثرت عملية التحديث أيضا بطبيعة البنية الاقتصادية الاجتماعية الموروثة من عهد الإمامة. فقد كانت الإمامة في العصر الحديث تسيطرعلى التجارة. وأعاق ذلك انفصال فئة التجار انفصالا كاملا عن بنية المجتمع التي امتزجت فيها التركيبة الاقطاعية بالتركيبة القبلية. وحسبما أوضحت دراسات سابقة فإن “الشخصيات الرئيسية التي سيطرت على حركة التجارة كانت جزءا عضويا من تلك البنية. ومن ثم لم تكن تستغل ما يتراكم لديها من فائض اقتصادي في نشاطات اقتصادية تجارية أو صناعية تؤدي إلى نشأة تجمعات حضرية مستقلة عن التركيب الاقطاعي القبلي أو إلى دفع التجمعات القبلية نحو مراكز حضرية”. (أحمد القصير، اليمن الهجرة والتنمية، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، 1985، صفحة 26).

  

7/3- الحروب وعدم الاستقرار وهدر الإمكانية

إن تعدد جولات الصراع التي شهدها ويشهدها المجتمع اليمني وما يترتب عليها من عدم استقرار إنما يفضي إلى هدر إمكانات التطور. وتشير بعص تطورات التاريخ في مراحله المختلفة حتى الحديثة منها إلى ذلك الأمر. ويمكن أن نشير هنا إلى ما حدث لمدينة المخا التي كانت قد اكتسبت شهرة عالمية بصفتها مركزا لتصدير البن اليمني. وتعتبر مدينة المخا من مراكز النشاط التي تأثرت بالحروب الأهلية في القرن التاسع عشر. “وقد نقص عدد سكانها من حوالي عشرين ألف نسمة في عام 1824 إلى ما بين 5-8 آلاف نسمة في آواخر القرن التاسع عشر. كما أن عدد سكانها لم يتجاوز 5 آلاف نسمة طبقا لتعداد 1975…. وانهارت مع مدينة المخا، بالطبع، فرص الاستفادة من عائدات البن الذي اشتهرت بتصديره. فقد كانت الميناء الذي عرف العالم من خلاله البن. كما تدهورت في هذه العملية الشرائح الاجتماعية التجارية منها والحرفية التي كانت تمارس نشاطها بالمدينة في فترة الازدهار. وكانت النتيجة حرمان اليمن من بعض فرص نمو مراكز حضرية”. (أحمد القصير، التحديث في اليمن والتداخل بين الدولة والقبيلة، دار العالم الثالث، القاهرة، صفحتي 51- 52).

7/4- علاقة الصراع والتوافق بين الإمامة والقبائل

عرف المجتمع اليمني في ظل الإمامة جولات متكررة من الصراعات والفوضى وتعدد مراكز الحكم. وهو ما يؤدي إلى انقطاع الخبرات الاجتماعية وعدم تراكمها ومن ثم إعاقة التطور. وتعود تلك الصراعات إلى أسباب ترتبط بالواقع وأخرى ترتبط بالفكر، أي بمبدأ الخروج في الفكر الزيدي الذي يسمح بوجود أكثر من إمام في وقت واحد. أي يسمح بوجود أكثر من مركز للحكم، أي أكثر من دولة في آن واحد. وتتمثل الأسباب التي ترتبط بالواقع في الصراعات القبلية من جانب والتوازنات التي كانت تتم بين القبائل والإمامة من جانب آخر. وقد أطلقنا على هذا الوضع في دراسات أخرى بأنه عبارة عن “تزاوج بين الإمامة والقبائل”. وهو أمر يختلف عن ظاهرة “التداخل بين الدولة والقبيلة” التي أشرنا إليها آنفا. ويقع بين أسباب تلك الصراعات والتوازنات قلة الموارد وندرتها في مناطق القبائل والتي كانت تحكمها الإمامة.

 ويعبر مثل هذا الوضع عن حالة شبه مستمرة من عدم الاستقرار لا تسمح بتراكم حصيلة النشاط المنتج للمجتمع. وهذا ما جعل البعض يصف الوضع في ظل الإمامة قائلا “لا يستطيع تاريخ الإمامة أن يفخر بأنه حقق حكما مركزيا طويلا أسهم في تطوير المجتمع بمنحه سنوات من الاستقرار والازدهار. بل قد يكون من أسباب نجاح الإمامة الزيدية مناسبتها لمنطق البيئة والقبيلة في الشمال. فاستقر المذهب الزيدي فيها منذ الإمام الهادي. فمبدأ الخروج على الحاكم الذي يسمح بوجود إمامين في وقت واحد ما هو إلا الوجه الإيماني المذهبي لصراع مشايخ القبائل الذين لا يعترفون بالآخرين إلا أقرانا لا تعرف علاقاتهم نظاما هرميا مستقرا. وتقوم على ضرب من التوازي وتكرار جولات الصراع العقيم الذي يتنافى مع كل حركة اجتماعية تنزع نحو خلق إطار يسمح بتراكم التجارب والخبرات الاجتماعية وبنوع من التقدم في تكوين متحد متماسك”. (محمد عبدالسلام، الجمهورية بين السلطنة والقبيلة في اليمن الشمالي، شركة الأمل للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1988، صفحة 7).     

 

8- خاتمة

إن البيئة الاجتماعية غير المستقرة تولد دائما جولات متكررة من الصراعات، وتشكل عائقا أمام تطورالمجتمع وتقدمه. وقد ألقت كل من عوامل عدم الاستقرار وعمليات انقطاع تراكم الخبرات الاجتماعية بظلها على التطورات في العصر الحديث. وكانت القبيلة حاضرة في العصر الحاضر مثلما كانت حاضرة في الماضي. وبالأحرى علينا أن نقول أنه تم استدعائها في العصر الحالي بدلا من تعبير كانت حاضرة. ففي عصر الإمامة حدث ما أسميناه “التزاوج بين الإمامة والقبائل”. وفي العصر الحديث حدث ما نسميه “التداخل بين الدولة والقبيلة”. وقد حدثت عملية “التزاوج” وعملية “التداخل” على الرغم من وجود عوامل تناقض وصراع بين الطرفين. ولم يعرف اليمن الاستقرار في الحالتين. بل شهد وما زال يشهد جولات متكررة من الصراع. وهو ما يعيق التطور بشكل عام ويعرقل كلا من عملية تماسك النسيج الاجتماعي وعملية الاندماج الوطني.

لهذا تبرز الثقافات الفرعية والانتماءات المذهبية والمناطقية والقبلية وما إلى ذلك على حساب الثقافة الجامعة وعلى حساب مفهوم المواطنة. وفضلا عن ذلك كان لكافة العوامل التي استعرضناها تأثيراتها السلبية على نمط التحديث. فإن بروز القبيلة يفضي إلى تواري الطبقة الوسطي وإلى ضعف دورها الاجتماعي. بل يفضي في المحصلة النهائية إلى حرمان المجتمع من تشكل ثقافة جامعة لكل المواطنين.

المراجع

1- أحمد القصير، التحديث في اليمن والتداخل ين الدولة والقبيلة، دار العالم الثالث، القاهرة، 2006.

2- أحمد القصير، شرخ في بنية الوهم: الهجرة والتحول في اليمن، دار ثابت، القاهرة، 1999.

3- أحمد القصير، اليمن الهجرة والتنمية، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، 1985.

4- أحمد القصير، إشكاليات توثيق الحركة الوطنية اليمنية ومكانة أحمد النعمان، ورقة مقدمة إلى ندوة إحياء الذكرى المئوية لميلاد أحمد محمد نعمان، جامعةعدن، 9- 11 نوفمبر 2009.

5- أحمد القصير، علم الاجتماع وقضايا التاريخ الاجتماعي، ورقة مقدمة إلى المؤتمر الأول لعلماء وباحثي علم الاجتماع، جامعة صنعاء، 5- 7 يناير 2008.

 6- أحمد القصير، “الحداثة المفقودة في اليمن”، مجلة “أخبار الأدب” القاهرية، العدد رقم 409 الصادر في 13 مايو 2001.

7- سعيد أحمد الجناحي، الحركة الوطنية اليمنية من الثورة إلى الوحدة، مركز الأمل للدراسات والنشر، وصنعاء وعدن، 1992.

8- علي محمد عبده، لمحات من تاريخ حركة الأحرار اليمنيين، الجزء الأول، منتدى النعمان الثقافي للشباب والمعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية، صنعاء، 2003.

9- علي محمد عبده، لمحات من تاريخ حركة الأحرار اليمنيين، الجزء الثاني، منتدى النعمان الثقافي للشباب والمعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية، صنعاء، 2003.

10- علي محمد عبده، “الاتحاد اليمني من المهد إلى اللحد”، مجلة “الكلمة”، الصفحات 22-38، العدد 47، مايو 1978.

11- كتاب “الرأي العام” رقم 4، أبرز الأحداث اليمنية في ربع قرن سبتمبر 1962- سبتمبر 1987.

12- محمد عبدالسلام، الجمهورية بين السلطنة والقبيلة في اليمن الشمالي، شركة الأمل للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1988.

13- محمد محمود الزبيري، مأساة واق الواق، صنعاء وبيروت، 1978.

 

___________________________________________

مقدم إلى ندوة اليمن 2010 بصنعاء

خلال 17-19 مايو 2010

(تم نشره بصحيفة الثوري بتاريخ 27 مايو 2010)

* مفكر من مصر متخصص في دراسة المجتمع اليمني   

 

صدر للباحث:

* حدتو ذاكرة المقاومة في بورسعيد 1956، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، 2010.

* حدتو ذاكرة وطن (الطبعة الثانية)، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، 2009.

* منهجية علم الاجتماع بين الماركسية والوظيفية والبنيوية، الهيئة  المصـرية العامـة للكتاب، القاهرة، 1985 (الطبعة الأولى)، ودار العالم الثالث (الطبعة الثانية)، القاهرة، 2006 .

* التحديث في اليمن والتداخل بين الدولة والقبيلة، دار العالم الثالث، القاهرة، 2006.

* أدباء ثوريون في الثقافة المصرية، دار العالم الثالث، القاهرة، 2006.

* الحركة الشيوعية وهيكل {مجموعة من المؤلفين}، دار العالم الثالث، القاهرة، 2006.

* أول الشعر كان إصرار، دار العالم الثالث، 2005.

* شرخ في بنية الوهم: الهجرة والتحول في اليمن، دار ثابت، القاهرة، 1990.

* اليمن الهجرة والتنمية، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، 1985.

* حدتو وثائق ورسائل من سجن الواحات وباريس (تحت الطبع).

* حدتو صفحات نضالية وفكرية (تحت الطبع).

* أحوال يمنية في السياسة والثقافة والمجتمع (تحت الطبع).

ترجمة:

* تشيكوف، وزارة التعليم العالي، سلسلة الألف كتاب، القاهرة، (الطبعة الأولى)، 1966، والهيئة العامة لقصور الثقافة (الطبعة الثانية)، القاهرة، 2006.

* أوروبا والتخلف في أفريقيا، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1989.

* ثورة الحفاة، منتدى الفكر العربي، عمان، 1987.

* حول الأمم الغنية والفقيرة، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، 1979.

* التنمية الاقتصادية في البلدان النامية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1974.

* الحروب والسكان {بالاشتراك مع سعد رحمي}، دارالثقافة الجديدة، القاهرة، 1974.

* هكذا بدأت الاشتراكية (بالاشتراك مع شوقي جلال)، مكتب يوليو للترجمة والنشر، القاهرة، 1965.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: