أزقة ذمارية في البندقية

علاء الدين البردوني

ـ سيبدأ العرض حالا.
الريح تهسهس، وكأنها تتحدث النميمة.
والظلام يغشى
الأماكن؛ و…
أين أنا؟؟
ـ الرجاء إلى مقاعدكم.
الصوت ينادي من اللامكان مرة أخرى؛ فيما يصدر همس أنثوي قريب
ـ أنت تعرفينه جيدا، عندما تقبلينه فإنك لاتملكين شفتيك بعد ذلك.
أشعر بأني أعرف ملمس هذه الهامسة..
ـ أعرف،وقد سلبني حلمتي ثديي ذات مرة.
ـ ياله من لص. لو أمسك به لأقبلنه حتى أسلبه شفتيه ولسانه وعينيه
.يزداد توتري، أبحث عن مهرب بعيد عن هاتين المتآمرتين.. متلفتا حولي والمشهد بادئا بإعلان حضوره، ورغم الليل الأدهم إلا أنه بإستطاعتي تمييز ورؤية جدران منازل متقاربة ونوافذ باهتة الإضائة.
تناهى إلى سمعي صوت موج، صوت بحر.. وصمت.. و..
أين أنا؟؟
هل أنا في عرض بحر من عدم؟ أم في مدينة؟ أم تراها البندقية؟؟
وأين صالة السينما، فعلي مشاهدة العرض حيث سيتقاتل الأخييين مجددا مع أبناء البحر..
أحب مشاهدة أفلام والت ديزني، وأود أن أبتاع فيلما عن الفأر ميكي من متجر أراه قريبا..
في المتجر إمرأة وحيدة، طلبت فيلما فناولتني علبة من الورق المقوى رسم عليها الفأر؛ إنما.. لست أفهم لماذا أعطتني علبة سكاكر محلاة؟
ـ أين الفيلم؟
ـ ولكنك تأكل السكاكر المحلاة عند مشاهدتك له، وهذه هي السكاكر.
إستمرت لحظات صمت غير مرغوب بها؛ ثم..
ـ على أي حال، كم ثمنها؟
إن صرة نقودي الجلدية تحتوي على القليل من المال وأتمنى أن يكون كافيا،،
ـ هل تريد رداءا يحميك من برد الشتاء أيها الشاب؟
ـ أريده، إنما لاأملك ثمنه.
ـ سيكون سعره زهيدا فهو مستخدم، جربه، إنه رداء جميل.
أعتقد بأني إن لم أجربه فسينفطر قلب المسكينة إلى نصفين،، أما قلبي، فلم أعد أشعر به..
ـ سأجربه.
يبدو بأنه ليس بسيء على الإطلاق..
ـ خذيه، ليس سيئا.
في هذه اللحظة أرى صديقي يدخل المتجر،،
ـ هيه ماذا تفعل هنا؟ إني أنتظرك لنشاهد العرض سويا.
لم أكن أعلم بأن أحدا ينتظرني، فالنذهب إذا..
شوارع وأزقة جميلة ومتسخة، ولكنها ليست قنوات البندقية المائية، ولست أرى جسورها.. أثمة أمر غريب؟؟
ـ ياشقيقي العزيز، قلت لك بأن كل شئ على مايرام. سأشتري المتجر القديم لأضيفه إلى هذا الجديد.
هذا صوت شقيقي الأصغر محدثا إياي، فيما أمشي وإياه عبر أزقة ذمار الصغيرة الحزينة..
ولكني لاأريد الذهاب إلى صالة السينما الذمارية، لقد حذرني والدي منذ سنوات بألا أفعل.. ثم إن أحدهم قد فجر صالة السينما في يريم، وقد يحدث إنتقام هنا..
ـ سأوفر من دخل كل يوم خمسة ريالات لأسدد ماتراكم من ديون، وأعدك بذلك. وخمسة ريالات يوميا ستكون كافية. صدقني.
ـ إفعل ما شئت.
ـ سأتدبر الأمر. ثق بي.
إني أثق به ولكني لست أفهم سر هذا الحي القديم الذي نسكن فيه،،
ـ سنبحر الآن.
هذا هو الصوت الأول قد عاد مناديا.. سيبدأ قتال الأخييين وأبناء البحر، ويجب فعلا أن أراه،، وسأقترب هذه المرة من الشاشة أكثر وهكذا لاأتوه في حوارات وغبار ذمار..
جند أبناء البحر كثيرون، وأنفاسهم ثقيلة، و…
ـ لقد سرق ثدياي مني ماأجمله من لص.
رباه، مازالت النساء تتبعني لإسترداد أشيائهن،،

أين هن؟.. أين؟؟…
ـ إخفضوا أصواتكم فالأخييين هنا.
أمر حازم من قائد أبناءالبحر، ولزمت الصمت،،،
ـ كونوا على حذر، إنهم يشربون الريح، ونسائهم يضاجعن الماء.
ليتني ماءا،،
إقتربت من أبناء البحر، وشممت رائحة سفنهم، ورأيت على ملامحهم أمارات العزم والخوف..
إقترب بتؤدة مقاتل عملاق عاقدا حاجبيه مفكرا، ولابد بأنه مثلي يتمنى لو كان ماءا ليضاجع فاتنات الأخييين،،
فجأة، إخترق سهم خاصرته من الخلف، تألم بصمت ولم يتحرك كثيرا.. أمسك بالسهم ونزعه عن خاصرته ثم كتب عليه بعض كلمات،،
ـ إنه من صديقه الآخي، لقد أرسل له هذا السهم ليبلغه تحياته ويدعوه عنده ضيفا. كذلك همس القائد للمقاتلين الذين تلفعوا برهبة أصابتهم وأصابتني أيضا كالسهم
تقدم المقاتل العملاق المتألم إلى مقدمة السفينة وشد سهمه بعد أن كتب عليه تحياته وحبه لصديقه الآخي،وبدأ بالبحث عنه ليصيبه بالسهم،،،
عندها لاحظت شيئا غريبا،،
هذه ليست شاشة عرض سينمائية، إنما أنا فعلا على ظهر سفينة أبناء البحر… شعرت بالخوف، وهاأنذا أرى الجنود يكتبون التحيات على الأسهم.. وستمطرنا التحيات الأن..
لاأريد صديقا آخيا،كما أني لاأعرف أحدا منهم ـ لحسن حظي ـ ولاأتمنى ذلك…. سأغادر، سأذهب من هنا إلى معمل غسيل قريب، حيث يوجد فتاة لم أسلبها شئ
بعد. كما أن سترتي الوحيدة المهترئة قد إختلف لونها وبهت بعد أن غسلتها البارحة في داري،
ـ أود إرجاع لونها الأصلي.
ـ لاتقلق، أعرف بأنك تكره البصل مطبوخا.
جميل جدا، إنها تعرف عني مايلزم، وأعتقد بأن هذه دعوة لي، سأقبل شفتيها الجميلتين إذا دون حاجة لأواني الطبخ وزيت الزيتون الصقللي..
هاقد إقتربت مني كثيرا وأشعر بأنفاسها لهيبا على صدري،،
ـ إسمعي، أود تقبيل شفتيك.
رفعت رأسها، ونظرت إلي شزرا،
ـ القبلات لاتطلب ياأستاذ.
آه، هاقد أفلتت مني هذه البائسة، أوليست هي من طلبت لمس شعري؟؟،،
ظهر حينها صاحب المعمل مبتسما ساخرا، وبدأ يغني
ـ الحب لايطلب.
ياله من ساذج، ألأنها إمرأته يهزأ بالأخرين.. سأغادر على كل حال، سأخرج من هنا عبر النافذة سريعا وسأغلقها من بعدي مع علمي بأنه لا يستطيع الطيران مثلي..
ـ الحب لايطلب.
خرجت طائرا وحاولت إغلاق النافذة إلا أنها أبت الإستجابة، لابأس سأحلق مبتعدا فلاأريد سماع المزيد،،
ـ الحب لايطلب.
الغناء لايتوقف، بل ويحلق خلفي مباشرة،،
إنما مشهد السحاب من الأعلى وهي تستقبل أول شعاع أصفر من الشمس الناعسة الناهضة توا من سباتها قد ألهاني عن هروبي، وأغرقني في نشوة الصباح..
ـ الحب لايطلب.
المغفل مازال يتبعني، كيف فعل ذلك فهو لايطير..
إلتفت بجسمي للوراء لأراه، وهاهوذا أمامي وقحا ساخراو
ـ الحب لايطلب.
هل لي بركله على صدره فأسقطه عن هذا العلو الشاهق..
أريد أن ألحق بالشروق وليس هناك وقت للجدال، سأحلق عاليا جدا وهكذا لن يلحق بي…

ضوء الشمس الخجول يداعب السحاب.. كم أود إختراقها لأرى الأرض مغطاة بالضوء،،
آه ماأروع إختراق السحاب، بيضاء ناعمة شفافة..
تلمس جسدي العاري وتبلله بالندى، ياله من ملمس عذب كماء،،
أعرف إمرأة لها نفس الملمس.
.ولكن، لماذا ماتزال الأرض غارقة في الظلام، داكنة متجهمة؟؟،،
ولماذا أهبط ـ أم هذا سقوط ـ بهذه السرعة؟؟؟؟….
إلهي لم تسرع بي نحو الظلام؟،،
سأتهشم، لاتقذف بي،،
ـ إنه المحيط وليست الأرض.
تعددت الأسطح والغرض واحد،،
أنت تريد أن تغرقني،،
تريد قتلي،،
لاتفعل ذلك،،
لا،،
لاأريد حلما كهذا مجددا..
إني أختنق..
إنك تغرقني…
سأستيقظ..
سأستيقظ…
سأستيقظ….

ونهضت فجأة، وحدقت إلى ظلام حجرتي، وتنفست الصعداء..
أشعلت الضوء، وتأملت جسدي، ولاحظت بأنه مغطى بعلامات حمراء،،
وعلى فخذي قطرات ندى بارد عذب،
بقايا سحابة بيضاء شفافة..
ترى،
هل عبرت تلك السحابة فعلا..
أم أن إمرأة ما كانت نائمة بجواري،،،
وقد ذابت؟…

اترك رد

اكتشاف المزيد من عناوين ثقافية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading