تراب بغداد…أمطار بنزرت

إيناس العباسي

 

لأن المطر لا يداعب  وجهي الآن  بحنان الخريف اذ يقدم……تبكي الفراشات  في قلبي

عطشى….
عطشى لقطرات المطر  الأولى ….لصوت الريح اذ تدغدغ الشجر فيهمي المطر
عطشى لوجه أمي ، في الغياب  وجه أمي: تميمتي
عطشى لمدينتي في الصباح اذ تستيقظ  على إيقاع خطوات العمال و البحارة و تلامذة المعاهد …أولئك العشاق الصغار… المتسللون تحت شجر الخرنوب بزاد من قبلات مسروقة من الأفلام  و رسائل حب  منسوخة من الكتب
هنا …كل الأيام متشابهة
يفقد السبت جلالته الحلوة: خطوات سكارى يوم السبت،غزلياتهم المرحة ،الفظة و الناعمة
هنا لا سبت….و لا أحد بكل ثقله الرمادي
هنا الوقت امتداد و احد لا ينتهي هو وقتي الداخلي …
لا أصدق أن أكتوبر المبجل يمضي بأنفاس جحيمية و لا  أوراق خريف ألتقطها من على افريز النافذة…ألتقط  فقط  نظرات جاري –  من البناية المقابلة للفندق – يتحين فرصة للحديث….
…………
حين رحلتُ ،حاولت أن أدفن قلبي  بين قارتين في مكان ما أسميه النسيان…..
لكن  هبوب الحنين  يذبحني كل ارتعاشة ذكرى تعبر روحي  فجأة
كم حلما علقتُ هناك  ؟ و قلت سأعود….سأعود لأن صوت خطوات أبي يرن في قلبي كل ليلة فلا أنام و لا أحلم
سأعود ….
قبل انتهاء فصل الشتاء…كي آخذ زاد ي من المطر
سأعود لمرايايا هناك… لأن لا صدأ يعلو الهواء  – هناك –  فتسقط عصا  الخزيران بعنف على ظهرالتساؤل …
أسوأ مكائد الغربة هي كلمة “هنا”….كأن تقول هنا نحب الزيتون كثيرا و تنسى أن ال”هنا” ليست بلدك… أن بلدك هو تفاصيل تحملها معك أين تنقلت تُشذب عنفا مع انسياب الوقت الصخري.
كل اشتداد للوحدة و الافتقاد ،أدخل شرنقةً من موسيقى و كلمات و دخان وعطر….
للخروج أبني سلما لولبيا يرتفع نحو البياض
برعب الاختناق أخدش الهواء  من حولي كي أستطيع التنفس
لا مطر…لا مطر ….يا كم أشعر بالعطش للمطر
لا مطر إلا لون الضوء المخادع اذ يسقط على وجه الصحراء فيبلل نظرات الظباء بالمزيد من العطش
لا بنزرت هنا….و مع الوقت يُختزل الوطن في فكرة أو صوت أو رائحة… زميلي البغدادي يحدثني عن أحلامه بالعودة….أرفع نظرة متسائلة
–  لا أريد أن يفقد أطفالي وطنهم  مرتين و يُختصر العراق عندهم في قارورة
– أردد:  قارورة؟
– بلى …قبل الرحيل آني أخذت حفنة  من تراب بغداد ووضعته في قارورة…و أنتِ ماذا حملتِ؟
– لا شيء …لم يكفني الوقت لأحمل قاروة من مطرمدينتي المطعم برائحة شجرالخرنوب….

اترك رد

اكتشاف المزيد من عناوين ثقافية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading