الناقد اليمني محمد ناجي أحمد: ثقافة الأنظمة البوليسية حوّلت النقاد العرب إلى أنبياء!!
قارىء جاد وتربوي متذمر ومثقف متعدد المرجعيات ، وهو يرفض التصنيف أو الوقوف على الأشخاص والأعمال بمقدمة شارحة ، رفضه الدائم للمعتاد والمألوف قدمة في ثوب ناقد مع أنه ضد المصطلح أصلاً نجده دائماً في صف القراءة الحديثة ، والذائقة المتجددة مع انه ضد الانحياز ، تمرده على المسلمات والثوابت جعلته ينتبذ مكاناً قصياً من واقع الحركة الثقافية في اليمن، وقد قادته صداقته المعهودة إلى قراءات نقدية صادمة توجها بإصداره الأول «نقد الفكر الأبوي» والذي سبب له الكثير من المتاعب، هو في نظر الأجيال الشابة ، معلم اللغة العربية الذي لايهتم بالقواعد قدر اهتمامه بالكتابة الشعرية الخلابة والمجالات الجادة وفي نظرمجايليه الناقد المجتهد والشاعر الجميل رغماً عنه ومعه كانت لنا هذه الدردشة بشأن التجربة الجديدة في الكتابة الشعرية.
حاوره في عام 2007: وليد جحزر
* يتحدث الشعراء عن محاولاتهم تقديم كتابة جديدة ؟ مارأيك ؟
ـ الكتابة الجديدة أنا في اعتقادي أنها تأتي برؤية جديدة ، لكن عندما تقوم بتقديم قصيدة بلغة شعبوية أو بلغة لا تستفز آفاق المتلقي ، لكنها تحرك غرائزه ، تحرك قناعاته ، تحرك مفاهيم في ذهنه فأنت بهذا الشكل تكون قد سرت في نفس النسق الغنائي ، لأن الغنائية هي ان تتوافق مع ما هو موجود في ذهني.
وعندما تطرح خطاباً سياسياً أو تحرر خطاباً سياسياً موجوداً في أذهان الناس ، حتى وان قدمتها بطريقة نشرية أو تفعيلة أو بطريقة عمود فأنت لا تقدم شعراً جديداً ، لا تقدم حساسية جديدة بمعنى ان المفهوم الجديد للقصيدة شيء مختلف تماماً عما هو في الآذان وهناك مطب آخر في مسألة الشعر الجديد يكمن في ضرورة استفزاز المفاهيم الشعبوية السطحية ، والبعض يعتقد بان مجرد اصطدام الرؤية بالمفاهيم الشعبوية يمكن ان يقود إلى الحداثة وهذا من ضمن الاوهام التي وقعنا فيها.
وفي الماضي خلال فترة السبعينيات والثمانينات وحتى خلال التسعينيات كانت الأعمال الإبداعية تمرر عبر مقص الرقيب وهو الذي يعطي للنص الشعري شاعريته ولهذا الكتاب إبداعيته وهكذا ولذلك فأنت تجد خلال تلك الفترة ان غياب الرقيب أو التابوه عن النص يفقده قيمته بمعنى انك ستقرأه كنص بسيط لا عمل إبداع لأن الرقيب هو الذي يعطي للنص حضوره وكذلك المفاهيم الشعبوية هي التي اعطت للنصوص شعريتها وبدون هذا التابوه الشعبوي الموجود في أذهان الناس فستجد نفسك لا تملك نصاً حداثياً .
*ما أسباب اندفاع الشعراء وراء اللون الجديد في الكتابة؟
ـ المحاولات قليلة والغالب قائم على السياقات الشعرية المألوفة والسبب يكمن في انشدادنا الدائم لثقافة الأنظمة البوليسية التي تعيش على أساس الرهاب أو الخوف ، ويمكن القول إننا أصبحنا أشد حرصاً على هذا الإطار البوليسي ويبدو ليّ ان سقوط المخبر يعني سقوط الايديولوجي ، والايديولوجي سواءً كان شاعراً أو كاتباً هو أيضاً حريص على هذا المخبر، لأن سقوط أحدهما في النص الشعري يعني سقوطهما معاً ، المطلوب هو امتلاكنا لرؤية جديدة.
* كيف يمكن امتلاك رؤية جديدة في ظل غياب النقاد؟
ـ لا لا ..بدون نقد ، مفهوم النقد الأبوي ، ذلك القائم على شخص هو أيضاً قائم على وهم في أذهاننا بأن الناقد هو الجارح والمفسر وهو الذي يضيء لنا طرق الإبداع والجمال.
* أنت مع تحرر الشاعر من الناقد ؟
ـ الناقد مات، وينبغي له ان يموت ، أصبح الآن لدينا متلق عندما توجد نصاً جديداً بالتالي أنت توجد متلقياً جديداً، محورية الناقد وأبوية الناقد تتلاشى مع النص الجديد والمتلقي الجديد ولم يعد بالضرورة ان يكون هناك أب ، يسلط لك الضوء لي تأتي تقرأ لأن هذه أيضاً مصيبة وهذه واحدة من الاشكاليات ، انا اتعجب من هذا الوهم انتصار الناقد أو المهدي أو المنقذ أو البنى هذه مسميات لم تعد ذات جدوى.
* هل انتهى زمن النقد ؟
ـ ليس زمن النقد الذي انتهى ، ولكن زمن الناقد المحوري المهيمن انتهى ، ونحن مع المتلقي ، مع القارىء بصورته الكلية والمتلقي لابد ان يكون لديه تراكمات جيدة لكي لا يقع في اللبس والمتلقي أيضاً مفهوم نسبي يعتمد على تراكمات معينة أيضاً.
أنا عندما أقرأ لوحة تشكيلية ولا يوجد لدي تراكم بصري بالتأكيد سوف أقرأ اللوحة وفق تراكم شعري أو وفق تراكم سردي بمعنى اني أحيل اللوحة إلى ثقافة أخرى، إذاً نحن بحاجة إلى متلق ينمي جوانب الخبرة المعرضية لديه كي نصل إلى قدرة في التعامل مع الذائقة الشعرية، أما الناقد الأب الذي يشرح ويفسر والذي يسلط الضوء على النص ، لا ، نحن لسنا بحاجة إلى هذا الكلام.
* هناك من يشير إلى عدم جدارة النقاد العرب ؟
ـ نعم انا ضد مركزية الناقد ، ونحن عندنا وهم في مسألة الناقد ونحن لدينا نقاد مثل كمال ابو ديب وصلاح فضل هؤلاء مارسوا أيضاً دور الوسيط في قراءة النص، برأيك ، هو الافضل ان انقل لك ذائقتي وقراءتي لهذا النص أو اتركك مع هذا النص بافقك وخبرتك المعرفية.
* كيف يمكن لتجربة الكتابة الشعرية الجيدة ان تتطور ؟ دون تقييم لهذه التجربة ؟
ـ نحن في انظمتنا التعليمية والثقافية والإعلامية لازلنا اسيرين رؤيتنا السابقة في الشعر، في النقد ، في السرد في التشكيل والسينما ، تنمو حساسية جديدة وينمو وعي جديد ومتلقٍ جديد مع وجود تغيير في هذه المجالات ، أي عندما نتعلم نحن في المدارس الشعر الجديد سوف تتطور.
ونحن إلى الآن نقرأ الشعر القديم ، شعر ينتمي لما قبل سبعة عشر قرناً ونقرأ الشعر التفصيلي بيننا وبينه خمسون سنة، فيما لا نتناول الشعر الجديد، والذائقة الجمعية ما يزال بينها وبين هذه النص الجديد قطيعة واضحة وعندما نوجد الخبرة والتراكم فإن المتلقي الجيد سوف يحضر ، المتلقي الذي هو عند مستوى هذا النص ولكن الآن لديك فجوة واضحة بين ما يدرس وبين هذا اللون من الشعر ، وتطلب من الناس تذوق الذائقة الجديدة هي حالة جمعية تشمل التعليم والإعلام والثقافة.
* إذاً تحتاج التجربة إلى وقت طويل ، زمن مطلق ؟
ـ لابد من الوقت كي تتراكم المعرفة بهذا اللون ، لكن مع ذلك القصيدة الجديدة في اليمن طرحت نفسها بقوة ، طرحت نفسها بمحتوى قوي وهناك اسماء قوية مثل محمد الشيباني ، علي المقري ، نبيل سبيع ، محمد المنصور وآخرين لكن هذه الفجوة هي التي تخلق خللاً لدى المتلقي ، أيضاً وجود فجوة تعليمية بين النص الذي يدرس وبين النص الذي نعيش معه كلحظة نبتغيها ، فجوة واضحة وقوية جداً، نحن لازلنا ندرس السياب والزبيري وعمر أبو رشة وندرس درويش ونطلب من الناس امتلاك ذائقة جديدة وهذا شيء مستحيل.