الأدب اليمني بين النقد الغائب والشللية الغير مجدية

نادية الكوكباني

2007
(1)

نادية الكوكبانيهل لي أن أفكر بصوت عال؟ وهل لنا جميعا أن نطرح ما أفكر به للنقاش؟ النقاش الذي يفضي إلى نتائج حقيقية على ارض الواقع وليس على ارض الورق للأرشفة!…
ما أفكر به وبصوت عال معكم، هو موقع الأدب اليمني على خارطة الأدب العربي من جهة وعلى خارطة الأدب العالمي من جهة أخرى! هل له وجود ومكانه راسخة وقوية أم لا؟ وإن كان كذلك فلماذا يثير وجود أديب/ة يمني/ة التساؤل والاندهاش في المشاركات الأدبية خارج اليمن بنصوصهم التي توازي كل ما هو موجود على الساحة، وبحضورهم الفاعل في النقاش والتحاور؟
نظرة الاستغراب هذه منبعها أنهم لم يسمعوا أو حتى يقرأو عن الأدب اليمني، فيما عدا بعض الأعمال الأدبية لكُتاب انحصر الأدب اليمني بهم حتى وقتنا الراهن. وأنا أقول هنا ليس بسبب قلة النصوص، لأن السنوات الأخيرة شهدت زخم أدبي كبير في الشعر والقصة والرواية، ولكن بسبب عدم وجود الوسائل التي تنهض بهذه النصوص وتعرف بها وتنشرها خارج اليمن ليتم التعرف عليها! لن أتطرق هنا لدور المؤسسات الحكومية كوزارة الثقافة واتحاد الأدباء والكتاب والهيئة العامة للكتاب، لأن هذا موضوع آخر(يكفي أن تعرف أن مشاركاتهم الخارجية في معارض الكتاب غير عادلة خارج اليمن ، فما بالك داخله).
لكن سأتحدث عن عنصرين هامين في التعريف بالأدب اليمني خارج حدوده، وهذان العنصران هما السبب الرئيسي في انتشار الأعمال الأدبية في الوطن العربي خارج حدوده. أولهما هو عنصر النقد الأكاديمي، الغائب تماما عن الساحة الأدبية اليمنية وعن متابعة جديدها! وتملص النقاد من دورهم المهم في هذا الجانب، وعدم تبنيهم لأي مشروع حيوي للنهوض بالأدب اليمني والتعريف به للخارج، على العكس تماما بما قام به معظم نقاد الوطن العربي في المشرق والمغرب العربي، من منطلق حتمية الاستمرار وتتابع الأجيال في سيرورة الحياة التي لا يمكن إيقافها!…
قراءة استقرائية بسيطة قمت بها لأحد الملاحق الثقافية الهامة في إبراز الوجه الثقافي لليمن وهو ملحق صحيفة الثورة الثقافي ولمدة أربعة أشهر نجد أهم وابرز كتابها مشغولون بالنصوص العربية أكثر من النصوص المحلية دون وجود حتى اتساق أو تناوب فيما بينها، وكتابها الآخرون مشغولون بدراسات تاريخية للأدب الجاهلي أو الإسلامي أحيانا، واحتفال بمرور مئويات لعظماء، وتجاهل ميلاد عظماء قادمون لا محالة!… وكأنهم لا يعيشون بيننا، ولا يتفاعلون مع جديد ما ينشر من أعمال أدبية تستحق الالتفات لها من باب الواجب الأدبي الذي تفرضه المهنة عليهم، ودعوني أكمل في هذا الجانب رأي تم نشره في صحيفة السياسية الصادرة عن وكالة سبأ للأنباء بتاريخ 14 يونيو عن سؤال استفزني به محرر صفحة أدب وفن عن غياب الرواية اليمنية بقولي: (مثلا أنا لا اعتبر أن الأربعة الأسطر التي يكتبها استأذنا الجليل الدكتور عبد العزيز المقالح في يومياته في عمود الثورة الأسبوعي كافية للتعريف بالكتاب أو الرواية أو الديوان الشعري الخاص بالأديب والكاتب اليمني، أمام ما يكتبه من تعريف ونقد وتحليل لأعمال عربية خارج اليمن، في صحف محلية وصحف ومجلات عربية. بالتأكيد أنا لا أطالب بالكتابة والنقد من اجل الكتابة لكن بالتأكيد أن هناك أعمال قرأها وهي متميزة وتستحق الكتابة عنها ليكون هناك عدل في ما يتناوله من نقد عن كتابات عربية وأخرى محلية.
يحضرني الآن كثير من الروايات تم طباعتها العام الماضي 2006، والعام الحالي 2007، لم اقرأ عنها ولم تنل حقها في الدراسات النقدية رغم أهميتها من وجهة نظري في تناول مراحل هامة من تاريخ اليمن، وفي تلمس مشاكل وواقع المجتمع اليمني بشكل خاص و ما نعيشه الآن!…
هل يستحق الأديب والكاتب اليمني تعريف من أربعة اسطر مقابل ما يكتب من أعمدة للأعمال الأخرى!!! سؤال أقوله وبكل محبة للدكتور عبد العزيز المقالح، الذي أدين له بالامتنان في كتابة مقدمة مجموعتي القصصية الأولى “زفرة ياسمين”، وفي التعريف والتنويه بأربعة اسطر عن روايتي الأولى أيضا “حب ليس إلا” في عمود يوميات الثورة، فهل آن الآوان ليخرج الأدب اليمني خارج حدوده بأعمال أدبية شابه، مجددة، تستحق التقدير بوعيها وشعورها بالمسئولية تجاه مجتمعها والتزامها بكتاباتها؟
وسؤال آخر أوجهه لكل الأكاديميون في جامعة صنعاء عن دورهم في تناول الأدب اليمني الحديث، في نقده وإبرازه والتعريف به؟ هل سيخرج هؤلاء الأكاديميون من عباءة عنترة والمتنبي وامرؤ القيس وغيرهم في أعمالهم النقدية حتى اللحظة! ليقرأو ما يتم طباعته ونشره محليا؟
ربما أوجه سؤالي هذا بشكل خاص للدكتور عبدالله البار بصفته أكاديميا في الجامعة ورئيسا لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين واجد مسئوليته مضاعفة! وعلى حد معلوماتي المتواضعة وقراءاتي الأشد تواضع لم اقرأ له سوى دراسات عن الأدب الجاهلي والإسلامي ! وليصحح لي معلوماتي إن كان قد تناول دراسات يمنية حديثه أو ألقى محاضرة لطلبته في الجامعة عنها أو طالبهم ببحوث عن كتابة الأدباء الشباب! وأن كان هذا تخصصه الأكاديمي والذي لا اعرفه أيضا! فهل يرى من وجهة نظرة أن نكتفي به ونغض الطرف عما يجري حولنا من مستجدات!…))

(2)

العنصر الآخر الذي يساهم في التعريف بالأدب ونجح في أكثر من دولة عربية وأجنبية هي الجماعات الأدبية المنسجمة في التوجهات والرؤى الأدبية، مجموعة من الأدباء تختلف كتاباتهم وتتفق ميولهم في التفاعل مع نصوصهم ونصوص غيرهم، التعريف ببعضها البعض، داخل وخارج الوطن، يقرأون لبعض، يكتبون عن بعضهم البعض، يتفاعلون بقضايا جديدة يتحمسون لها، ينسفونها، يفضلونها، لا يمانعون في وجودها، كل هذا بوعي ومنطق يخدم النصوص، بعيدا عن الأحقاد الشخصية المدمرة، يحكي عنها التاريخ بفخر حتى اليوم. قرأنا عنها في مناهجنا الدراسية وتأثرنا بها وبأعمالها ودورها العظيم في الأدب.
يطلق عليها اليوم إن جاز لي التعبير ب “الشللية” وهي مفيدة ومجدية في كل منشأ لها فيما عدا اليمن!!! أدلل على كلامي بما يحدث مؤخرا من التفاف لا حدود له بين كتاب دول المغرب العربي، وحركتهم الدائبة في الكتابة والنقد والترجمة، ومؤخرا حركة واسعة في النشر الالكتروني عبر الانترنت.
وأيضا ما يحدث حاليا في السعودية من تناول قضايا أدبية هامة، من الكتابة عن روايات تتسابق دور النشر في طباعتها لأن هناك كاتب كبير تناولها، وجدل اختلاف دار حولها.
هل نصل إلى هذا المستوى الراقي من تناول أدبنا اليمني، هل يعي نقادنا الأجلاء أن هذا دورهم! وهل تعي الشللية الأدبية في مجتمعنا الثقافي أن دورها اكبر من “الحشوش”!!!
هللا فكرتم معي بصوت عال!…

2007

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: