TROY / طروادة بين الإلياذة وهوليود

عبدالكريم يحيى الزيباري

لا زالت جامعات أوريا تُدرِّسْ الإلياذة، من دور المرأة في اندلاع الحرب، ودورها في غضب أخيل، هوليود تقدم لنا أدباً رفيعاً لا يجد معظم الناس وقتاً لقراءته، لكنَّها تُحًرِّفُ فيه بحسب ضرورات الإنتاج وتكاليف المشاهد، وإضافة وحذف كل ما من سبيله أن يحقق أرباحاً أكثر، ولأنَّ الشعب الأمريكي بعكس شعوب المشرق لا يحب البطولة إلا على غرار رامبو وأرنولد آلات القتل والدمار أما الحرب الأخلاقية فهي لا تلقى مكاناً عندهم، انتقده النقاد بشدة وكاد الفلم أنْ يفشل.
فلم عرضته الشاشات الأمريكية في 14/5/2004، وبعد ثلاث سنوات تقريباً، مساء يوم الخميس 15/3/2007 عرضت قناة دبي/1(one TV) الفضائية فلم تروي، بترجمة لبنانية، من إخراج ولفجانج بيترسن، يفتخر الفلم بفريق ممثلين زاخر بالنجوم، براد بت بدور أخيل، الممثل الأسترالي إيريك بانا بدور هكتور، سين بين بدور أوديسيا، أورلاندو بلوم(الجني في ثلاثية سيد الخواتم وويلي في قراصنة الكاريبي)بدور باريس، بريان كوكس بدور الملك اليوناني القديم آجاميمنون، الحسناء عارضة الأزياء الألمانية الموديل الألماني ديانا كروجر في دور هيلين, حيث أنَّ جمالها المبهر كان مؤثرا في أداء دورها في مشاهدة الرجال تتعارك من أجلها، بيتر أتول بدور الملك فريام، الفاتنة الاسترالية روز براين أدت دور الراهبة العذراء بريسيس التي تم أسرها وكانت الوحيدة التي تهدئ من روع أخيل.
بعد أن ترشح الفلم لجائزة أوسكار الأكاديمية للعام 2005 عن أفضل أزياء، اشترى المتحف البريطاني أزياء الفلم، لتقديم الحقيقة التاريخية بصورة مقربة لزواره عن إلياذة هوميروس الأسطورية بشكل أفضل.
حرب طروادة، موصوفة في إلياذة هوميروس وأساطير يونانية أخرى، وهي حدثت في الأناضول (تركيا حديثة) حوالي سنة 1200 قبل الميلاد، وفي 1870 اكتشف عالم الآثار الألماني هنريك شيلمان Heinrich Schliemann خرائب مدينة طروادة، وهي تقع في بلاد الأناضول في تركيا، والإلياذة أول الشعر القديم وأعظمه، تبدأ بسرد تفاصيل الخصام الذي وقع في السنة العاشرة للحرب بين الملك Agamemnon عاهل Mycenae في اليونان، ملك قبائل الإخائيين، والذي يأمل توسيع إمبراطوريته، وبين أخيل أفضل آلاته الحربية، وهو قليل الانضباط أو عديمه كلورنس العرب، والفرق بينهما أنَّ لورنس ذو ولاءٍ قوي للملكة المتحدة، وأخيل في الفلم ولاءه لمجده ولا يطيع أوامر الملك آغاممنون ويعتبره الأخير شوكة ثابتة في جانبه،
كتب الشاعر الأعمى هوميروس الإلياذة سنة 900 قبل الميلاد، في 16000 بيت شعري، وتبدأ الإلياذة بخصام الحلفاء أخيل وآغاممنون وتنتهي بمأتم هكتور، ولكن الروايات المتواترة أتمت القصة، ولم يتمكنوا من الاستيلاء على طروادة إلى أن أرشدهم حكيم اليونان آنذاك الملك أوديسيا إلى خطة الحصان الخشبي.
يذكر الفلم أحداثاً قبل حرب طروادة عن انتصارات آغاممنون، ولتعزيز أسطرة أخيل في حادثة بواكريوس مفارقة تاريخية/سينمائية لنوع غير عادي من أساطير البطولة، حيث يطلب آغاممنون من ملك آخر، أن يبرز رجلاً ليبارز رجلاً من جيشه، فإنْ انتصر بواكريوس ينسحب آغاممنون، وإنْ انتصر أخيل يدخل الملك في طاعة آغاممنون، فينادي الملك، بواكريوس ويخرج رجلٌ ضخم جداً، فينادي آغاممنون أخيل، ويكرر دون جدوى، يقترب فارس منه ليخبره أن أخيل ليس في الجيش، فيدمدم آغاممنون بأنَّه سيجلده حال انتهاء المعركة، ويضحك ملك بواكريوس ويضحك جيشه، ويقول أنَّ لرجله تأثير بالغ في فرار الرجال من أمامه، وهنا يخرج أخيل من خيمته ويمتطي حصانه، ويسرع نحو المعركة، ويقول له صبي: أنَّ عدوك هو أضخم رجلٌ رأته عيناي، ألا تخاف؟ إذا كنت تخاف فلن يذكرك أحدٌ بعد موتك، يقترب أخيل منه بدون مبالاة، بهرولة خفيفة، يرمي الاثنان رمحهيما، يخطئان، ويقترب المحاربان لمعركة السيف النهائية، باندهاش، يركض أخيل نحو بواكريوس، يقفز قفزة ملتوية، يغرز سيفه يمين رقبة بواكريوس، خلال العضلة العليا بين عظام الترقوة، وخلال القلب، يقطع الشريان الأبهر، أو نقطة حيوية أخرى، أعطى أخيل دقةً عالية في علم التشريح، ومهارة عظيمة في التصويب، يسقط بواكريوس كثور يشخر، يتمايل للأمام خطوة واحدة، تركز الكاميرا على انهيارات ظاهرة على عضلات وجهه.
حفل في إسبارطة يقيمه مينالاوس شقيق آغاممنون يحضره هكتور وباريس، بمناسبة عقد السلام بينهما، تهرب زوجة المضيف هيلين مع الضيوف بعد أن يغويها باريس، يريد أخّاه Menelaus انتقاماً من أمير طروادة باريس، تلتقي رغبته مع رغبة آغاممنون في ضم طروادة ليبسط سيطرته الكاملة على بحر إيجة، المحارب هيكتور يغضب حين يعلم بهذه القضية، وعندما يعود إلى تروي، يحثّ أبّاهم، الملك فريام Priam، لإرجاع الشابّة إلى Sparta، لكن فريام يترك العقل ويضع ثقته وإيمانه أكثر من اللازم في كهنته الكبار وتفسيرهم، يحشّد اليونانيين أكبر قوة بحرية، ألف سفينة لكل سفينة خمسين محارباً، معهم أخيل وابن عمه الأصغر والعديم الخبرة، باتروكلوس Patroclus، أخيل الذي أقنعه الملك Odysseus الملك الوحيد في اليونان الذي يحترمه أخيل، وأمّ أخيل، Thetis، تنصحه بالانضمام إلى الجيش، وتخبره نبوءة أنَّه إذا لم يذهب إلى الحرب، سيجد السلام والسعادة وعائلة لكنّه في النهاية سينسى، وإذا ذهب إلى تروي، سيخلد اسمه وسيموت هناك، أخيل لا يستطيع مقاومة سر الخلود الذي سحر كلكامش والكثيرين قبله.
يهبط اليونانيون على ساحل طروادة، يسيطرون على الشاطئ في اليوم الأول من الحرب. أخيل ورجاله، مفيدون جدا ودائما في المعركة، يدنّس معبد طروادة وأبولو بشكل خاص، يضرب أخيل عنق تمثال أبولو ورجاله يقتلون كاهنين غير مسلّحين، Briseis، بريسيس ابنة عم هيكتور، تؤخذ كجارية إلى خيمة أخيل لتسليته، Agamemnon يقرّر أخذ Briseis من أخيل، أخيل يحتجّ، لكن كلمات Briseis تمنع أخيل من القتال، أخيل يقرّر أن لا يشترك في المعركة القادمة، من غضب أخيل يبدأ هوميروس الإلياذة أي من السنة العاشرة، تبدأ المعركة بتحدي باريس، وهو رجل عديم الخبرة في الحرب، لقتال Menelaus في مبارزة يرفضها الملك آغاممنون الذي لا يريد أن تنتهي الحرب قبل بسط نفوذه على طروادة، ويقبل بها هكتور الذي يعرف بأنّ اليونانيين لم يبحروا كل هذه المسافة بسبب زوجة رجل واحد، لكن شقيقه يتوسله ويشير عليه ببدء المعركة حال انتهاءه من باريس، ينتهي Menelaus قتيلا على يد هيكتور الذي يمنعه من قتل أخيه باريس الذي فرَّ من أمام مينالاوس، تنتهي بخسارة اليونانيين وانسحابهم إلى سفنهم، يعلم Achilles بأنّ Briseis أعطيت إلى بعض الرجال من قبل الملك بعد أدائهم السيّئ في المعركة لترفع روحهم المعنوية، يصل وينقذها قبل أن يوسمها الجنود ويغتصبوها ويأخذها إلى خيمته، يسبق المشهد، عتاب الملوك لآغاممنون على إغضابه أخيل، ويأمر بإعادة الجارية إليه ويقول أنَّه لم يلمسها، أخيل يقرّر العودة إلى دياره في الصباح، تلك الليل، يستيقظ فجأة ليرى Briseis قد وضعت سكينا لحزّ حنجرته كي لا يقتل أكثر من الطرواديين، رغم أنَّه لا يبدي أية مقاومة بل على العكس يقول افعلي، لكنّها لا تستطيع،وبدلاً من حزِّ رقبته تقع في حبّه، يأخذ ابن عمه Patroclus درع أخيل، ويقود المورمنديين لصدِّ هجوم الطرواديين العنيف على معسكرهم، يقاتل ببسالة مقلداً حركات أخيل حتى يظنه الجميع هو، يتقابل مع هكتور وبسهولة يحز له رقبته، ثم يكتشف أنَّه ليس أخيل، ويقول له الملك أوديسيا أنَّه ابن عمه، غضب أخيل الثاني هذه المرة ينصب على هكتور، فيذهب عند الفجر في عربته منفرداً ليقف أمام الحصن ويظل ينادي هكتور ليخرج له، قبل بدء القتال ينقل الفلم حواراً من نصِّ هوميروس، لكن بدون تفخيمات هوميروس، يطلب هكتور أن يتعاهدا بعدم التمثيل بالجثة، وأن يسلم المنتصر جثة الآخر إلى قومه ليحصل على دفن محترم، لكن أخيل يجيبه(لا يوجد اتفاق بين الأسود والبشر) وبعد أن يقتتلا بالرمح قتالاً لا يختلف عن القتال الخيالي الكونغ فو، ينتقلان للقتال بالسيف بعد تكسر رمحيهما، يقتل هيكتور ويجره أخيل إلى المعسكر اليوناني، على مرأى من جيمع الطرواديين دون أن يجرأ أحدٌ على إنقاذ جثة أميرهم، في وقت لاحق من ليلة مقتل هكتور، يدخل الملك Priam يقابل أخيل سرّا، يركع عند قدميه ويقبل يديه، ويقول لقد فعلت ما لم يفعله بشرٌ قبلي، قبلت يدي قاتل ابني، ويتوسل معه لاسترجاع جثة هيكتور، يعجب بشجاعة Priam، يعيد أخيل جثة هيكتور ويسمح لـ Briseis بالذهاب مع عمها Priam العائد إلى تروي، ويطمأن Priam أيضا بمنحه هدنة مدة (12 يوم) لاستكمال مراسيم جنازة الأمير الشجاع هكتور.
أثناء الأيام الـ12 التي يندب شعب تروي موت هيكتور، اليونانيون يبتكرون خطة لاقتحام المدينة، باستعمال حصان خشبي ابتكر من قبل الملك Odysseus. ويترك اليونانيون على الساحل جثثا تدل على مرض الطاعون، فيفترض الطرواديون النصر، يجرون الحصان إلى المدينة ويحتفلون طوال الليل، يخرج اليونانيون المختبئين داخل الحصان، في هجوم مباغت على حرس الحصن يفتحون البوابة للجيش المنتظر خلف الأسوار، يبدأ أخيل بالبحث عن Briseis، في هذه الأثناء مجموعة طروادية بضمنهم هيلين تهرب من المدينة، ويقتل الملك Priam من قبل Agamemnon، باريس يرفض المغادرة قبل أبيه، يسلم سيف أبيه الذي أعطاه عند تحديه مينالاوس لشاب طروادي يافع ويقول له ما قاله له أباه، طالما بقي سيف تروي في أيدي طروادية، هناك مستقبل لشعب طروادة.
يبحث أخيل عن Briseis بشكل مسعور، يمسكها Agamemnon ويقول لها كدت تتسببين في خسارتي للحرب، سآخذك جارية تمسح أرض قصري، تقتله بسكين مخفي، يهجم عليها حراس Agamemnon عندما يصلها أخيل ويقتلهم، باريس يرى أخيل يرميه بسهم يصيبه في كعبه(عقب أخيل) ويعقب سهمه بثلاثة أسهم أخرى، تصرخ Briseis لباريس أن لا تقتله، يسحب الثلاثة أسهم من صدره، يغرزها أمامه ليعبر عن موته.اليونانيين يكتشفون بأنّ أخيل مات، يؤدّون الطقوس الجنائزية له الصباح التالي. تنتهي القصّة بOdysseus وهو يروي “إذا ذكرتك قصّتي أبدا، فاذكروا بأنني مشيت مع العمالقة، الرجال يرتفعون ويسقطون مثل حنطة الشتاء، لكن هذه الأسماء لن تموت، قولوا إنني عشت في زمن هيكتور، مروض الخيول، عشت في زمن أخيل.
صناعة السينما:
عروض تروي كسبت 133$ مليون في الولايات المتّحدة، بعد أن تكلفة 175$ مليون في إنتاجه، اعتقد البعض بفشل الفلم مالياً، وتوقّع العديد من النقّاد فشله، عندما لم يحقق سوى 50 مليون دولار بالكاد في عطلة نهاية أسبوعه الأول في أمريكا، وبعض النقّاد كان عندهم ميل لتقويم الفلم ضمن صنف الملاحم التاريخية الفاشلة الأخيرة، مثل ألكساندر (2004)، Alamo (2004)، الملك آرثر (2004) ومملكة السماء (2005). لكن أكثر من 73% من عائداته جاءت من خارج الولايات المتحدة، حتى وصلت إلى 497 مليون دولار، وسنذكر أدناه بعض الاختلافات لأنَّ كتاباً كاملا لن يحصي الاختلافات كلها:
1- تروي تجنّب وجود الآلهة اليونانية الأولمبيون، التي أسهب في ذكرها هوميروس، وهو بحسب أفلاطون كان مجبراً، لأنَّ الشاعر كان مذموماً ما لم يكن شعره في مدح الآلهة والناس الأخيار، وباريس تنقذه أفروديت وتنقله إلى غرفته ويبقى مينالاوس حيا إلى نهاية الحرب كأخيه آغاممنون.
2- تجاهل الفلم مغامرة شجاعة قاما بها ملكان بطلان توغلا ليلاً إلى معسكر الطرواديين وأجهضا محاولة هكتور للتجسس على معسكرهم، وأعملا فيه قتلاً وعادا سالمين إلى معسكرهما، وكذلك تجاهل المخرج مغامرات كثيرة لا تقل أهمية عن هذه.
3- يموت أخيل قبل صناعة الحصان الخشبي بسهمٍ من أبولو ولا يدخل طروادة ولا يسلم بريسيس للملك فريام، بل يأمر آغاممنون بإعادة خريسا خادمة المعبد خوفاً من غضب الآلهة ومعها مئة من الذبائح، وأحد الزعماء ليتأكد أنَّ الأمور قد سارت على ما يرام، ويترك بريسا لأخيل، مولا يبكي هكتور ويركز الفلم كثيرا على ضميره الشفاف الحيوي وتألمه للموت والدمار الذي يخلفه، ويقاتل في الفلم ليكون المحارب القوي خلال كل العصور، وهو ما لم يذكره هوميروس.
4- يقتل أخيل قبل هكتور بساعات أخويه فوليذر وليقاون في معركة يفر فيها الطرواديون إلى داخل السور ويبقى هكتور خارجه، وهي صورة أكثر واقعية من أخيل الواقف بمفرده تحت السور وفي مرمى سهامهم، وكان هكتور يفكر في التنازل لأخيل بأن يعده بإعادة هيلانة والكثير من الذهب والأموال ليعود إلى دياره، لكنه حين رأى مقدم أخيل فرَّ من أمامه وانطلق أخيل يطارده ويقول هوميروس(وكان الهارب شجاعاً أمَّا المُطارِدْ فكان أشدُّ بأساً)هوميروس-الإلياذة-ترجمة عنبرة سلام-دار العلم للملايين-1982-ط5-ص253، وأخيل لم يدفن ابن عمه القتيل إلا بعد أن ثأر له وقتل هكتور لكن في الفلم يدفنه قبل الانتقام.
5- تغاضى عن أبطال كثيرين لا يقلون أهمية عن أخيل، كنسطور الذي تجاوز عمره المائة سنة، وذيوميد واياس الكبير والصغير وغيرهم بل أنَّ الإلياذة كانت مليئة بالأبطال والفلم لم يكن فيه سوى أخيل وهكتور.
6- أفروديت تخفي باريس عن الأعين وتنقذه بنقله إلى فراشه، من مينالاوس في الإلياذة، وفي الفلم ينقذه هكتور، وتوبخه هيلين لجبنه بينما في الفلم تعذره وتقول له لا يهمني أنَّك فررت وذلك لأنَّك تحبني ولهذا فررت، وتقول له(أنا لا أريد بطلاً فقد كان مينالاوس بطلاً ومحارباً عظيماً ولكني أريد رجلاً أهرم في حضنه).

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: