فضاءات القول

قراءة في نص أنقول…أم نمضي ..على درب مخاتل؟..([1]) للدكتور .سعيد الجريري

محمد صالح المحفلي

علينا قبل الدخول في عالم النص أن ننظر في العنوان بوصفه عتبة دلالية أولى فهو »نص أصغر يحيل إلى النص الأكبر»([2]) ويضيء مجاهيله وكلماته تمثّلُ دوالَ تتشظى دوالَ أوسع في ثنايا النص ،فالعنوان هنا تشكل على سطرين في كل سطر جملة فعلية ، تبدأ الأولى بالفعل نقول مسبوقاً بهمزة الاستفهام ،والفاعل المحذوف المقدر بنحن تنفسح دلالته على فضاء مفتوح من الخيارات ستحددها دوال في النص ،كما توسع نقاط الحذف هذا الفضاء مع حذف مقول القول . في السطر الثاني جملة فعلية جاءت معادلاً لما تقيمه (أم) من مقابلة بين خيارين هما : (قول ال..) و (المضي على درب مخاتل )، والنص ينبني على هذين الدالين ؛ دال (القول) ودال (المضي على درب الخداع ) سنبين لاحقاً أثرهما في توليد الدلالات الصغرى ، أما الاستفهام المرتبط بفعل القول ذي الفاعل الجمعي (نحن) فهو يضع المتلقي أمام صدمة السؤال ، الذي يبدو في ظاهره أنه بحاجة لتعيين أحد الخيارين ، لكنه كما سيوضح النص يشرح أجزاء القول ، ويقدم صورة قاتمة – إن جاز التعبير – عن القول الذي ينبغي أن نملأ الفراغات بعده ؛ ليكون قولاً لا صلة له بال(حين)الواردة في النص .
أول ما يلحظه المتلقي هو ذلك النمط الجديد الذي تميز به النص من خلال التنوع في الصياغة والتشكيل بما يحيله لوحةً فسيفسائية سواءً كان ذلك من خلال تعدد الأوزان والإيقاع الداخلي وبروزها في مقاطع معينة أم فك هذا الوزن والانطلاق في الدفقات الشعرية دون قيود مع توظيف استراتيجية التناص ، وتقنيته لذلك اكتسب صورته الجديدة التي كسرت أفق التوقع لدى المتلقي ؛ ذلك أنه ذوّب النصوص وصهرها ليعيد تشكيلها مرة أخرى على وفق رؤية مغايرة .
بما أن « التناص هو قانون النصوص جميعاً وهو كالهواء والطعام والشراب بالنسية للمنشئ والقارئ»([3]) فقد انطلق النص من خلال هذا المبدأ ليعيد تشكيل نفسه على وفق هذا التصور ؛ فمادام أن سلطة التناص واقعة لا محالة على كل نص يكتب سواءً كان ذلك في وعي المبدع أم في غير وعي منه ، فعليه أن يؤمن بهذه السلطة القاهرة وينطلق من خلالها في بناء النصوص ، وليكن تناصاً واعياً ينم عن استيعاب قوانينه ويعيد توظيف الموروث وينتج منه جديداً مفعماً بالحياة
لتقصي ملامح التناص واستكناه التقنية التي استخدمها ( الناص) في بنائه يمكن تتبع تهاويم النصوص وهي ما تسمى ب( النصوص المرجعية) وأثرها في النص المقروء(النص المركزي) وهي نصوص لا تكاد ترى إلا (بقايا صور) بعد إعادة إنتاجها على وفق قوانين جديدة وبالقدر الذي يخدم دال العنوان.
(منذ حين ) تكررت هذه العبارة خمس مرات بداية الفقرات وهي في كل دفقة تحمل نفساً شعرياً مغايراً ، وتطور دلالتها في السياقات من مرحلة لأخرى وتحدد المراتب العمرية في حياة النص ، ومع أن كلمة (حين ) تدل على فترة زمنية غير محددة لكن السياقات والتناصات الواردة تبين وتكشف بعض غموضها ف« منذُ حينٍ ، والحنينُ إلى صوتٍ تشرذمَ في زحامٍ كأنَّ الليلَ بعضٌ من مراياه»([4])هذا المفتتح يحيل إلى نص : عبد الله البردوني «وجوه دخانية في مرايا الليل»([5]) ولنا أن نقف عند هذا العنوان الذي يتضمن حواراً بين ( أنا القصيدة ) ، ووجوه دخانية في مرايا الليل لكن تساؤلاته تظل حائرة لأن من يسأله من الأشياء والأحياء مشغول بتساؤلاته وهمومه الخاصة ؛ لذا يتسم الحوار بفقدان الصلة وهو ما يجسد فقدان العلاقة الحميمية بالآخر ويكثف الإحساس بالحزن والغربة والعدم والانكفاء على الذات ([6]) فالتساؤلات : قول (أداء لغوي) لكنها تصبح في النص المركزي صوتاً ، وإذا كانت تساؤلات نص البردوني تنكسر في مرايا الليل فإنها تبين صورة ما أخرى خاصة بها لكن (الصوت الذي تشرذم ) كان أكثر حدة في انكساره في هذا الزحام ، وما الليل إلا بعض من مراياه ، وفي هذا الاجراء الشعري مايمكن أن يسمى ب(النفي الموازي )فقد بقي المعنى المنطقي في المقطعين ([7]) ولعل في هذا ما فيه من توافق في الرؤية لكلا النصين فاستغل النص المركزي العلاقة التنافرية بين ( أنا النص ) و (الوجوه الدخانية ) ليبين تلك العلاقة بين القول وفضائه المجهول . التناص هنا لم يكن مجرد استحضار النص فحسب بقدر ما كان بناء للدلالات للوصول للغاية التي يبتغيها النص الجديد عبر المقاطع التي ابتدأت – غالباً – ب(منذ حين ) وفي كل فقرة يكون النص قد أذاب صوتاً جديداً واقترب مرحلة من غايته ؛ لذا تتكسر الحواجز التي تفصل المتلقي عن رؤية فضاء القول الذي رسمه العنوان .
« منذُ حينٍ ، و الكلماتُ تصل إلى أقاصي المعاني ، لكنها ترتدُّ باهتةً كأنَّ بها صُفرةً ، أو رماداً.. كلمات تدور في فراغ حروفها ، و لا تقول . كأنَّ بها حياءً من فضاءٍ ليس يُشبهُهُ فضاء»([8]) هنا إحالة إلى بيت أبي الطيب المتنبي :
وزائرتي كأن بها حياء فليس تزور إلا بالظلام([9])
فالمتنبي يقول إن زائرته (الحمى) (كأن بها حياء) لذا لا تأتي إلا في الظلام ، وفي هذا النص : (الكلمات) (كأن بها حياء) لذا فهي لا تقول فالكلمات بقدر ما تحمله من معان هي بدون أثر ، تذهب وتعود فارغة عديمة الجدوى إنها سلبية جدا ً على عكس حمى المتنبي التي تمتلئ حيوية ونشاطاً فليس جامع بينهما (الحمى والكلمات ) إلا ( الحياء) ، حمى المتنبي ( تعاف الأطراف والحشايا ) وتسكن (الصميم والعظام) أما الكلمات فهي ( تدور في فراغ الحروف) لا تكاد تجاوزها.
الصوت يذوب في الكلمات والكلمات تصير قصائد و« والقصائدُ تُشعل الغاباتِ في مطر الحنين ، لكنها تجثو على وَثَنٍ كأنَّ الريحَ جذوتُهُ الخُرافيَّةُ»([10]) أذاب هذا المقطع أكثر من نص لعل الأبرز مطلع نص أنشودة المطر للسياب:
«عيناك غابتا نخيل ساعة السحر»([11])
والنص الآخر بيت المتنبي :
«على قلق كأن الريح تحتي أوجهها جنوباً أو شمالا»([12])
النصان هنا جاءا على وفق استدعاء تطلبه النص ويمثل مرحلة مهمة ومتقدمه في سياقه، فنص السياب بني على أساس الرمز والأسطورة ؛ لهذا يعد نوعاً من الهروب ، هروب بالكلمة من أتون الواقع للدخول في مجاهيل أخرى لتؤدي مهام أخرى ، وتبقى القصيدة على الوثن الخطير الوثن الذي يمسك بزمام الكلمة فيوجهها كيف شاء.
الريح في بيت المتنبي ليس هي الريح في هذا النص ، الريح عند المتنبي مرتبطة بالفعل : ( أوجهها ) لذا تحمل سمة : الطموح ، والتطلع . لكن الريح هنا لها ارتباط ب( الوثن ) ، و(الخرافية) ، و(تنوح) لذا لها سمات الدمار ، والخراب ، والثورات الكونية.
« منذُ حينٍ ، ندور حول ما لا نقول . كأنَّنا الشعراءُ .. نَضلُّ ..نُضِلُّ في وديانِ تيهٍ مستبدٍّ ، كالهشيم »([13]) لعله من البين تكشّف خيوط الرؤية أمام القول من خلال هذا المقطع الذي يدخل في تناص مباشر مع الآية الكريمة : { وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ{224} أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ{225} وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ}([14]) فنية النص تكمن في أسلوب امتصاص الآية الذي يتشكل على هذا النحو:
القول الفعل
الآية + –
النص – –
ففي الآية: الشعراء يقولون مالا يفعلون ، وفي النص : أشباه الشعراء لا يفعلون ولا يقولون ،وهنا تدخل الكلمات والقصائد في واد آخر هو وادي التيه المستبد ؛ إذ يحملها أشباه الشعراء الذين«يتبعون المزاج والهوى ومن ثم يتبعهم الغاوون الهائمون مع الهوى ، الذين لا منهج لهم ولا هدف وهم يهيمون في كل واد من وديان الشعور والتصور والقول ، وفق الانفعال الذي يسيطر عليهم في لحظة من اللحظات تحت واقع مؤثر من المؤثرات»([15])لتبدو لحظة انكسار الكلمة الصادقة أمام هذه المؤثرات بغرض تزييف الوعي وتشويهه، ففضاء الكلمات هو فضاء مزيف ،مخادع لا يقود إلا للضياع والتيه.
« منذُ امرئ القيسِ »([16])ينكشف مع هذه العبارة الغموض الذي تلبس كلمة (حين)تلك المسافة الزمنية الغامضة لتظهر أنها المساحة الزمنية بين زمن ولادة النص وبين امرئ القيس ، وهذا هو عمر القصيدة أضف إلى ذلك أن استدعاء شخصية امرئ القيس له دلالته الخاصة ليس فقط لكشف مجاهيل النص وإنما بوصف امرئ القيس شخصية أثارت جدلاً في التاريخ العربي وهي هنا مرتبطة بالدال ( نقول ) في العنوان ليتحدد مسار القول في هذا السياق ، فامرؤ القيس هو فاتح النص الشعري ، وواضع الحجر الأساس للقصيدة العربية ، وهو الذي (خسف للشعراء عين الشعر) .
النص في هذه النقطة يدخل في حوار مع نص محمود درويش : «خلاف غير لغوي مع امرئ القيس»([17]) والحوار هو : «إجراء فني يلجأ إليه الأدباء لبناء نصوصهم وتنظيم مقولاتهم وعرض آرائهم»([18]) ويختلف مقدار التوظيف وإجادة بنائه من مبدع لآخر . استطاع النص هنا أن يبني لغته على وفق رؤية جديدة ، ولم يكن الحوار تبايناً في الكلمات بقدر ما هو تماه في السياقات التعبيرية لكن مع إعادة تشكيل الرؤى بطريقة مغايرة . امرؤ القيس في نص درويش له مجالان ، الأول : التمثيل ، وقد انبنت العبارات المنتمية لهذا الحقل الدلالي أو المشيرة إليه ( أغلقوا المشهد ، شاشة السينما ، باسمين كما ينبغي أن نكون ، ارتجلنا كلاماً أعد لنا سلفاً، انحنينا نسلم أسماءنا ، الفصل قبل الأخير ، صوروا ما يريدونه ، غيروا جرس الوقت ، التفتنا إلى دورنا ، الشريط الملون ، لم يكن دمنا يتكلم في المكرفونات ).
المجال الثاني : هو مجال اللغة ويظهر في عنوان النص وتقاسيمه ، وهناك عبارات دالة على هذا الحقل منها : ( خلاف غير لغوي ، رسالة قيصر ، المفردات التي اهترأت ، وصف حرية لم تجد خبزها ، وصف خبز بلا ملح حرية ، لم نتعرف على صوتنا ، لم يكن دمنا يتكلم ، اتكأنا على لغة بعثرت قلبها ، لم يقل أحد لامرئ القيس ، اترك ههنا لغتك)
المحور الرئيسي في النص المركزي كان ذا طبيعة لغوية شعرية ويلحظ هذا من العبارات ذات الدلالات المنتمية لهذا الحقل– في الغالب- لنا أن نستقصيها فمنها ما يحمل الدلالة بصورة مباشرة مثل :(أنقول ، صوت تشرذم ، الكلمات تصل إلى أقاصي المعاني ،كلمات تدور في فراغ حروفها ، لا تقول ، القصائد تشعل الغابات ، الحنين كالكلمات ، الكلمات كالقصائد، لانشيد ولا كلام ،ما لا نقول، كأننا الشعراء، منذ امرئ القيس،الحنين كالكلمات ،كالقصائد ، القصائد كالحنين ، سفحنا من الكلمات ،البليغة ، لنقول إذ نقول ، نعيد للأشياء أسماءها ،الطيور لأصواتها ، خدر القصائد ، حمى اللغة ، من قول إلى قول ، ما قيل الهباء، المعلقة ، في الكلمات أسرار ، قمر الكلمات ، خارج اللغة ، منطق اللغة ، سراديب الكلام )
ومنها ما يحمل هذه الدلالة بصورة غير مباشرة مثل : ( مبنى ومعنى ، تنوح ، تطلسمه القواعد والجرائد ، رمال بلا ذاكرة ، خط كليب ، الوصية العاشرة ،غسق المعاني ، فوق شفاهنا ، ليس مسكوتاً ، مسافة خرساء )والعلاقة واضحة بين هذه الكلمات ومدلولها اللغوي وارتباطها بحقل اللغة ، وعند تأمل النصين يتبين أن خلاف درويش مع امرئ القيس – الرمز – بصفته غير الشاعرة أي بوصفه مهرجاً في بلاط قيصر ، ممثلاً ممجوجاً يؤدي أدواراً مرسومة له مسبقاً لا يكاد يخرج عنها . إلا أن النص الجديد – أنقول أم نمضي ؟ – قد وقف في الجهة المقابلة لنص درويش ، فامرؤ القيس حتى وهو خارج اللغة فهو« ذلك الوالغِ في ذاتٍ ، و شهواتٍ ، ومُلكٍ مُضاع »([19]) فالخلاف معه بوصفه شاعراً وغير شاعر، وامرؤ القيس – الرمز – هو المسؤول عن انحدار الكلمات وطلسمتها ، ومنذ أبحرت سفن القصائد في بحار الشعر وصلت إلى شواطئ خربة بها ( رمال بلاذاكرة ) و ( إن كل ماقيل الهباء ).
النص يأخذ بعداً جديداً للنظر في مستقبل الكلمات : « لِنَقُولَ إذ نقول .. لِنُعيدَ للأشياء أسماءَها»([20])وعندئذ س« يعود الوجودُ لدورته الدائرة : النجومُ .. لميقاتها ، والطيورُ.. لأصواتها ، والرمالُ .. لذرّاتها و القتيلُ .. لِطِفلته الناظرة»([21]) و في هذا النص اقتباس أخذ بعناية من قصيدة الشاعر أمل دنقل ( لا تصالح) في وصيته الثامنة:
«لا تصالح
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة
النجوم .. لميقاتها
والطيور.. لأصواتها
والرمال.. لذراتها
والقتيل لطفلته الناظرة»([22])
وقد أدى هذا الاقتباس وظيفة جديدة مختلفة عن نصها الأصلي الذي كان مجيئه هناك شرطاً للتصالح وهو شرط تعجيزي إلا أنه في النص الجديد يصبح جواباً لطلب إعادة الأشياء لمسمياتها ، ولتأخذ القصائد مسارها الصحيح الذي ينبغي أن تسلكه لذلك يستفسر« أم أنَّ كل شيء تحطّمَ في لحظةٍ عابرة ،كما خَطَّ كُلَيبٌ بدمه في الوصيَّة العاشرة ؟»([23])عند مراجعة هذه الأشياء المتحطمة في النص المرجعي لاستبيان ماهيتها إنها«الصبا – بهجة الأهل – صوت الحصان – التعرف بالضيف – همهمة القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي – الصلاة لكي ينزل المطر الموسمي – مراوغة القلب حين يرى طائر الموت ، وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة»([24])وهذه الأشياء المتحطمة – غالباً – ذات طابع قولي ، لغوي : بهجة الأهل ( بما يصاحب من أداء تعبيري عن هذه البهجة باللغة والكلام غالباً ) ، صوت الحصان ، التعرف بالضيف ، الهمهمة ، الصلاة . وهكذا يخرج النص الجديد هذه الاشياء من حقل الذكريات المتحطمة التي تواردت تباعاً في ذهن كليب حال مصرعه إلى حقل القول وفضائه ويتساءل عن أنه ربما قد ( تحطم في لحظة عابرة ) أما وصية كليب العاشرة فهي تلك اللازمة الشعرية المترددة في بداية كل مقطع من نص وصاياه العشر«لا تصالح»([25])وهنا يخرج التشبيه من إطاره المعهود وتصبح العلاقة بين ( لاتصالح) و(كل شيء تحطم في لحظة عابرة )دالة على مرحلة اللاعودة وأنه يجب على الكلمة ألا تعود لفضائها المخاتل والمعد لها سلفاً ، ولتتحرر من الطريق العقيم الذي تسلكه ( منذ حين ) ؛ لذا ينحرف النص برسم الإطار الجديد الذي يتطلب للكلمة والقصيدة واللغة أن تسلكه فيدل الظرف (منذ غد) على هذا السياق .
«منذُ غـدٍ ، سيعدو الحنينُ على خَدَر القصائد في البراري ، وتغدو اللُغةُ امرأةً لا تبوحُ وُرُودُها ، وتضج في غسق المعاني كأنها تلد الزِّحامَ من الزِّحام . وتظلُّ عمياءَ خرساءَ»([26]) فيسرد النص أمامه محددات السبيل ، وإذا كان الحنين إلى صوت يتكسر في الزحام كأن الليل بعض من مراياه ، فإنه ينعكس صوتاً مشوهاً لايبين ملامحه ولا حقيقته لكن ( منذ غد ) سيغدو الحنين على خدر القصائد في البراري ؛ ليعود لعذريته وتلقائيته وبساطته وانفساحه ، وإذا كانت الكلمات معاني تطلسمها القواعد والجرائد والموائد المشبوهة لا معنى لها ولا كيان إلا بوصفها كائناً لصيقاً بهذه الدوائر ( المشوِّهة )( فمنذ غد)ستعدو اللغة امرأة لا تبوح ورودها ، متمنعة عصية ، لاتمنح ورودها وأسرارها إلا لمن يستحقها لا أن تكون رخيصة تبيع هواها وورودها لمن يمنحها أكثر. وإذا كانت الكلمات تصل إلى أقاصي المعاني فترتد باهتة صفراءفإنها ستضج في غسق المعاني ولن تعود مجرد كلمات جوفاء تحمل في ثناياها الهباء والخداع .
النص في إجماله لا يمثل بناء فنياً فحسب بقدر ما يحمله من رؤى لبناء النص الجديد تنطلق من الإيمان بسلطة التناص لذلك تعمل على توظيف الموروث من النصوص ، وهدمها وبناء الجديد من أركان الماضي وبهذا يحتاج المتلقي لمثل هذه الصياغات بوصفه مبدعاً موازياً للمنشئ ، وهنا تكتمل دائرة النص الإبداعية .
الهوامش

————————————————————————
[1] – أنقول…أم نمضي ..على درب مخاتل, د.سعيد سالم الجريري , مجلة آفاق ، صادرة عن اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين فرع حضرموت ,العدد 24-25 السنة 252006، 6 0
– [2]من النص إلى العنوان ،محمد بوعزة ، علامات ،مجلد 14 ،جزء 53 ،411.
[3] – الليث والخراف المهضومة دراسة في بلاغة التناص الأدبي ،د . شجاع العاني ، الموقف الثقافي ، العدد 17 السنة 3- 18م – بغداد ، 38.
[4] – آفاق ،6 .
[5] – عبد الله البردوني ، الأعمال الكاملة ، مجلد1 ، إصدار الهيئة العامة للكتاب ، صنعاء، ط/1 ،2002م، 781.
[6] – ينظر : شعر البردوني دراسة أسلوبية ، د.سعيد سالم الجريري ، منشورات اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ، ط/1 2004م ، 72 .
[7] – علم النص ، جوليا كريستيفا ، ترجمة : فريد الزاهي ، مراجعة : عبد الجليل ناظم ، دار توبقال للنشر ، المغرب ، 7 .
[8] – آفاق ،6 .
[9] – ديوان المتنبي بشرح أبي البقاء العكبري ، مجلد 2 ، الجزء4 ، دار المعرفة بيروت – لبنان ،146 .
– [10] آفاق ،6 .
[11] – ديوان السياب ، مجلد 1 ، دار العودة ، 1971م ،474 .
[12] – ديوان المتنبي ،مجلد 1 ، الجزء الثالث ، 225.
[13] – آفاق 6 .
[14] – سورة الشعراء ، الآيات : 242 ، 252 ، 262 .
[15] – في ظلال القرآن ، سيد قطب ، دار الشرق بيروت ،ط 15 ، 1988م ، 2621 .
[16] – آفاق ، 6 .
[17] – السابق ، 2 .
[18] – النص الأدبي فضاء للحوار ، إبراهيم صحراوي ، علامات ، مجلد 14 ، الجزء 54 ،998.
[19] – آفاق ، 6 .
[20] – السابق ،7 .
[21] – السابق 7 .
[22] – أمل دنقل ، الأعمال الكاملة ، دار العودة – بيروت ومكتبة مدبولي ، ط/2 ، 1985م ، 334
[23] – آفاق ، 7 .
[24] – أمل دنقل ، 334 .
[25] – السابق
[26] – آفاق ، 7 .

اترك رد

%d