شبح امرأة
عطاالله شاهين
اذكر أنني كنت نائما حينما ايقظتني متسولة تدق باب منزلي بقوة، فهرعت نحو الباب غاضبا لأرى امرأة شابة بلباسها الردئ والممزق، تقول: أرجوك ساعدني. وقفت انظر إلى عينيها الحزينتين، ودعوتها لتستريح إذ بدا عليها علامات التعب والإرهاق. في البداية ترددت، ولكن مع إصراري دخلت وأجلستها قرب مدفأة حطبٍ يداعب اللهب بقايا جدرانها المحترقة.
كانت ترتجف من شدة البرد، فأحضرت لها بعضا من الملابس، وقلت لها:اذهبي وخذي حماما وارتدي ما يناسبك من تلك الملابس.
بعد فترة خرجت وبدت جميلة للغاية بشعرها الأسود الطويل المنسدل على ظهرها بانسياب جنوني فقلت لها: أليس من العيب امرأة مثلك تعمل متسولة فأنت جذابة بجنون . فقالت:لقد انفصلت عن زوجي ولا يوجد لي احد في هذه الدنيا فاخترت التسول كي أتمكن من العيش.
فحزنت عليها ولم اسألها عن سبب انفصالها، وجلست على الأريكة وفي عينيها شيئ تود أن تبوح به ، فسكتت للحظات ثم سألتني هل تحتاج الى خادمة؟ يبدو أنك تعيش لوحدك.
فقلت لها: نعم اعيش لوحدي منذ طفولتي وقد تعودت على ذلك، ولكن إذا أنت بحاجة إلى عمل فأنا لا أمانع أن تعملي عندي، فاقتربت نحوي تشكرني وذهبت إلى المطبخ لغلي القهوة، وبدا عليها علامات السرور.
فشربنا القهوة معا، وتبادلنا الحديث، وتركتها وخرجت إلى عملي، وعدت عند المساء لأرى البيت بدا نظيفا فاستقبلتني بابتسامة عريضة، وقالت: هل يوجد فرق؟ وكانت تقصد أن البيت ينقصه امرأة.
فقلت لها: بالتأكيد.
في اليوم التالي صحوت من فراشي ولم اجدها ، فبحثت عنها في البيوت المجاورة وخلف جدار الفصل العنصري،لكنها اختفت ربما تكون شبحا ارادت أن توصل لي رسالة بأن الإنسان لا يستطيع العيش وحيدا.
وذات يوم كنت جالسا افكر في تلك المرأة الغريبة، وبغتة سمعت دقات على الباب، فخرجت ملهوفا لأرى من الطارق؟ فإذا هي ذاتها تبكي وتقول: لا أريد أن ينعتوني الجيران بأني امرأة داعرة، فاضطررت لترك منزلك تحت جنح الظلام. فهدأت من بكاءها، وادخلتها الى الصالون وقلت لها: ماذا تقصدين؟
فردت والدموع تنهمر من عينيها أريد الزواج منك ، حينها تسكت الأصوات المجاورة، لم أعطها جوابا نهائيا، ووعدتها بدراسة الموقف، فدعوتها للبقاء ، ولكنها اصرت على الزواج.
وخرجت ولم تعدن وأنا ما زلت ابحث عنها من جديد .. ابحث عنها في الأزقة والطرقات لا احد يذكر لي بأنها متسولة. اعود الى بيتي وأقول: إنها شبح امرأة اذكر تلك الليلة حينما حاولت تغازلني في الظلام بطريقة جنونية لم اعهدها من قبل وكأنها طيف أراد اشباع رغباته بعيدا عن ضوء القمر .. ربما إن وجدتها سأتزوجها بعد أن تميتني بلسعاتها اللذيذة.
فأنا أحببتها وقبّلتها ذات ليلة ضحك فيها القمر ، أحببت امرأة متسولة بجسدها الجذاب هيهات أن اجد مثله في زمن الخوف والإرهاب.
اذرع غرفتي كالمجنون واقول:هيا ارجوك ارجعي لترحيني من انعزالي المميت .. لقد اشتقت الى ابتسامتك العريضة .. اشتقت الى شفتيك الحزينتين. أين أنت الآن؟ هيا ارجعي وسأقبلك زوجة متسولة على جسدي.
أين أنت الآن؟ ألا تشتقين الى قبلاتي في الظلام الدامس؟
ارجعي وسأورثك جسدي لتحفريه بأظافرك الحادة. مزقيني كما ترغبين ارجوك ارجعي فأين أنت الآن؟
لا تتركيني اموت هكذا فأنا لم أحب امرأة مثلك فأنت من علّمتني الحب في الظلام لا يهمني من تكوني شبحا أم ملاكا .. وها القمر يطل فجأة وانتظر اختفاءه حتى ابحث عنك في الظلام.
الموت تحت عباءة فتاة
على فراش وثير تتمدد الفتاة حزينة وصامتة، أنا واقف على سطح بناية عالية خائفا ومتوترا، المنطقة غارقة في السكون، أخواها في العمل،أباها هناك غارقا في غيبوبته، أمها تثرثر في مكتب أنيق لرجل أعمال مرموق في المدينة.
انظر الى الفتاة باستمرار ولا شيء اروع من نافذة بلا ستائر وصباح خماسيني ومغامرة جنونية آتية. الفتاة لا تراني فأنا انظر اليها من خلف حبال الغسيل، ثمة حافز غريب يدفعني الى هذه الفتاة في هذا الصباح الخماسيني الحار والسكون المخيم في المنطقة.
ربما ستراني آجلا أم عاجلا فماذا سأقول لها؟ بعد فترة من الزمن اسمع احدا يفتح باب بيت الدرج لعلّ احد سكان البناية ربما له غرض ما، اسرع باتجاه خزان المياه اختبئ داخله لبرهة من الزمن، اخرج بحذر، ارتجف من برودة المياه ،اتفقد المكان الاحظ أن الغسيل قد أخذ، اعاود النظر الى النافذة ما زالت الفتاة متمددة وها هي الآن تراني تلوّح لي بيدها، ادرك انها تحاول استدراجي انزل بلباسي المبلل احاول أن لا يراني احدا اقطع الشارع ادخل البناية خلسة، اصعد الدرج بسرعة جنونية اطرق الباب تفتح لي الفتاة تدخلني خلسة الى غرفتها انظر اليها بإعجاب واكثر ما لفت انتباهي ارتدائها عباءة وردية وشعرها الأسود الطويل يداعب خاصرتها بخفة وانسجام، تحدق بي وتقول: لماذا تنظر نحوي هكذا؟
اقول لها: أعجبت بك حينما كنت صغيرا. اتذكرين كم مرة ذهبنا سوية الى المدرسة؟ أتذكرين كم كنت متلهفة للقبلة الأولى؟
لحظات ويتجهّم وجهها تبتعد عني وتسألني أهو أنت ذاك الشخص الذي حاول عناقي تحت المطر؟
أهو أنت ذاك الشخص الذي حاول حمايتي من أطفال كادوا يغتصبونني خلف سور المدرسة؟ الآن أذكرك ألهذا أتيت؟
تقترب مني وتقول : ارجوك اخرج لا أريد فضيحة، وينقطع حديثنا على صوت جلبة امام البناية انظر من النافذة واذا المنطقة محاطة بدبابات وجنود فأقول لها: كيف سأخرج فالمنطقة مغلقة الآن. اجلس على أريكة فخمة ويراودني احساسا بأن عليّ أن اقبّلها لا لشئ فقط كي أذكرها حينما اغادر فأنا مسافر الى المجهول دون موعد كلماتي الحزينة كانت مؤثرة لدرجة أنها اقتربت تستسمحني وأنا اختبئ تحت عباءتها وادرك أن الجنود يعتلون البنايات المجاورة. نسمع اطلاق نار تعانقني من الخوف وتغطيني بعباءتها فلا شيء اجمل من حب يجلبه الخوف
نسكت للحظات، تهمس في أذني ارجوك غادر لقد غادروا، ولكنني كنت قد غادرت قبلهم تتحسس الفتاة جسدي ،الدماء تسيل تصرخ بهستيريا جنونية .. تركض نحو الهاتف تطلب الإسعاف لا يرد عليها احدا، تنزل درج البناية زحفا، تحاول ايقاف سيارة ما لنقلي الى المشفى، لا احد ينظر اليها، الخوف يسيطر على الناس، تعود الى شقتها، تراني انزف تحملني بين ذراعيها وتغطيني بعباءتها تجرني على الدرج تضعني وسط الشارع تقف فجأة سيارة فارهة تقودها امرأة ثملة تأخذني الى المشفى تأتي الفتاة معي وتغطيني بعباءتها فأنا اشعر ببرد شديد اصل الى المشفى، ولكني الفظ انفاسي تحت العباءة ..عباءة فتاة يعبق منها روح الأنوثة، يا الهي فتاة احبتني حينما رأتني جريحا ،فلا شيء اجمل من حب يقتله الرصاص غدرا.. حب حزين يموت تحت عباءة فتاة حزينة احبتني وتشبثت بي حينما كنت اموت ..فلا شيء اجمل من حب يموت بعد القبلة الأولى أذكر أنني تلفظت بهذه الكلمات ورأيتها تتركني وتسير في طريق الموت ..انظر اليها وأقول: ربما سألقاك في موعد لاحق فأرجوك لا تغيبي كثيرا فأنا ما زلت أذكر طعم قبلتك الأولى.