يمضي إلى اللاشيء

شوكت المصري

فلسفة
الطرحُ عادةٌ قديمةٌ ..
لنتقنَ الهزيمةْ ،
والجمعُ ليسَ مستحيلاً..
علاقةٌ مجرَّدةْ ،
طريقةٌ وحيدةٌ لنعلنَ انتهاءَ ما نريد
بـــ ربمـــــــا.

بورتــــــــريه

طفلٌ .. مزّقَ صورتَهُ
واحتال على رائحة اللبن المتخثر في دمهِ
بصهيلِ التفاح..
أنكر مشيتَهُ المنكبَّةَ خجلا
واجتهد بتفسيرِ طريقتِهِ الفذّةَ في تقبيلِ فتاةٍ
علمها الحبَّ فأنسته النسيان..
طفلٌ ..
يرُشُّ الشوارعَ بالخطوِ والممكنات ،
ويوقنُ في لغةٍ أوهنها الفقد ،
يجترُّ حروفاً مشبعةً بالبنِّ وبالتضليل،
يتــوحـَّـــــــش.

وحدَهُ .. يفضي إلى واحدِهِ

وحيداً يمرُّ بلا ذاكرة
بدونِ دموعٍ ترطّب للقلب ما يعتريه
بدون التوجُّسِ والأمنيات
بدون خجل،

يعدُّ شقوقَ الحوائطِ
يملأُ نصفَ الفراغِ بعلبةِ تبغٍ
ويدَّخِرُ النصفَ للغد،

يمشي إلى ضجّةٍ من سكون
يعرّي البنــــــــاياتِ من ساكنيها
ويَأوي إلى ظلِّهِ في الظهيرة
يبسُمُ في أوجِهِ العابرين.. يعيرونهُ صمتَهُم،

يهيلُ غبارَ التسكّع فوقَ وسادته
يهشُّ الحكايات تلك التي أهملته
ويُفضي وحيداً إلى واحِـــــدِه.

يمضي إلى اللاشيء

القلبُ شقَّقَهُ الظمأ،
والعابرون إلى ابتسامتهم بدوني
الساقطونَ مع دموعِ اليأسِ في صمتٍ
سيمطُرهم غيابي.

القلبُ لوّنَهُ الصدأ،
والواقفونَ ببابِ أحلامي هواءٌ فاسدٌ
ومركــباتٌ لا تدلُّ على عصيرٍ البرتقالْ..

لا شيء في هذا الغروب
يمضي بذاكرتي إلى اللاشيء.

مهيَّأٌ لعاصفة

أنا.. زجاجٌ هشمتهُ الريحْ
ونافذةٌ تطلُّ على عتمةٍ من سراب
رواقٌ مندّى بصمتٍ مملَّح
يحيلُ إلى غرفِ من غياب.

هكذا ..
إلى حيثُ يُفْتَقَدُ الآخرون
إلى حيثُ يلسعني ما أريد
.. وحيداً
إلى حيثُ ذاكرتي المجهدة.

مهيَّـأُ لعاصفة
مرتَّبٌ تمــاماً لبعضِ فوضى معلنة،
لصباحٍ ممطرٍ يمنعني الخروجَ والبكاء،
ومساءٍ دونما حقيقةٍ مرطَِّبَة.

أنا ..
لم يبق من بعض هذا الضميرِ
شيءٌ هـنا.

جـــــــــدوى

دعيني أحبُّكِ
في لغةٍ .. غيرِ تلكَ اللغاتِ التي آلمتني
وفي شارعٍ .. لا تؤدي نهايتُهُ لاغتـرابي
وفي ساعةٍ .. لا تضيقُ بـثرثرتي المتعِـبَة .

دعيني ..
أحكُّ الغيابَ البغيضَ المملّ ببعض الحكايا ،
وأضحكُ ملءَ الفراغِ الذي يرتضيني،
وأقلِبُ رأس البكاءِ على عقِبِ الحزنِ،
أنفثُ كل دخان التذكُّرِ في زفرةٍ واحدة،

فهذا المساءُ جديرٌ بمعرفةٍ لاذعة ؛

فلا تَسلُبي القلبَ معرفةً دون حقٍ
ولا تُكسِبي القلبَ معرفةً دون جدوى .

هذا ما أسفَرَ عنهُ صباحُكِ

تنفست العتمةُ شمساً
وتلوَّنَ بنسيمِ التفاحِ الموج ،
عبَثَتْ برتابَةِ هذا الكونِ طفولتُكِ
وامتدتْ ظِلاً بجنونِ النشوةِ
شفقاً بـحفيفٍ أخضَرْ..

أرهقني الوجدُ ؛
فأسلمني نطقُكِ لسباتٍ هادئ
وعبرتُ مضيقَ الوقتِ لأدرِكَني ،
آنستُ نارَكِ فانتبهت ،
ووجدتُ نفسي ملءَ نفسي والجهات ..
هذا ما أسفَرَ عنهُ صباحُكِ

ترديدُ جراحِكَ
( إلى: صبحي موسى )

تبدأُ ترديدَ جراحِكَ
وتهيئ لدموعٍ – لم تعرفْ في عينيك – مكاناً تتنفسُ منه،
وحدَكَ لا شيء يُغيرُ عليكَ سواكَ
ووحدَكَ .. لم تنطق حرفاً
لكنك توقِدُ نفسَكَ منذ سنينْ
تأنسُ بالوهجِ الطالعِ من شُعلةِ حزنِكَ
وتلوذُ بصمتٍ أطبَقَ فيكَ .. وتصرخ .

يا ولداً لم يكبر بعدْ
تلك الشيخوخة كيف أتت في التوِّ
وأنتَ ترتب سقفَ الدار لتلعبَ بكلامٍ
تسقِطُهُ الريحُ على الجدرانِ، ترتِّب حقلَ أبيكَ وحنطةَ أمِّكَ
وبكـــــاءَ ابنةَ أختِكَ وغـــــــيابَ أخيك على أول شــارعكمْ،
والنخلُ يسدُّ الأفقَ هناكَ ويغمسُ خضرَتَهُ الشهباءَ بشمسِ المغرب.

لم تصعد .. وحدَك لم تصعدْ..
هم هبطوا رغماً عنك، أخوكَ وأختُكْ،
وأنت تُهدهِدُ أوجاعَ عجوزين لتلقى في عينِهما طفلَـكَ
أفراحَ رجوعكَ من تيه القاهرة الكبرى وعبوركَ ببقايا شاي الزوار لبابِ الشارعْ.

ما هبطوا رغماً عنك، أبوكَ وأمُّكَ،
أنتَ صعدتَ إليهم خمساً وثلاثين ربيعاً
تصعَدُ .. وخريفٌ يتسربُ من خَلَلِ البابِ ،
الترعةُ تغلي ببخارِ الماءِ الصاعدِ في الشبّورةِ ،
والحقلُ تعرّى مذ سافرَ موسى للموتِ ، وراويةٌ أيضاً..

وحدَك لم تنطِق حرفاً، لكنك توقدُ نفسَكَ كلَّ مساءٍ،
وتحاول تضميدَ جراحٍ أدماها الفقدُ..
وتصرخُ ملءَ الروحِ .. وتكتُبْ.

تَرِكَـــــــــــــــــــة

سأرحلُ عمّا قريبٍ..
وأترك للأصدقاء انتظاري ،
وبعضَ انتصاري ،
وكلَّ الليالي البريئة .

سأرحلُ عمّا قريبٍ..
وأتركُ للخائنين احتمالي ،
وبعضَ اشتعالي ،
وكلَّ الحروف البذيئة .

سأرحلُ عمّا قريبٍ..
وأتركُ للتعساءِ مداري ،
وبعضَ اضطراري ،
وكلَّ الأماني البطيئة .

شوكت المصري
2007

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: