ما ليس غناءً وليس رثاءً
عبدالعزيز المقالح
(إلى روح الصديق الشاعر محمد حسين هيثم)
منذ ألقى يديه بماء الكلام
وآنس ناراً هناك
وعيناهُ مترعتان بصمت
غريب
وأحصنة تتراءى له
في غيوم المكان
تفتش عن مهرة
أسها في الفضاء البعيد
القصيده.
على «بعد ذئب» أتى
وعلى «بعد ذئب» مضى
كان طفلاً يغني
يبوح بما ادخرت شهوة القلب
ما اختزنته ظلال المعاني
وينثر ملحَ الرياح على شفتيه
لعل عواء الذئاب ينام
وتمسح أشداقها، وأظافرها
من دماء القصيده.
خبا شوؤه
قبل ان يولد الفجر
من رحم الليل،
وهو الذي يكره الليل
يكره عتمته
والظلامَ الذي يتوغل،
يدعو الى عزلة الكائنات
ويدهو ليرسم لونَ عباءته
في القصيده!
لا السماءُ سماء
ولا الضوءُ ضوءاً كما كان
قبل الرحيل
ولا نجمتا صبح «صنعاء»
ترتعشان لصحو المكان
كما كانتا
لا ولا نجمتا ليل (غيمان)
تحتفلان،
– وقد هبطت شمسه –
بمرايا القصيده.
رجل من ضياء حميم
أفاض على الشعر من حبه
وبراءته
ثم نام،
وبين رجالٍ ذئابٍ
وبين ذئابٍ رجالٍ
أتى ومضى
ثم ألغى مواعيدَه
معنا،
مع ذاك الهواء القليل
وأودع آخر أنفاسه في القصيده
هند…
لا تقرعي بالبكاء
وبالكلمات الجريحة
بوابة الشعر،
سوف ينام طويلاً
حداداً على قمر غاب
فانسدّ في البرزخ الصعب
باب الكلام البهي
ولم يبق تحت السماء الكئيبة
من قبس أو قصيده.
كان «منفرداً ومديداً»
«ويتبع خط توجسه»
مثل «عبدالعليم»
«يموت كثيراً
ويحيا كثيراً»
يداعب جيرانه
ويخاف الغراب
و «يحصي غبار الحروب»
ويشرب قهوته
في رواق القصيده.
«بنو عمه سبعة»
يتنادون عند الطعام
ويحتشدون اذا امتلأت
بالقدور الموائد،
نحن بنو عمه
نلتقي في المسرات
لا في الملمات
لا صوت يجمعنا
أو قصيده.
يا كثير المواجيد، والشعر
والحب،
ماذا رأيت هناك
وقد شفَّك الوجد
للراحلين؟
أفي جنة الله من يرهق الشعراء
بأحقاده وأراجيفه،
هل هناك – وفي جنة الله –
من يسحق الورد والياسمين
بأقدامه
ويذل القصيده؟!
يا صديقي…
أهذي الحياةُ اذاً،
نفقٌ للوفاة
ونعش الى الموت
طقس من السير في
جلدها المتفسخ
لا ترتوي العين من عطش
للحبيب
ولا يرتوي القلب
من عطش للقصيده؟!