رائحــــة البصـــــل
أحمد شوقي أحمد
هوَ كما العجب، الذي لا يهتمّ للهندامِ أو للأناقة، يعشقُ اللحظة بكل إملاءاتها، يمارسها بكلّ طقوسها، ينغرسُ فيها، يتماهى في أشلائها.. يستوطنُ أدقّ الأماكن وأعمقها، وحدسّهُ يلهب، يلهب.. يلهب.
أعشقُ صديقي المجنون هذا.. هو أيضاً يحبّني لأنني مرةً قلت: إيمانكَ بالقرف هو إيمانكَ بالإنسانية.. ولذلك فهوَ يصارحني بكلّ طقوسهِ، يعيشُ معي كلّ تلكَ الأوقات الخصبة بالدهشةِ والحيوية،
عائدٌ من السوق، منهكٌ جداً.. عرِقٌ جداً.. غزيرةٌ هي الأوساخُ الماطرةٌ من جبينه، يا إلهي، إنه بطلُ القرف اللذيذ بامتياز، هذهِ الرثاثة لا تدري أنها تخبئ داخلها رجلٌ رائع.. رائع، رائعٌ حدّ التشضي.
ها هوَ يغنّي: “يا بدر ذا حلك مترقب حضورك، يا الله متى قول لي بتسطع بنورك” يهزجُ برأسه، ويتبسّم، تلكَ الفتيات اللاتي في الأعلى يتبسّمنَ ساخرات، وكلُّ واحدةٍ لديها قصةُ عشقٍ مختلفة لهذا الجنون.. هذا الجنونُ الذي يجعلُ في الحياة أسبابٌ أخرى نعيشُ من أجلها..
دقّ الباب بقوّة، خرجت زوجتهُ من الحمام.. هيَ تجففُ جسدها، وتكوّمُ المنشفة على شعرها، فتحت، باغتها بقوّة، رمى ما بيديهِ ولثمَها بعنف، لدرجةِ أنّه حصرها في الجدار، كانت تريدُ قولَ شيء، لكنّ، شفتاها محاصرتان، تنفست رائحتهُ، ضمّتهُ بقوّة، مشهدٌ دنكوشي، عنفٌ ثوريّ حتى في استلهام القبلة، هما يتنازعانها بشغفٍ شديد..
انتهت هذه اللحظات بصعوبة، التفتت إليهِ التفاتة ليست كالأولى، تبسمت بلطفٍ تلقائي وقالت: الغداء على النار، وهي تمسّده وتمسحهُ كاملاً بعينيها، مشت قبلهُ ودخلت المطبخ، أما هوَ فقد أخذ أكياسهُ ومضى إلى الغرفة، رماها، وجلسَ على الفراش متكئاً..
هي في المطبخ، تُعملُ في طباختها، تدندنُ سعيدةً، وتتأملُ في خيالها هذا الزوجُ المدهش، إنّهُ أروعَ كائن أحببته، إنّهُ الجمال برائحةِ الثوم والجرجير، عبـِقٌ برائحةِ العرقِ الذكوريّ المميز، “سأنصحُ بناتي في المستقبل أن يتزوجن أمثالَ هؤلاءِ المجانين، إنهم ناسٌ طيبون.. ينظرونَ للحياةِ ببساطة وبدونِ كلفة، وهم إنسانيون.. كأباهن.. يا لجمالِ أباهنّ..!”
خطرت بذهنها فكرة.. توقفت عن تقطيع كلّ تلكَ الخضروات، قضمت بصلاً، وظلت تقطع، وتقطع..
بعد وقتٍ لا بأس به، دخلت تحملُ الصحون، أطباق الطعام، السمك، الأرز، الصوصة، كذلك الرغيف والسلطة.. التفتَ إليها متعجباً..
“لمَ كلّ هذا البصل..؟!”
غمزت بعينيها وقالت باسمة: “حتى يكونَ عرقَ عشقنا هذه الليلة برائحة البصل..!”