حوار مع الروائي وجدي الأهدل
أبريل 2007 م
الرواية تجاوزٌ أولاً
وجدى الأهدل: الكتابة عمل ثورى وإعلان تمرد
وجدى الأهدل قاص وروائى يمنى مثابر يكرس الجزء الأكبر من حياته للكتابة السردية، تلك الحياة التى كاد يفقدها ذات يوم بسبب روايته الشهيرة “قوارب جبلية” التى اعتبرها البعض تمردا على قيم المجتمع والدين.
تعرض الأهدل للمحاكمة وتلقى سيلا من التهديدات بتصفيته الجسدية الأمر الذى جعله يفر تحت جنح الظلام إلى إحدى العواصم العربية. رفض الأهدل بعد ذلك العديد من العروض للجوء فى أوروبا وظل مصرا على العودة إلى اليمن فى الوقت المناسب، ولم تتحقق أمنية الأهدل فى العودة إلى الوطن إلا من خلال وساطة قام بها الأديب العالمى غونتر غراس الذى زار اليمن وطلب من الرئيس اليمنى إنهاء القضايا المرفوعة ضد الروائى الشاب، ليعود الأهدل بعد ذلك لممارسة أجمل هواياته: التسكع فى شوارع صنعاء والكتابة، تلك المتعة اللذيذة التى يعشقها الأهدل على الرغم من ضريبتها الباهظة التى دفعها بسبب ذلك العشق.
الوسط الثقافى اليمنى استقبل مؤخرا أحدث إصدارات الأهدل المتمثلة فى روايته “فيلسوف الكرنتينة” التى أثارت الكثير من الجدل حولها كسائر أعماله، حيث تعد هذه الرواية الثالثة للأهدل إلى جانب روايتين صدرتا عن دار “رياض الريس” هما “قوارب جبلية” و”حمار بين الأغاني” كما أن له العديد من المجاميع القصصية.
وفى هذا الحوار يتحدث وجدى الأهدل عن جوانب من تجربته الإبداعية ومواقفه الثقافية :
حاوره: صالح البيضانى
* فى روايتك الجديدة “فيلسوف الكرنتينة” تواصل الكتابة الغرائبية، هل تحاول أن تنتهج لنفسك أسلوباً ثابتاً فى الكتابة؟
– الكتابة عمل ثوري، تمرد على كافة الأشكال الثابتة، وبالنسبة لى أحاول فى كل عمل جديد أن أجرب شيئاً مختلفاً، وأن أبحث عن منطقة سردية غير مطروقة. ولذلك يبدو لك ما اكتبه غرائبيا.
* هل تعتقد أنك بأى شكل من الأشكال قد تجاوزت تجاربك السابقة فى ” قوارب جبلية” و”حمار بين الأغاني”؟
– هذا أمر مفروغ منه، فلابد للكاتب أن يتجاوز نفسه فى كل عمل جديد، وأما إذا كان عاجزاً عن تجاوز أعماله السابقة فمن الأفضل له أن يتوقف عن الكتابة. وحينها لا أحد سيدخله السجن لأنه امتنع عن تسويد المزيد من الأوراق.
* هناك من يقول أن ثمة تداخل كبير بين إيحاءاتك السياسية وإيماءاتك الاجتماعية فى أعمالك.. هل تتعمد ذلك؟
– الترميز هو بمثابة الجذور للعمل الروائي، وأى عمل يخلو من الرمز فإنما هو عمل عادي، يفتقر للتركيب والعمق.
* البعض يتساءل: هل هجر الأهدل القصة القصيرة.. وخصوصاً أنك أصدرت ثلاث روايات على التوالى من دون فترة نقاهة قصصية؟
– أكتب قصصاً بين الحين والحين، ولكننى أتوقف أيضاً للتأمل والمراجعة. كتابة القصة القصيرة حدث رائع لكل أنسان خاض هذه التجربة.. لأن القصة فن مرهف جداً ويحتاج إلى توظيف قدر كبير من الجماليات واللمسات الحانية التى لا يكاد يشعر بها القارئ للوهلة الأولى.
* محنة ” قوارب جبلية ” والتى عانيت فيها من سطوة الرقيب الرسمي، هل زادت من سطوة الرقيب الذاتى لديك ؟
– على العكس، لقد جعلتنى أزمة قوارب جبلية أكثر تمسكاً بحريتى ككاتب، وأصبحت أكثر وعياً بقيمة الكلمة، ولم يتزعزع فى داخلى أبداً الإيمان بأن القلم أعظم شأناً بملايين المرات من أى رقيب .
* البعض يقول أنك تحاول الوصول للعالمية من خلال الكتابة للآخر وليس للقارئ المحلي.. ماذا تقول فى ذلك ؟
– هذا البعض مجرد حمولة فائضة ينبغى التخلص منها فى أقرب “مزبلة” . لأنه من الواضح أننى اكتب باللغة العربية، ولو كنت أود مخاطبة الإنجليز مثلاً فإنه كان بإمكانى تعلم اللغة الإنجليزية والكتابة بها، ولكن هذا لم يحدث، لأننى بالفعل أرغب فى مخاطبة القارئ اليمنى والعربي، فما أكتبه له علاقة مباشرة بهؤلاء الناس.
لقد سمعت العديد من المؤلفين الفاشلين يرددون تلك المقولة للنيل من زملائهم والتنقص من إبداعاتهم.
* فى ذات السياق نشرت آخر روايتين عن طريق “دار رياض الريس” وهو الأمر الذى وفر لك الكثير من الانتشار الخارجي.. لماذا عدت لطباعة روايتك الجديدة طبعة محلية ؟
– لأننى مهتم جداً بالقارئ اليمني، فقد خططت لإصدار طبعة محلية وبسعر رخيص من “فيلسوف الكرنتينة” لكى تصل بسهولة ويسر لهذا القارئ الذى يهمنى فى المقام الأول أكثر من غيره، وأما الطبعة العربية فسوف تصدر قريباً .
* فى تجربتك الإبداعية الخاصة.. هل تستمد أفكارك السردية من الواقع الاجتماعى والسياسى المحيط بك أم أنك تلجأ لعالم مغاير خاص بك تشكل من ذاتك ؟
– أعمالى الروائية ليست تجارب ذاتية، إنما هى مستقاة من شخصيات واقعية، وقضايا تهم المجتمع عموماً.
* هل أنت مع الذاتية فى الكتابة الإبداعية؟
– كلا، كتابة الرواية تحتاج من الكاتب إلى الاشتباك مع القضايا الاجتماعية والسياسية التى تؤرق المجتمع، وأما الكاتب المشغول بتلميع ذيله وتأمل الأحقاد الصغيرة التى تملأ جوانح نفسه، فما هو إلا كاتب يوميات يسعى للثأر من الأذيات التى لحقت به فى مختلف مراحل حياته.
هذا النوع البائس من المؤلفين ليس فى قلوبهم متسع للآخرين!
* ماذا عن السيرة الذاتية فى كتاباتك.. هل هناك ملامح ذاتية فى أعمالك؟
– لو أننى أردت الكتابة عن ذاتى لكنت كتبت على الغلاف “سيرة ذاتية” ولكننى كنت واضحاً بما فيه الكفاية حين عنونت أعمالى بأنها أعمال روائية، وهذا يعنى أن رواياتى عمل فنى خيالي، قائم على الصنعة والمجاز ورسم الشخصيات واختلاق الحبكة والأحداث. وإن الاعتقاد بوجود تطابق بين الكاتب وما يكتبه إنما ينم عن عقلية ساذجة ضيقة التفكير، لا تفهم عمل الروائي، ولا تعرف أصلاً أن العقل البشرى يمتلك قدرات تخيلية غير محدودة.. فتظن لفرط غباوتها أن كل ما يكتبه الكاتب قد حصل له فعلاً.
* كيف تنظر لتجارب أبناء جيلك من الأدباء اليمنيين؟
– أقرأ بشغف الروايات الجديدة وأرى أنها أرقى فنياً من الأعمال الروائية المكرسة للأجيال السابقة . الرواية اليمنية الآن تشهد زخماً غير مسبوق فى الكم و النوع.
* هناك من يعترض على كتابة الرواية فى بداية المشوار الإبداعي.. ما هو تقييمك لهذا السيل الروائى الذى أغرق به الأدباء الشباب فى الوطن العربى عموماً الساحة الثقافية؟
– ما المانع أن يولد الكاتب روائياً؟! فكرة التدرج فى الكتابة من القصة القصيرة إلى الرواية ليست قانوناً.. وأما كثرة الإصدارات الروائية الشابة فليست أمراً يبعث على الضيق، بل هى علامة عافية للمشهد الثقافى العربي.
* أخيراً ماذا عن أعمالك القادمة؟
– حالياً أراجع النسخة النهائية لنص مسرحى عنوانه “السقوط من شرفة العالم” وربما يصدر قريباً.