صدور رواية “على ضفتي المجرى” للكاتب بلال أحمد

صدرت حديثاً عن الدار اليمنية للكتب والتراث في القاهرة، ومكتبات خالد بن الوليد في صنعاء، رواية “على ضفَّتي المجرى”، للكاتب اليمني بلال أحمد، القادم إلى عالم الرواية بروح جديدة، ما أتاح له إنجاز عمل سردي مختلف، أتقن فيه بناء مصائر شخصياته، مستعيناً بكسر التتابع التقليدي للحكاية، سواء عبر التلاعب بالزمن والأحداث، أو من خلال التداعيات التي تأخذ القارئ إلى عوالم تمزج بين الواقعية والصوفية.

ترد في الرواية إشارة مفتاحية تكاد أن تكون المدخل الأنسب لتأويل جريان هذا النص المتفرد بتناول طبقة ومرحلة زمنية بعينها أهملتها الكتابة في اليمن.
يقول الراوي: “كل الحقائق المتداولة هي واجهات استخدام متنوعة على نص مفتوح المصدر يستلقي على ضفاف المجرى التاريخي الذي تمضي فيه أحداث كل واجهة بما يتناسب ورؤى وهوى وأوهام وحتى أكاذيب هذا الطرف أو ذاك”.

تتناول الرواية كذلك وبأسلوب غير مباشر، جوانب من تحولات اليمن جنوباً وشمالا،ً وكيف أثّرت تلك التحولات على مصائر عائلات كانت في السابق ميسورة، ثم وقعت ضحية للفساد والاستقواء بالسلطة والجغرافيا، ضمن حملة غير معلنة استهدفت الاستئثار بالوكالات التجارية التي كانت مملوكة لتلك العائلات، ما أدى إلى صعود طبقات الأثرياء الجدد على حساب الطبقة التي تم أولاً تشريدها من جنوب اليمن أثناء النظام الإشتراكي، ومن ثم جرى التضييق عليها في الشمال عندما حاولت توطين تجارتها ووكالاتها الخدمية والتجارية، وتحديدا في مدينة الحديدة.

تمتد أحداث الرواية بين أزمنة مختلفة، وتشتمل على حنين دائم إلى عدن في مرحلة ما قبل الاستقلال، مروراً بالعهد الجمهوري الذي قضى على نظام الإمامة، وصولاً إلى سيطرة المليشيا على السلطة انطلاقاً من الشمال والعاصمة المركزية للبلاد.

ورغم ما في مقاربة اللحظة الطازجة روائياً من مغامرة وخطورة فنية، إلا أن توظيف هذا الواقع الطازج جاء متسقاً مع تعويل الشخصية الرئيسية في الرواية “أسامة الجمهوري” على الجمهورية كمبدأ ونظام لصهر المجتمع في بوتقة المواطنة والعدالة.

ولعل أهم ما في هذه الرواية نجاحها في ابتكار موضوعها وشريحتها الاجتماعية، بمعزل عن موضوعات ومداخل السرد السائدة في الرواية اليمنية التي تظل تكشف عن مرجعيات ثقافية وقراءات متشابهة. كما نجحت رواية “على ضفتي المجرى” في تحقيق أدبيتها عبر الانزياح بالسرد في بعض مفاصله من الواقعي إلى ما فوق الواقعي وإلى الصوفي والغرائبي، دون مبالغة أو استسلام للاستطرادات، إذ سرعان ما يعود السارد بالنص دون أن يشعر القارئ إلى لحظة المواجهة مع الواقع الذي يظل يستنسخ منزلقاته وتحدياته، وكأنها قدر شخوص الرواية وحظهم الذي يترصدهم بلا هوادة.

إنها روايه عن “اللطف الخفي” وعن حروب “الهضبه” التي تلقي بظلالها على كل الجهات والطبقات من الخلفيات المذهبية والاجتماعية المتنوعة.

تتناول الرواية، كما يشير الناشر، جانبًا من التحولات الاجتماعية خلال الحقبة الزمنية الممتدة من منتصف القرن العشرين وحتى سنة 2014، التي شهدت تحولات سياسية وأمنية في البلاد. ويتعقب السارد حياة أسرتين برجوازيتين من نوع نادر في اليمن، تشكل في عدن إبان الاستعمار، وانحسر وجوده ودوره في الحياة الاجتماعية ابتداءً من سبعينيات القرن المنصرم وما بعدها. يبتكر بطل الرواية “أسامة” لنفسه هوية مختلفة بإصراره في منتصف الثمانينيات على التلقب بالجمهوري، ناسبًا نفسه إلى جمهورية ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962، التي أتى عليها وعلى وجوده تاليًا مستجدات انقلاب سنة 2014.

غير أن لأسامة بالإضافة إلى ذلك، عوامل أخرى مؤثرة في وجوده، منها قصة حبه للبطلة نسرين، وذلك الهاجس الدائم المتعلق بالماورائيات ومحاولاته الحثيثة لفك شيفرات كونية.

وتتعارض لديه، في السياق نفسه، رؤيتان، الأولى لوالده العطار، الذي يحثه على التركيز في العمل، وألا يعول على هوسه بالماورائيات، فيما يمثل شخص الدكتور شكري، شديد الخيرية، بارقة أمل على طريق جديد.

مآزق الهوية الجمهورية لن تتوقف، وانهيار الجمهورية سيمثل عاملًا حاسمًا في ترنح وجود أسامة الجمهوري، وسيكون عليه أن يعيد، بمساعدة صديقه لطف، قراءة تدفق الأحداث بوجهتي النظر المتعارضتين، والحفر في المجرى التاريخي لها، وإعادة خلقها مرارًا وتكرارًا للوصول إلى تأويل مناسب.

اترك رد

اكتشاف المزيد من عناوين ثقافية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading