يوم رحيل السيدة
أمل جمعة
وجدتها جثةً مكتملةً وجميلة ،أسفتُ عليها ، كان يقول هادئأ وبشكل جدي ،وفسر لاحقاً، و بعد ان تلقى لكمتين على الوجه ،اقصد باكتمالها لم تثر بي التقزز بل _وصدقوني- كنت ارغب بلمسها واشار ليست رغبة شريرة ،فقط شعرت بحنان يتنامى نحو جسد السيدة .
هذا المخبول كما وصفته الشرطة كان متشردا بلا عمل ، كانت الشرطة تحتجزه لا لشكٍ بقتلها فهي تعرف تماما انها ماتت بنوبة سكر ، هذا جلي وواضح كما افاد الطبيب الشرعي ،ولكن اصرار المخبول على امتلاك الجثة لاسبوع كامل واصراره الاشد على انتحارها ، هو ما اثار غضب الجميعـ حتى توسلات اقاربها الذين بزغوا فجأة لم تجعله يلين .
ادعى هذا المخبول الهادىء والرقيق كما وصفته صحيفة يومية ان السيدة –وهو الاسم الذي اصر على منحه للجثة غير متبوع بشيء- كانت قد خاطت له جرحا في كتفه عندما اجتاحت الدبابات المدينة واطعمته طعاما ساخنا .
وصف لهم المشهد باكتمالٍ مذهل كيف طهّرت ابرتها بالنار واستخدمت خيطا نقعته لثوان بكحول طبي ،ووصف بيتها بدقة العارف والمقيم، واكمل ، كانت ليلة باردة في الاجتياح حين خدشت كتفه رصاصة طائشة وكان يتكلم وهو يكرر قالت لي السيدة، والسيدة تمتلكُ مهارةً عالية ، وزهور السيدة كانت يانعة رغم الاجتياح ،ومذياعها بث اغاني بشكل متواصل سمعها بوضوح رغم دوي المدافع وازيز الرصاص وصراخ الجنود .
لاحقا عندما استعدت الشرطة صديقتها (الشابة) للسؤال بادر المخبول لتقديم العزاء لها بحرارة اربكتها ولكنه ثار بقوة وكاد ان يصفعها وهي تؤكد ان السيدة وحيدة كانت في الخمسين من العمر وبلا عائلة ، ،وربما ماتت مللاً او تحت هجوم كآبة حادة مجيبة على سؤال ان كانت تعتقد ان السيدة انتحرت، رفص المخبول الهاديء كل شيء واخذ يصرخ :”انت تغارين منها فهي الاجمل ،انت خائنة ولم تحافظي على السر، السيدة رحلت باختيارها فلا تسخفي من قدراتها ،هي اختارت وعلينا الاحترام .كان يقول محتداً. ويكرر مذهولا ماذا تعني بلا احد ؟؟
الصحف وجدت في المخبول مادة طريفة للكتابة والشرطة صار انفها احمرا من الغضب اما عائلة المنتحرة فكانت تتعجل دفنها ويتمتمون بأسى عاشت السيدة فاضلة فلما كل هذة الفضائح ؟؟
الشيء الوحيد المشترك ان الجميع صار يطلق على الجثة لقب السيدة ،بدأ الامر سخرية من المتشرد وانتهى ليصبح وصفا للحدث بشكل جدي .
الصديقة التي جاءت مرتبكة وحائرة الى الشرطة افادت انها سيدة شرسة ومنظمة وعادية جدا وفسرت فيما بعد اقصد بالسراشة الخوف من الغرباء لدرجة المرض ، من المحال ان تستقبل هذا المتشرد افحصوا كتفه لن تجدوا اثرا لشيء .
على نحو غامض فقدت كل اوراق السيدة الثبوتية وصورها ودفتر صغير كانت تحتفظ به في حقيبتها اليدوية -حسب افادة الصديقة – دفتر صغير بنفسجي اللون بارقام هواتف خاصة ، تلك المعلومة اثارت الشرطة وحاولت ترصد اخر ارقام حكت معها المنتحرة ولكن المخبول اخذ يصرخ لاي سبب تقلقون خصوصية السيدة تلك ارقام خاصة الم اقل لكم كانت جميلة جدا ولها عشاق كثر ولكنهم يرفضون حضور جنازتها لقد هاتفتهم جمعيا لاعداد جنازة تليق ( بالسيدة) ولكنهم كانوا يتمتون بكلمات غريبةاقسم انهم جميعا مرضى الان وربما مات بعضهم كمدا عليها .ليست وحيدة اطلاقا.
وكشف بغتة عن كتفه ليريهم اثر الجرح المخاط ،الصديقة نظرت نحوه بدهشة وخجل وهو يقترب منها ليريها ولكنها لاحظت رغم حدية الموقف وسخونته ان المخبول يمتلك جسدا جميلا واكتافه تشبه رسما لاله اغريقي تمتت والشك يمسح قلبها “هل كانت لصديقتها الخمسينية مغامرات مع هذ المتشرد “؟؟
وشعرت بغيرة مرت مثل برق خاطف ، واشتهاء لاذع ،لكن هدوء المخبول وتكوره في زاوية الغرفة اعادها للتركيز والاجابة بوضوح على سؤال من احد اقارب المنتحرة
-لم ارها منذ اعوام ربما كانت في العشرين عندما غادرت ولست ادينها على اية حال لكن قولي لي يا ابنتي- اجل انت في عمر ابنتي – لماذا يصر هذا المخبول _ ونظر نحوه _على عدم دفنها ،كان سؤالا غبيا على كل واخر من يجيب عليه الصديقة الحائرة .
قالت:”انا في الخامسة والعشرين واعرف السيدة منذ سنوات سكنت لديها لفترة وتعودت زيارتها كانت ترفض تماما ان يتدخل احد في شؤونها ولكن استبعد تماما انها ذات سلوك شائن ….. بترت عبارتها عندما صفعها المتشرد بقوة لم تدرك ما حصل كانت قفزة واحدة واذا به منتصب امامها قال بهدوء اخرس الجميع :”لن اسمح باهانة السيدة وهي تعبر لعالم اختارته ولن اسمح لاحد بايقاف خطتها في الرحيل انا توسلت اليها لتبقى ولكن هي كانت واثقة انها ستكون بخير .هي عاشت حياة كاملة فلا تلعبوا الان لعبة التخفي ،انتم تعرفون قال موجها الحديث للجميع .
ارتبك الجميع وثمة خاطر عبرهم جميعا ان المتشرد كان موجودا لحظة انتحارها، وربما ساعدها على ذلك ، وكانوا يفكرون كل على انفراد هذا الاصرار يشكك بقرار الطبيب الشرعي ربما اخطأ التشخيص ،ولكن لماذا انتحرت ؟؟؟
تلبك رجل الشرطة امام صفعة المتشرد طلب على الفور بابعاده عن الغرفة وطلب كأس ماء للصبية ، التي انهارت ببكاء عنيف وتوسلت اليه بالرحيل ،فتشوا المتشرد من جديد علهم يجدون دليلا اخر وعادوا للشقة حيث وجدوا المنتحرة قبل ايام عشرة بثوب اسود فاخر متكومة على طرف الكنبة وقد غسل جسدها بصابون معطر ونظفت اظافر يديها وقصت بعناية وحيوية ولم تستطع الشرطة تحديد هذا الاغتسال الجميل قبل او بعد الموت وكيف تنتحر امرأة بكل هذا البهاء ؟؟ شك الانتحار طال رجل الشرطة على نحو غائم .
لكن اقفلت القضية بشكل طارىء وعاجل وسلمت الجثة على نحوسريع للعائلة مع تهديد باجتياح جديد للمدينة .حتى المخبول اطلق سراحه فلا فائض من الوقت لمحاكمته ومجاراته فهو لا يمل اثارة الزوابع . دفنت العائلة جثة السيدة وبلعوا شكوكهم ،لا من مطمع لهم بعدها فهي تعيش في بيت مستأجر سيعود لمالكه واثاثها قديم وبال ٍ،خطر في بال احدالاقارب ان زوبعة المخبول غير المبررة
ربما هوسا مرضيا فهو يُظهر لها الاحترام الشديد ويُفجر اسرارها على نحو شائن ومربك ، ويصر على ايجاد علاقة بيمها وبين اناس كُثر وغامضين لدرجةان القريب صار حقا يسترجع اياما كان على وشك ان يحب السيدة .
اختفاء المتشرد جعله ينسى الامر ،ويعد نفسه للسفر في غضون ايام الا ان اغلاق الطرق واجتياح المدينة وذهول اصاب حارس المقبرة عندما وجد قبر السيدة فارغا”صباح الانسحاب جعل القريب يؤجل سفره ويهرع باحثا عن المخبول ليرجوه بكل ما لديه ان يتوقف فالمدينة باكملها لا حديث لها
الا انتحار السيدة والشاب المخبول ، قاطعته سيدة في الطريق :من فضلك اين يقع بيت السيدة المنتحرة ؟؟
بدا القريب مذهولا من دقة المصادفة وكيف اختارته من بين عشرات في الشارع قال لها بلا تفسير تعالى نبحث عن المخبول اولا .وعجب من سيرها بلا كلمة ولا اعتراض ، قالت بعد مدة معي رسالة قديمة للسيدة اسفة انشغلت جدا ولم اعرف عنوانها بدقة …….. بتر القريب عبارتها وهو يرى الصديقة الشابة تعبر لا بد انها تبحث عن المخبول
انضمت اليهم وقالت بعد تررد : “هاتفني المخبول ليلة انتحار السيدة هذا لم اقله للشرطة حسبت انها معلومة غير مهمة ولكن هذا الصباح هاتفني قائلا . من تعجل الدفن لم تكتمل دائرتها بعد ؟؟
كان مفهوما انها علمت بخلو القبر من الجثة ،وصل ثلاثتهم لمحل وسط المدينة لبيع الزهور لم يكن ضمن الخطة ولكن شارع مدمر جعلهم يغيروين الطريق دهشو ثلاثتهم عندما اوقفهم صاحب المحل وامامه باقات طازجة من زهر البنفسج هاتفني احدهم لتحضير باقات ست لقبر السيدة ولكن يقال ان قبرها منبوشا وبلا جثة ؟؟ لم يجبه احد كان الجميع يتفقدون القادم الجديد رجل ستيني يحمل كماً من الرسائل القديمة وبعض الصور لشابة بالابيض والاسود هل حقا ماتت السيدة ؟ صعقني الخبر وتأسفت جدا لرحليها ،على كل كانت تربطنا علاقة طيبة اقصد صداقة عابرة . ونظر نحو قريبها ببعض الحذر – لم ينسى الستيني تأمل الشابة الجميلة –وتمتم بحذر وصفك المخبول بدقة ولكنه لم يشر انك بهذا الجمال .
“لنعد ترتيب الكتاب كما يليق ، لن امزق منه صفحة “كانت رسالة مكتوبة قد وصلت لنقيب في الشرطة عبر هاتفه النقال صباح الانسحاب بدا النقيب متعاطفا جدا مع الشابة عندما صفعها المتشرد ،ذهب من فوره الى القبر المنبوش وبحث بدقة فلم يجد الا زهرة بنفسج حملها واتجه لمحل الزهور الشهير ليسأل عن اسمها فخلال الاجتياح لم يفكر النقيب الا بالمخبول والفتاة الشابة ، افتحي رسالتك اشار للمرأة امرا ؟؟
قالت المرأة اعرف ما بها -وارتبكت- سلمني اياها استاذ المدرسة قبل عشرين عاما حسبتها لي لسنوات طويلة ولكن اكتشفت مرة وانا اعيد قراءتها ان الرسالة لا تخصني بل هي لامرأة جميلة كما ترى ايها النقيب لست جميلة بما يكفي لتلقي رسالة ؟
ما اسم هذة الزهرة سال البائع والذي بدا حائرا بباقات الزهر الست قال البائع تلك زهرة البنفسج رقيقة جدا ولا يكاد يراها احد رغم لونها الداكن فهي قريبة جدا من الارض لا يراها الواقفون الشامخون ، احس النقيب بغصة وحسرة
لاحقا وبعد ايام من هذا اللقاء المرتجل ،ظهر المخبول وقد استحم ولبس بذلة انيقة وفي يده قصاصات جرائد كلها اخبار عن المنتحرة وصورة بحجم كبير للسيدة ،باقات ست زرعت حول قبر السيدة ذو الجثة -الجميلة كما وصفها قبل شهر كامل –لم يرى المخبول الا حارس المقبرة وسمعه يتمم هل اكتمل رحيلك سيدتي الكاملة ؟ شكرا على جرح اخطته مرة اتذكرين ايتها الطيبة ، وقف الحارس ساهما من انيق يتحدث لقبر ترابي ، ولكنه لم يأت بتصرف احمق مثل مقاطعته او طردةه فطوال عشرة ايام توافد العشرات على قبر السيدة وبكى احدهم بحرقة مراهق ميزه الحارس ووعدة بري زهور البنفسج – لا تخافي جميلتي ستحملك الريح دوما الي ، وستؤرقين نومهم وصحوهم وسيغارون منك حتى تلك المتعجرفة الجميلة . ولكنها جميلة تثر بي رغبة بتحطيمها لست اعرف لما سيدتي ربما -وهذا ادعاء ارتجله الان – كانت لا ترانا دوما (انا وانت ) وصفتك بالعادية ، تخّيلي ، حتى عندما صفعتها بكت من قذارة كفي انا متيقن من ذلك وسمحت للوغد بتأملها ،جميلون هم عشاقك سيدتي ( اصدقائك ) قال ضاحكا وهازئا في آ ن كما وصفك احدهم عندما قلت له حبيبتك انتحرت ارتبك وقال ولكنها ماتت قبل سنين عشر ؟؟ وذاك الستيني وغد -ذو حضور طاغ – يا جميلتي رافق الشابة بشهوة مفضوحة وهم يهيلون عليك التراب وواسها طويلا ، ولكن لا ضير كان رحيلك كاملا انظري كل الجرائد كتبت عنك وانظري الزهور حولك والفضول سيرافقك سيدتي دوما فلا تخافي لم تمنع الدبابات ولا الاجتياح ولا المطر الغزير ولا الموت الطارىء ان يتوقف الزمن ليقولوا وداعا يليق سوف يسرقون البنفسج عن قبرك ، ويتمتمون صمت المخبول وانسحب، والفتاة الجميلة تتقدم نحو القبر ،رأت قصاصات الجرائد منثورة على القبر ، وداعا ايتها العادية ،همست، ونظرت نحو المخبول مدت يدها مصافحة ،هل سترتجل لي وداعا يليق- وضحكت يوما ما- ام اجهز طقس انتحاري،ابتسم للمرة الاولى منذ زمن ومضى وهو يتمم – ورائحة يدها تتغلل بقوة في روحه –
كان يغني ربما او يرد عليها او يحادث نفسه
“على كل رحلت العادية بطقس لا اعتيادي وبقيت بينكم فضولاً نابضا للابد ،طوبى للمهملين فقد آن لهم الكلام والصعود باكتمال .”