مقدمة في قراءة التجديد الشعري!! استعادة النمط ،، أم نكوص الحداثة!!!

علي حسن الفواز

لايمكن التعاطي مع الشعر الاّ على اساس انه النص الحي القابل للحياة والتحول والتوالد والانزياح ، وهذه الصفات ليست محاولة في تبرير بلاغة الانحياز في سياق التعاطي مع تغيرات الاشكال في هذا النص حسب،، بقدر ماهي تأكيد على ان النص الشعري هو التمثل العميق لجوهر اللغة و الحافظ الجيني للنوع اللغوي والمشرعن لضروراته وبيان أنساقه المفتوحة والتي تواجه موت (النمط) وتجاوز بداهات ألكشف الاتصالي التي تحوزها لغة النمط بالتواتر !! وبالتالي فان فكرة الانزياح تتجوهر في التعبير عن روح الشعر الحية اساسا ضد كل ما يتركه هذا النمط من استغراقات بلاغية/ جمالية ،ومقايسات تجعل من الشكل والمضمون ايقونات دالة على الفاعلية الشعرية!!! رغم ان هذا النمط هو جزء من مدونة تاريخة واسعة المدى بكل معطياتها النفسية واللذوية والتأويلية …
ولاشك فان الشعر سيكون موجها حيويا للشفرات اللغوية وحدوسها في التغيير الحضاري والاجتماعي ومنظوماتهما الفكرية/التعبيرية ، لكنه ايضا لاينفصل بالضرورة عن بلاغات التعبير والاتصال التي هو أنماط تاريخية و سسيولوجية ،وهذه المقاربة تنحني على قراءة الفعل الشعري في ان يكون جوهرا محركا للفاعلية الثقافية والمعرفية خاصة في منظومات الثقافة العربية التي تملك مستويات محدودة ومغلقة من المعارف العلمية ،اذ اضحى الشعر بموازاة التاريخ وكتابات السيرة في توسيع مديات الحراك الثقافي والسياسي ،…
ان الحديث عن الاشكال الشعرية وتحولاتها في اطار تاريخ انتاج المادة الشعرية وتاريخ تطور انواعها ، يمثل الاساس الاولى للمعطى النقدي الذي نعمد اليه في الكشف عن قراءة هذه الاشكال وبيان اهميتها في مقاربة ما يمكن ان يمثله النص الشعري من انجاز بنائي/لغوي متجاوز لذاته وما يمكن ان يحوزه من صورعميقة للمكان والحدث والفكرة ،فضلا عما يعسكه من استبطانات عميقة للتحولات والانزياحات في الخاصية الدلالية لهذه الصور ،فاذا كنا نتحدث عن تحولات المعني واستخدام الدلالة في قصيدة الشاعر ابي نواس في السخرية من نعوت الشعراء القدامى (شعراء الجاهلية) فاننا نستقرأ ايضا ان هذا التحول هو انعكاس لتحول ثقافي وسياسي ومديني/حضاري ،اي ان الشاعر التقط صوره من انزياح اللحظة الزمنية وفضائها الجمالي والدلالي والاستعاري ،ووظفها في تخريجات مضادة بحكم وعيه ازاء صناعة الصورة الشعرية وتمثلها للتغاير .. وكذلك هو الحديث عن الانزياحات الشعرية في قصائد ابي تمام والمعري ، اذ نجد الاول وقد تمثل الى اصطناع بنيات شكلية لم تكن مألوفة في توظيفات البديع والزخرف الشعري وعدّها نوعا الصناعة الجمالية التي انتهكت المواضعات الخاصة والمغلقة في القصيدة التقليدية ، ابو تمام ابقى على البناء المعماري/الصياغي للقصيدة لكنه تجاوز على طرائقية هذا البناء في (تحريفات) استعارية اضفت على الشكل الشعري مغايرة في التلقي اولا وفي الانفلات عن اليات الصناعة الشعرية السائدة في التعاطي مع الاغراض الشعرية ثانيا ،وقد اثارت طريقته تلك لغطا واسعا بين علماء اللغة والمشتغلين في علومها البلاغية وبين اصحاب المشاغل المعرفية البارزين خاصة في العصر العباسي الذي شهد تثاقفات شعرية وبلاغية وتأويلية ، اذ انحاز بعضهم له وسخط البعض الاخر عليه وعدّ صناعته تشويها لما تعارف عليه العرب من حسن القول وقبيحه !!!
كما عمد الثاني (ابو العلاء المعري) الى تفكيك الجمال الاستعاري المغلق في الشعرية العربية الى نوع من اجتراح معان ودلالات تتجوهر حول موقف ثقافي /فلسفي/ وجودي من المقدس والفكرة الشائعة ،واعتقد ان المعري هو الشاعر الاكثر تمردا علي سياق المعنى الشعري ،وان الباحثين والنقاد واصحاب العلوم اللغوية والبلاغية تجنبوا الخوض في نصوصه حتى لاتمسهم الشبهات اولا ! ويتجنبون الخوض في موضوعات هي جزء من التابو الثقافي والمعرفي في الثقافة العربية المفتوحة على جريان هائل من (التثاقفات والتلاقحات ) التي اقترنت بنشوء مؤسسات تتبنى التعاطي علوم الترجمة وعلوم الفقه وتعدد الفلسفات وعلوم الطبيعة والفكر والاعتزال والتصوف ،مع نشوء اتجاهات سياسية وثقافية وفقهية تبنت مواقف كانت تعد من المحرمات في تاريخنا الاسلامي ..ولعل تاريخ التحديث المعاصر المتجاوز للنمط الشعري يبدأ من الفاعلية الشعرية التاريخية ،التي ادرك فيها الشعراء الجامحون تمردهم على النمط بكل ما يمثله من انزياح وخروج على المكرر والمتداول ،،وهذا بطيعة الحال يتماهى مع فعل الشعر الجوهر القائم على اساس انه صناعة لغوية غير اتصالية ،، تستثمر كل التشكلات الحادثة في اللغة لكنها لاتخضع لقياسها وتنميطها …وحين يثار اليوم الحديث عن اشكاليات الحداثة الشعرية ليس في اطار ما حققته على مستوى البناء وتعدد الاشكال بدءا من قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر وقصيدة النص المفتوح ،وانما في اطار قدرة الشعر على ان يكون فضاء جاذبا لكل انواع التعبير المتمردة على انماطها حتى وان كانت تقارب مكونات يعدها البعض تقليدية !!مثل المغامرة التي اثارها الشاعر شاكر لعيبي حول كتابة قصيدة النثر بقافية !!والتي اراد فيها كما يقول عقد مصالحة ما بين اللغة الشعرية والموسيقى وتصعيد روح جديدة في الكتابة الشعرية …

اترك رد

اكتشاف المزيد من عناوين ثقافية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading