تقنية سرد المتوقع في رواية: عازفة البيانو لـ ” الفريدة يلينك”(1)
صبري الحيقي
تقنية سرد المُتَوَقَّعْ:
تعتبر تقنيةُ سردِ المتوقعِ من تقنيات السرد الحديثةِ ،مع الأخذ بالاعتبار أن تقنيةَ الاستباق (استباقُ الأحداث) قد بدأت منذ بداية الأدب اليوناني في ملحمتي : “الإلياذة” و “الاوذيسيا ” ، وبالتالي في المسرح ؛ولا أدل على ذلك من أسطورة أوديب الشهيرة والتي تتحدد فيها مصائر الشخصية من قبل أن تولد كما نعرف جميعا الحكاية .ولكنها أتت في سياق النبوة، والنبوةُ تقنيةٌ مستقلةٌ بذاتها لها خصوصيتها الزمانيةِ والمكانيةِ والفلسفية والتي تختلفُ عن تقنية سردِ المتوقعِ الذي ربما تتشابهُ مع تقنية الاستباقِ في السيَّرِ الشخصية ، ولكن في تصوري أن تقنيةَ سرد المتوقع كما تجسدت في الراويات الجديدة وخاصة في الثلاثين سنة الماضية له خصوصية استثنائية تستحق الدراسة من منطلق الضرورة الموضوعية التي حكمت التو اشج بين التقنية والموضوع كما سنجد في رواية ” عازفة البيانو”(1983) لـ” الفريدة يلينك” وقد تجسدت هذه التقنية فيما بعد بشكل واضح ومكثف في رواية ” وضع حد “(1996) لـ”فرانك بيجو” في روايته الأولى؛ الفرنسي الشاب والذي ينتمي إلى جيل التسعينيات وقد ظهرت هذه التقنية لماما في رواية “فيرونيكا تقرر أن تموت” (1999)لـ”باولوكويلهو” ويبدو أن كلتا الروايتين قد اعتمدتا على مصدر واحد هو محاولة انتحار شخصية حقيقية اسمها “فيرونيكا” وبالتالي كانت الضرورة الموضوعية هي التي فرضت على الشخصية سرد المتوقع ( الذي سيحدث) بعد أن تموت وما سيقال وكيف سيكون رد الفعل .. ، إن النمطية والآلية المعيشية والسلبية في طبيعة الشخصية هو الذي يفرض التوقع أو ما سيحدث بما يحمله من رفض لدى الشخصية مما يجعل حياتها عبثية ..ولنا دراسة مستقلة عن هذين العملين .
الرؤيةُ ألاً وليس الحكاية:
في رواية (غرفة مثالية لرجل مريض) [2005- دار الآداب – بيروت] لليابانية ” يوكو أوغاوا” الحاصلة على أهم جائزة أدبية في اليابان سنة 1991 ، والتي ترجمها إلى العربية ” بسام حجار” تتحدد نهاية الحكاية في الفقرة الأولى من الرواية ثم تسترجع الساردة الماضي بلسان المتكلم..هذا يؤكد النظرية القديمة ، (كيف حدث وليس ماذا حدث) ؛
كان عشاقُ المسرح اليوناني حينما يذهبون إلى المسرح لمشاهدة العروض الدرامية كانوا عادة يعرفون القصةَ التي سَتُقَدَم فالمسرحياتُ عادة كانت تُنْسَجُ من أساطيرٍ أو أحداثٍ يعرفونها ، ولكن الهدف كان هو مُشَاهدة الكيفية التي قُدمت بها الأحداث .
إن أهمية الإبداع ليس تقديمُ أفكارٍ معينه فحسب على أهميتها تظلُ الأهميةُ الحقيقيةُ في الرؤية التي تُقَدم بها ؛ رؤيةُ الفنان ومهارته في امتلاك تقنياته و أدواته الفنية والتي تُشَكِلُ تأثير تلك الرؤية.
من هنا تكتسب رواية” عازفة البيانو” أهميتها من خلال الرؤية السردية الحية المترعة بالشعرية المكثفة والمفارقات و والتضاد وجرأة الاختلاف ربما تنكبت خطى ” توماس بيرنهارد” …(2)
إن الرؤية السردية في هذه الرواية تمتلك خصوصيات تستحق الدراسة والاهتمام ؛الاهتمام بالجماليات والبناء الفني …خاصة تلك الرؤية التي تعتمد في سياقات كثيرة على الاستمرارية، على الزمن المضارع مما يجعل الحدث أكثر حيوية وكأنها تصور حدثا مسرحيا أو سينمائيا خاصة بالمتوازيات المتزامنة للأحداث …
أحداث حبكة الرواية تكاد تكون محدودة في حكاية الفتاة ” أريكا” عازفة البيانو وأمها التي حددت لها ماضيها ومستقبلها وفرضت عليها رقابة دائمة وبالتالي عقاب ،عكست تسلطها على نفسية الفتاة بحيث نتج عن ذلك شخصية غير سوية في الحياة ((تسرق وتتلصص على ممارسي الجنس .. وتؤذي تلاميذها.. وتكذب في المعلومات.. وتضطهد حبيبها وتلميذها في علاقتهما الشخصية وتطلب منه ممارسة سادية عنيفة عليها ويغتصبها )).. لكل هذا تفشل في علاقتها مع تلميذها الذي أحبها و أحبته دون أن تعرف كيف تعبر عن حبها بشكل سوى تماما كما فشلت في أول حفل شاركت فيه بسبب سوء اختيارها لمعزوفة تناسب الجمهور الذي تعالت عليه وأساءت فهمه.
والرواية حافلة بالجماليات : بالشعرية المكثفة .. بالمفارقات .. وتناغم الإيقاعات والتضاد. . الزمان والمكان يتداخلان ويتقاطعان رأسيا وأفقيا . كل ذلك يشكل مداخل مستقلة لدراسة لا يتسع لها هذا السياق الذي سنكتفي فيه بالإشارة إلى تقنية سرد المتوقع بحكم أنها مدخلا جديدا في دراسة الروايات .
الشخصيات الأساسية (أريكا – الأم – كلمر) وهناك شخصيات ثانوية تحضر وتغيب دون استمرارية حسب الضرورة في إطار نسيج الحبكة الأساسية .
رغم أن الرؤية من الخارج هي الرؤية السردية التي تميز هذا النص إلا أنها رؤية تمتلك مرونة غنية بالتعدد في و من خلال ا السارد المشارك مع أو المتحدث بلسان الشخصية في إطار السارد من الخارج، هذه هي الرؤية السردية للنص (3). ولكن ما يلفت الانتباه حقيقة هو تقنية سرد المتوقع ..؛ ما يتوقعه السارد أو ما تتوقعه الشخصية المسرود عنها … إن أهمية التقنية هو في كونها تحمل في تكوينها دلالاتها ، التقنية تؤكد الدلالة الموضوعية ، وهي البرمجة والتخطيط للمستقبل من ناحية ومن ناحية أخرى النمطية المعيشية في الحياة … ، ففيما يخص البرمجة والتخطيط نجد الأم تفكر لأبنتها ” أريكا” ـ وهي الشخصية الرئيسية في الرواية :
(( الطفلة التي تتظاهر بالأمل ، تعرف أن كل ما تنتظره ، لن يزيد عن لقب” البروفيسور” ـ وهي تستخدمه من الآن ـ الذي سيمنحه لها رئيس الدولة . في احتفال بسيط، تقديرا لخدماتها الطويلة ، وفي يوم ما لم يعد يبعد كثيرتا ، سيأتي التقاعد ، (…)
تقول السيدتان انهما تنتظران بفارغ الصبر تقاعد أريكا ! أعدتا خططا كثيرة لهذا اليوم . حتى ذلك الحين ستكون الشقة التمليك قد أُثثت وفُرشت عن آخرها ، ودفعت كل أقساطها . وستقتنيان قطعة أرض أخرى ، في النمسا السفلى، حيث يمكنهما البناء . بيت صغير للسيدتين كوهوت وحدهما . من يخطط ، يكسب القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود . ستبلغ الأم عندئذ المائة وستكون بالتأكيد لا تزال تتمتع بالصحة والعافية .))(4)
نلاحظ هنا سردا واضحا لما (سـ ـ سيأتي ..سوف …ستكون) سيحدث في المستقبل البعيد والذي تنتهي الرواية دون أن يحدث أو نعر ف أنه لم يتحقق بل من المستحيل مثلا أن نجزم أن الأم ستكون فعلا ما زالت على قيد الحياة..أو أنها بصحة جيدة؟؟
إن الدلالة هنا قابلة للاستبدال ، وبالتالي فإن السياق العام للرواية يفرض دلالة التسلط والتحكم بالفتاة التي مازالت في العقد الثالث من عمرها وهي الدلالة القريبة والتي يكشف عنها النص بتكثيف شديد إلى درجة التكرار وهي رسالة المؤلفة وأسلوبها ولكن تبقى إمكانية الاستبدال قائمة وهو ما يعطي النص الإبداعي قيمته العالية.
هكذا نجد سرد ما يُتوقع أنه سيحدث ( سـ المنبأة عن المستقبل ) حسب آلية معروفة سلفا حتى حفل اللقب الذي ستحصل عليه …وفي موضع آخر تُقدم الرواية ملمحا آخر من تقنية سرد المتوقع ، حينما يبدأ السارد بالإشارة إلى الشخصية الثالثة في الرواية وهو التلميذ الذي يعشق أريكا (على اعتبار أن الأم هي الشخصية الثانية ) :
((على الشاب أن يعرف من البداية حدوده ، عندئذ يستطيع أن يتخطاها بنجاح . سيقبل معلمته قريبا ، حتى تكاد تختنق .سيمص حيثما يُسمح له بالمص . وسيعض ، حيثما تتركه . ولكن فيما بعد سوف يتصرف عن وعي ، وحتى أقصى حدود الخصوصية. سيبدأ براحتها ، ثم يصعد بفمه النشط . سيتعلم عشق جسدها ، أو على الأقل قبوله ، هذا الجسد الذي تنفي وجوده حتى الآن . سيعلمها برفق كل شيء تحتاجه للعشق ..))(5).
إن سرد المتوقع يكشف عن مجرى الوعي لدى الشخصية المسرود عنها ..يكشف أيضا عن( الجسد الذي تنفي وجوده) وعن تسلطها عليه ( حيثما تسمح له) إذا يكشف عن وعي ما ..
إن أهمية سرد المتوقع إضافة إلى كونه نوع من رسم المستقبل ونوع من التخطيط هو أيضا نوع من التمهيد للأحداث هكذا تتداخل التقنية الفنية مع الدلالة الموضوعية ( التمهيد للأحداث هو تقنية فنية ) و تصوير ما سيحدث وليس ما حدث أو ما يحدث هو رؤية موضوعية تكشف عن آليات فنية وعن قيم تتحكم بمجتمع الرواية من خلال كاتبتها ؛ هذه القيم هي ترفضها وتسخر منها .. كل هذا يعكس نمطية آلية للتفكير الذي يجعل الحياة محكومة بتقاليد وقيم سابقة جاهزة وليست وليدة لحظتها ..الملاحظ هنا أن التقنية تتسق تماما مع اتجاهات ما بعد الحداثة ومع آليات الاختلاف مع السائد الذي يطرحه موضوع النص وهو رفض التربية النمطية المحافظة بشكل سافر أنتج شخصية غير سوية تستمتع بأذية الآخرين وممارسة السادية عليها. هذه الشخصية هي أريكا التي تكذب على أمها عادة وتكذب إنها ستذهب إلى قاعة الكونسرفتوار في الوقت الذي تتسلل فيه إلى الغابة بين الأشجار وعلى مخلفات الكلاب والقمامات لكي تصل إلى هدف غير سوي هو التلصص على من يمارسون المتعة ولا تنسى المنظار الليلي وما يمكن أن تستعين به في فعلتها هذه .:
((..تتصيد بمساعدة المنظار المكبر أزواجا من العشاق ، يتراجع أمامهم الآخرون لدى رؤيتهم لا تستطيع فحص الأرض تحت حذائها ، لذلك تمشي كالعمياء . تعتمد اعتمادا كليا على أذنيها، وهو ما أعتاد ته من مهنتها . تنحني قامتها في بعض الأحيان )) (6)
نلاحظ هنا مدى المهارة التقنية في التورية التي تجمع بين عدم قدرة ” أريكا” على تبين ما تحت أقدامها وهو كما يتضح من السياق مخلفات الكلاب و الزبالات وبين عدم قدرتها على تبين ما تسير فيه من طريق خاطئ في الحياة مما يجعل حياتها مأساوية تنتهي بانتحارها أو محاولة انتحارها التي تنتهي بها الرواية تاركة المتلقي الشكلي يبحث عن إجابات لأسئلة لا تسأل(هل ستموت من جراء طعنة السكين التي كانت تنوي أن تطعن بها من كان حبيبها انتقاما ، ولكنها حينما تراه يعيش حياته مع فتياته توجه السكين إلى صدرها ، إن بلاغة الأسلوب هنا أيضا تتجسد بين الجمع بين أكثر من معنى فالمعنى هنا مزدوج معنى مجازي معنوي؛ و معنى مباشر يقيني وكلاهما يقيني بالمعنى الفني . )لاحظ أن السارد هنا يؤكد على شذوذها باختلافها عن الآخرين [لاحظ ما وضعتُ تحته خط في الاستشهاد نفسه] .وكما هي عادتها حينما تصل إلى هدفها[ غير الطبيعي] وتشعر بالإثارة تنتابها الحالة المصاحبة وهي رغبتها في التبول التي لا تستطيع كبحها وهي نفس الحالة التي انتابتها بعد ما وضعت الزجاج المهشم ككمين للعازفة التي تلاطفت مع “كلمر” مما يغيظ ” أريكا ” و بعد رؤيتها للدم المتدفق من أصابع الفتاة تكون قد وصلت إلى الهدف وهناك وصلت إلى هدف كلاهما في سياق اللاسواء. لاحظ عمق البلاغة في الجمع بين أكثر من معنى في البول كدال يعكس دلالة النفسية التى تخرج وسخها بالمعنى المباشر وغير المباشر أي المعنوي لدلالة . ومن ناحية أخرى أيضا تذهب إلى نوافذ العرض لكي تنظر إلى تعري النساء كما يفعل الرجل ولعلنا هنا نجد التأكيد على أيديولوجية الروائية وهو دعوتها المعروفة للمساواة بين الذكر والأنثى وشخصية” أريكا ” تقريبا كلها تعتمد على أفعال ناتجة عن ووسوسات نفسية وليس عن تفكير منطقي . وحينما تواتيها الفرصة لممارسة الحب الطبيعي والجنس مع من يحبها تمارس عليه تسلطا قمعيا مهينا ،تأمره أن لا يفعل شيء هي فقط التي تفعل ما تريده ..وحينما تتكرر الفرصة تطلب منه ممارسة سلوكيات سادية (مخزية)تماما كما تعرضها أفلام البرنوجراف المنحرفة، مما يغضبه ويعتقد أنها أما مجنونة أو تمزح ،وبالتالي يكون قراره برد الإهانة التي تكررت معه بنفس آلية طلبها وهو ممارسة السادية معها واغتصابها ثم تركها نهائيا. في نفس الوقت الذي تدرك فيه أخطاءها بعد فوات الأوان كما هو الحال عادة في الدراما..
هذه هي ، أريكا عازفة البيانو التي أنتجتها التربية الخاطئة كما تصورها المؤلفة . و تقنية سرد المتوقع الذي يسير بنمطية تجعل ما سيحدث لها مثلا عندما تصل إلى سن التقاعد وبعد أن تصل أمها إلى المائة سنة وهي في صحة جيدة يجعل الحياة باردة ومملة وبحاجة إلى الاختلاف معها .وبالمقابل تقريبا الرواية كلها خالية من السرد بصيغ الماضي ولكن الماضي حاضر بالفعل المتجسد بسلوك التربية التقليدية من خلال الأم هكذا يصبح الماضي حاضرا ومستقبلا بالموضوع وتبقى مسألة التقنية ملتبسة في هذه النقطة من حيث دلالتها المجردة . ولعل جماليتها تكمن في هذه المفارقة بين صيغ الحاضر والمستقبل في تصوير قيم الماضي وهذا صحيح من الناحية الاجتماعية لان الماضي هو الذي يشكل الحاضر ويؤثر على المستقبل .
(( لابد أن الأم تتقنفذ في هذه اللحظة مستمتعة بدفء مطبخها ، وهي تقلي شيئا في السمن سيأكلانه باردا خلال الأمسية التي سييقضانها معا ( والصحيح ستقضيانها) . وبعد ذلك ينتظرها شغل الإبرة في بلوزة تر يكو بيضا )) (7)
هذه الصيغ التي تدور في مجرى الوعي من خلال رؤية سردية مركبة من سارد من الخارج كما قلنا يشارك أحيانا وأحيانا يتكلم بلسان الشخصية ، تتكرر هذه الصيغ التى تكشف عن نمطية وروتين معروف سلفا ، وسنجد حرف (س) ( أي ما سيحدث) تتكرر في سياقات كثيرة كاشفة ذلك الروتين وتلك النمطية التي تكشف عن مللها حتى في صياغتها .
هذه تقنية سرد المتوقع التي أتوقع أن تأخذ مساحتها في النقد وفي الرواية بشكل أكثر غنى .
ولعل تقنية سرد المتوقع قد غيبت عن الرواية عنصر التشويق بالمعني المباشر للتشويق في الموضوع الذي عوضته بجماليات الشعرية والتضاد و الرؤية السردية والحبكة الغنية المكثفة وبتشويق تقني وليس حكائي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفريدة يلينك ، الحاصلة على عدة جوائز أهمها جائزة نوبل 2004 ، وجائزة بوشنر..، من مواليد ، 1946. درست الموسيقى ثم تاريخ الفن والمسرح و بدأت كتابة الشعر منذ الصغر وصدر أول ديوان شعر لها (ظل أليسا ـ 1967) وعمرها واحد وعشرين سنه. ثم تولت أعمالها المسرحية و الروائية ،عُرِفَت بدعوتها للمساواة بين الرجل والمرأة ودخلت في صراع مع التيارات المحافظة في فيينا مما دفع البعض إلى محاولة منع أعمالها بدعوى الإفساد ..تتشابه حياتها الشخصية كثيرا مع روايتها (عازفة البيانو) بنسبة كبيرة جدا إلى حد التطابق ، فهي تماما مثل “أريكا” تفرض عليها أمها دراسة الموسيقى ، وهي أيضا يصاب أبوها بالجنون وتكون نهايته في مصحة نفسية ، وهي أيضا مثل الرواية ترتبط عاطفيا بأحد تلاميذها ولكن هذه العلاقة تنتهي بالفشل .وقد لاحظت أنها تصف نفسية ” أريكا ” اللاسوي بشكل مكثف ومكرر فهناك تأكيدات بالتكرار إلى حد الملل وكأنها تستمتع بتلك الانحرافات ، هذا يتسق مع مرضها المعروف (فوبيا الناس) .
انظر موسوعة(Wikipediaa.): the free encyclopedia.[ Jelinek’s biography reflects strongly in her opus.]
ورغم أنها تُرجمت إلى 18 لغة إلا انه لم تُتَرجم إلى العربية باستثناء هذه الرواية التي صدرت في يناير 2005و ترجمها ” المترجم القدير :” سمير جريس ” المقيم في ألمانيا ربما لأن أعمالها حافلة بالجرأة الجنسية والتمرد على التقاليد حتى على مستوى أوربا فما بالك بالوطن العربي..
من المهم الإشارة إلى أن الترجمة الإنجليزية كانت ( معلمة البيانو – piano teacher) وفي تصوري أن إطلاق لفظ عازفة فيه مفارقة ما بين الوهم الذي زرعته أمها فيها وبين حقيقتها التى لا تعدو عن كونها معلمة فيها من الكذب والشر أكثر مما فيها من الحقيقة والفن..
(2) صرحت بعد حصولها على جائزة نوبل أن ” توماس بيرنهارد” كان يستحق هذه الجائزة منذ عشرين سنة . ”
“توماس بيرنهارد” ( 1931ـ 1989) و “الفريدة يلينك” ، يشتركان في صفات كثيرة فكلاهما له نفس الموقف من المؤسسات الحكومية والدينية وهو موقف صدامي ومعارض ، وكلاهما درسا الموسيقى وانعكست على تقنيات كتابتهما في المسرح من خلال تعدد النغمات و الإيقاع والتضاد الذي تجلى في مسرحية ( احتفال ليلة عيد ميلاد بوريس ـ 1968) التي يوظف فيها الإيقاع إلى درجة يجعل الطبل أحد العناصر التقنية في البناءطبعا إضافة إلى إيقاع اللغة الذي يتميز به ، وهي مسرحية تعرض لحياة امرأة مشلولة متسلطة تمارس التسلط بشكل مستفز على من تمن عليهم بعطفها ومن تعمل عندها وعلى زوجها الذي يموت قهرا في نهاية المسرحية هذا يتشابه كثيرا مع شخصيات ” الفريدة يلينك” .والغريب أن هناك تطابق بينهما في عدة مستويات فمثلا في رواية (عازفة البيانو) حينما تتلصص “أريكا” في الغابة على من يمارسا المتعة يكون الرجل تركي والمرأة نمساوية وتصف التركي بكل الصفات الهمجية والشريرة الغريب أن “توماس بيرنهارد” له مسرحية قصيرة ، اسمها (آيس كريم) يعرض فيها لشخصية تركية تتظاهر ببيع الآيس كريم لكي يقتل مسؤولين وهما في حالة استجمام على ساحل البحر. !!
إن المقارنة بين توماس بيرنهارد ” وبين ” الفريدة يلينك” بحاجة إلى دراسة مستقلة أشرنا هنا إلى أهم محاورها .
(3) هناك خطأ شائع يرجع مصطلح ( تيار الوعي point of view) لـ ” جيمس جويس ” مع العلم أن أول من استخدمه هو الناقد والروائي الإنجليزي”هنري جيمس “مستفيدا من أخيه الطبيب النفسي كما أن المسرحي النمساوي” أرتور شنتسلر ” كان قد تزامن مع” هنري جيمس” إن لم يكن قد سبق في استخدامه لهذه التقنية في قصة( الملازم جوستل ) التي يفضح فيها زيف الشرف العسكر ويستخدم التداعيات النفسية كأسلوب ، وقد دفع ثمن جرأته هذه حيث تم تجريده من رتبته العسكرية فاكتفى بممارسة تخصصه في الطب . وكل هذا لا يعني أن جيمس جويس لم يوظف تيار الوعي في أعماله ، فهو بلا شك قد فعل. كما أن ” ولااس مارتن ” يشير إلى ناقد ألماني آخر استخدم هذا المصطلح .مع الأخذ بالاعتبار أن” شنتسلر” و “جيمس جويس” كان تعاملهم مع مجرى الوعي ( وجهة النظر ) في النصوص بينما ” هنري جيمس” و “فريدريك سبيلهاجن” ، صنفاه نقديا . ومارسه هنري جيمس ايضا في روايته) ما عرفته ميزي) 1897.
[(كان هنري جيمس ” والروائي والناقد الألماني فريدريك سبيلهاجن –friedric Spielhagen(19883) من أوائل الكتاب الذين ناقشوا “وجهة النظر “))والاس مارتن، نظريات السرد الحديثة، ترجمة ،حياة جاسم محمد، المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة،1988، ص 175]
طبعا هناك أكثر من رأي حول هذه النقطة والتي يفضل فيها أصحاب ما بعد الحداثة استخدام مصطلح التبئير للرؤية السردية..
(4) الفريدة يلينك ، عازفة البيانو ، ترجمة : سمير جريس ، دار ميريت، القاهرة، 2005، ص 85 (5) المصدر السابق ، 108.
(6) المصدر السابق ، 219 ـ 220 .
(7) المصدر السابق ، ص 157.
مارس 2005