فنقلة عابرة
هشام محمد
على حين غفلته من الوقت ، تزحلقت من لسان زقاق طويل إلى صدر الشارع المثخن بـ “التفاحيط ” ، وقَفَت قدر نفس مستعجل ، النظرات اللهفى تلوك جسدها المتواري بسواد اللاشيء ، ألسنة سائقي الدرجات النارية تبتهل بتبتل:
ـ يااليت لنا مثل هذا.
مرت ، وهي تتحسس حقيبتها اليدوية بشيء من الارتباك المبلوع الذي لم يتنبـه له سوى الأسكافي الهرم بخبرته اليومية ، وهو يمارس قرآءتها ، من أسفل عاليًا ..عاليًا ، وهى بدورها تجر شهقات الشارع والبخور العدني ، قال الاسكافي وهو يطلق تنهيده بصوته المرقع .
ـ دلا .. دلا
التفتت إليه بغنج ، ونفضت عباءتها ومضت …
…
نسي الشارع نفسه ، وتداعى في إثرها ..يسترق الخطى جمعاً من الأشتات اللامكانية ، تفننت ألسنة سائقي الدراجات في التدلي ، بينما العيون تمارس تمرين عاليا /جانبا / أسفل ، انعطفت إلى “باب موسى” ، تتخطى شفة المدينة ، تسمرت لبر هة وهي تسمع خلفها الأنفاس المنهكة لمراهقين يتناوبون رشق مؤخرتها بالنظرات الشبقة ، تقدمت خطوة والتفتت بانتشاء نحوهم ،ثمة صفوفاً خلفها .. الشيوخ أولاً ، يليهم الشباب ، فالمراهقين ..قليلاً..قليلاً.. تداعت ورائها أصواتهم ، صرخ عجوزٌ مراهق وهو يمسّدُ لحيته من اللعاب :
ـ ..الله أكبر !
يردد المراهقون :
ـ ” الله اكبر ..جسد واحد..فرش واحد …”
صمت الجميع ، وهي تقف على درجات الباب الخارجية لمنزلها ، وتُصوِّبُ زهوها نحو العيون التي تسترق النظر اليها من بين شقوق النوافذ العتيقة ، أشارت منبهة إلى الوافقين أمامها التفت الجميع إلى الخلف صوب اللهجة المتفرقعة فيهم بحدة عسكرية :
” أي واحد يتحرك مايلوم إلا نفسه.. إلى الطقم هيا ”
تقدم الجميع بهدوء الى الاطقم ..مضوا معًا .. وابتلعهم الغبار ، فيما ظلت العيون الملتصقة بها خفية تمارس النميمة ، تتقدمت بهدوء إلى سيارة الشرطة الفارهة ، ليمارسها عنف التحقيق ، وهي ستدلي بهواها كل ليلة بسخاء .