تدفــق حســي صــوب اكتمــال اللقـاء بالآخــر
قراءة في ديوان وضحى المسجن “أشير فيغرق مائي”
حسين الجفال
منذ متى والأنثى في سعي حثيث ومن خلال تدفقها الحسي والروحي من أجل أن تجد الآخر ساجدا على أعتاب قلبها؟ ما اطلعنا عليه في ديوان الشاعرة وضحة المسجن تدفقا جميلا يحيلك إلى تلك الحروف الشعرية التي انسابت من بين أنامل الشاعرة فدوى طوقان في قصيدتها الموسومة بـ ‘’القصيدة الأولى’’:
سيظلّ حبك سر أغواري
أعطيه من ذاتي، وأمنحه
ما عشت عاطفتي وإيثاري
أسقيه من عطري، أوسده
صدري، أناغيه بأشعاري
هذه القصيدة التي شهدنا ولادتها في منتصف عام 1958 على يد الشاعرة فدوى طوقان كانت تحمل معاني الكبت بلاءات اختارتها الشاعرة ذاتها معبرة عن إرادة رفض البوح بأسرار الحب حينما ضجت قائلة:
لا، لا تسلني، لن أبوح به
سيظل حبك سر أسراري
أما في ديوان الشاعرة وضحى المسجن فنحن نشعر ومنذ أول قصيدة في الديوان والموسومة بـ ‘’ارتعاش ناقص’’ إلى آخر قصيدة فيه والموسومة بـ ‘’عناوين مؤجلة’’ خروجا عن هذا المألوف الذي طبع مرحلة التمرد في الخمسينيات واستمر، فهي لم تكن تحمل في معاني التمرد سمة خاصة بها تميزها عن ذلك المألوف، ولكنها تميزت عن ذلك بتدفق هذه المشاعر الحسية والروحية تجاه الآخر بكل قدسية فلم تكن الفتاة المنتظرة أو العاجزة كما رأى البعض لأن طبيعة الهجر هنا له دلالة خاصة يتخطى تلك العلاقة الجسدية.
الارتقاء الروحي والهجرة الروحية شيء آخر يختلف تماما عن اللقاء والاحتضان المادي لجسدين عاشقين… وإن كانت تدعو بإصرار إلى مكوث الآخر فهي تسعى إلى دورة شبق من نوع آخر، كي تقيم في داخل هذه المرأة – النموذج – نضوجا خديجيا، بعيدا عن ذلك اللقاء الجسدي الذي سرعان ما يغيب كالومض المشوش كما أسمته الشاعرة في قصيدتها ‘’رقص’’.
ربما تدخلنا المفردات التي انسابت من بين أنامل الشاعرة كالشفاه، الصدر، الجسد، الضم، العري، العناق، الغواية، الخطيئة، الشهوة، التهتك، البوح، النهد… وغيرها من المفردات الذي ضج بها هذا الديوان إلى متاهات تابو الجسد هذا الديوان وأعتقد بأن ذلك قد يكون ولوجاً خاطئا لتفكيك هذا المشهد الشعري.
إن هذا التدفق الحسي والروحي من دواخل هذه الذات (الأنثى) جاء لكي يترجم صوت الأنثى على وجه العموم أكثر منه انحيازا إلى تأصيل فكرة التمرد والخروج على المألوف في المسائل الحسية. إذ أن الانتظار وإن استطاع أن ينقلنا إلى جوانب حسية وروحية في مسألة الاتصال إلا أنه ما زال يطبع حال الأنثى في بناء علاقتها الذاتية بالآخر.
إذا الاشتهاء كان له طعم آخر، بعيدا عن الجوانب الحسية التي قد تحيلنا بعض من مفردات النص إليه يتضمن ما نراه من تداخل نسيجي بين ما هو حسي وروحي معا حينما تضج الأنثى (النموذج) قائلة:
تصطفيني بلمسه
تلجني بفضتك
أو حينما تقول:
كن معي أرضعك.. ونرتقي سحب الشهوة
لا تكاد تلمس معنى حسيا دون أن يلتصق ذلك بمعنى روحي مقدس. حدية هذا الالتصاق ربما يقودنا إلى الذات الأنثوية وهي تعيش حالة تحرر ذاتي معبرة عن كل ما يختلج من مشاعر ولكن في ظل ارتباط واع بكل ما هو مقدس، فلا يغرينا التبرج بالحب فجأة لأن زنبقة الموت لها قدرة هائلة على تأثيث قبرها… ومن هنا تعلن الحروف عن براءتها من التلوث بما هو حسي على حساب ما هو روحي هذه المفارقات ما بين الحسي والروحي تصدمك به الشاعرة وضحة المسجن في كل حروفها الشعرية التي انسابت لتشي بولادة هذا الديوان الشعري