المثقف اليمني .. غائب أو مغيب؟

محمد العباس
تحتمل هذه الإشكالية عدة وجوه، فهي تشير من ناحية إلى التصنيفات الثقافية الجاهزة في الثقافة العربية، فقد تم التعارف بشكل متعسف على وجود ثلاث دوائر مشرقية، ومغاربية، وخليجية، واستطاعت بعض الجهات المغرمة بالتصنيف السياسي للأسف، إسقاط هذا البعد التجزيئي على الثقافة والأدب، خصوصا حين يتعلق الأمر بما يعرف ثقافياً بعواصم المركز والأطراف، واختلال هذا الميزان بنظر البعض نتيجة تبدلات دراماتيكية، حيث تحولت بعض عواصم المركز إلى أطراف أو هوامش، أو ربما تعادلت من الوجهة الثقافية مع عواصم ناهضة يراها البعض جديرة بهذا المسمى، رغم أن العاصمة المركز، لا يمكن أن تتبوأ هذه المكانة الحضارية ما لم تكن محلا لإنتاج الثقافة، واختبار المنتجات الثقافية العالمية بفاعلية، وليست مجرد مكان للاحتفالات واستهلاك المنتج في دوائر الآخر، وعلى ذلك يكتسب السؤال مشروعيته، فهل اليمن مكان ينتج الثقافة، أم مجرد محطة تستهلك الثقافة المادية واللامادية بشكل يفوق آلية ومرادات إنتاجها ؟ وهو سؤال قد يجيب عليه أهل الشأن الثقافي بشكل أفضل، دون ادعاء ولا اتضاع، أما ضمن الدائرة العربية فالجواب قد لا يكون أميناً ولا مطمئناً بما يكفي، بالنظر إلى احتمال لا يقل أهمية عن سابقه، وهو شكل تفكير الآخر العربي في العربي، فهذا الآخر – سواء كان يمنياً أو غير يمني – يرد أحيانا في الروايات العربية بشكل هجائي وتحقيري، بل ويحمل سمة العدو الخفي للآخر العربي، فالعربي إذا حضر في رواية الآخر العربي يبدو في الغالب ضئيلاً، وبلا صوت ولا فاعلية، وملتقط – للأسف – من أسوأ زوايا الرؤية، وأردأ معياريات التقويم، ومرد ذلك كما يبدو ناتج بالتأكيد من وجود مادي مضلل في الحياة، ينم عن قصور معرفي وحياتي، فالعربي يجهل الآخر العربي، وفي الغالب هو غير مطلع على مقوماته الثقافية، وعلى ذلك يختصره في صورة نمطية مسفه، وأي متابع للشأن الثقافي العربي سيقف بالتأكيد على جملة من الأسماء المبدعة هي بمثابة العناوين لكل قطر، فتونس مازالت مختصرة في الشاعر الشابي وكأن تاريخ ذلك القطر قد توقف عند تلك اللحظة، وهكذا يبدو الحال بالنسبة لموضوع اليمن فهي مختزلة في البردوني والمقالح، وما وراء ذلك لا شيء. لماذا ؟ لأن الثقافة العربية كما تتبدى اليوم تمتلك من آليات الاختزال، والتكاسل عن اكتشاف الماورائيات الثقافية لكل عنصر عربي الكثير، فهنالك غياب للمشروع الثقافي الذي يستنهض كافة الطاقات البشرية وبالتالي يحرض على دفع كل الأسماء الفاعلة إلى واجهة المشهد، وهذه الروح المتخاذلة لا تغيب مثقفي اليمن وحسب، بل الكثير من جهود وأسماء المثقفين العرب، وتبقى مسألة الحضور منوطة بأهل الشأن في كل مشهد ثقافي، وأعتقد أن المشهد اليمني يحتضن أسماء وأصواتاً ثقافية جديرة بالحضور واثبات الوجود، ولكنها بحاجة إلى اعتماد استراتيجة عملية واعية وجادة لإيصال مختلف النبرات اليمنية إلى واجهة المشهد العربي لئلا يتهم اليمنيون، كما يتهم غيرهم بأن خللا تكوينياً ساطيا يعوق ذواتهم الثقافية، ويعطلها عن الإنتاج عوضا عن الحضور، فلولا الصحفي سمير اليوسفي الذي أعاد طباعة رواية محمد عبد الولي لما سمعنا عن ” صنعاء مدينة مفتوحة ” رغم أنها مازالت غائبة أو مغيبة عن زوايا المشهد العربي، لأسباب لا تبدو كلها ثقافية، بالإضافة إلى أسماء ووقائع ثقافية كثيرة ليتها تصل إلى عقل ووعي القارئ العربي ليعرف أن على تلك الأرض بشرا يجيدون إنتاج المعرفة، ويعبرون بكل الطرق الفنية الراقية عن أحاسيس جميلة، وعن توق إنساني فائق للحضور.

2006

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: