“الشباك تهتز .. العنكبوت يبتهج” محمد محمد اللوزي
قناع
في الحفلة التنكرية …
التي ستقام غداً
لم يعد ثمة أقنعة نلبسها
وسيلبس كلٌ منا وجهه
جهة
أركل الأيام في مؤخرتها
ذلك لأني لست سكراناً بك
أو بحمرة خديك
ليس في جيوبي ورقة أمل
أو عنوان قريب في كندا
لذلك
أركل الأيام في مؤخرتها
وبلا توقف
لا أحد
الحنين: أغنية تسربت
إلى الأعماق
الأعماق التي ما لبثت
أن اضطربت
افتح لأبوابك الحنين
ليس في هذه الأعماق سواك
ليس ثمة نساء أو بلد
الأيام معبأة بالسواد
سواد أصفر
سواد أحمر
سواد أسود
أنت لا تعرف من تنتظر
وهذه مشكلة
يا لحنينك إليه
ويا لحنينه إليك .
ضياع
أين يمكنني أن ألقاكِ ؟
البارحة تذكرتك بثياب شفافة
إنني مهمل من كل الكائنات
مهمل كمفتاح على طاولة
أو أكثر
هل بالإمكان أن ألقاكِ ؟
وألقاني .
أعميان
يحسب الأعمى
أن كل ما حوله جدران
و يحسب المبصر
أن كل ما حوله فراغ
وحين يمشيان
يصطدم المبصر بالجدران
ويتعثر الأعمى بالفراغ
أمل
هل ثمة أمل في النهاية
أمل بعد الديدان
أو قبلها
الأمل: سيارة إسعاف..
لا تنقذ أحداً
شيء آخر يسعفني
هو اللا أمل
أسود
لا تصغ للأبيض
حتى لو دام
طويلاً أبيض
عين قرصان
أحياناً
على الذاكرة
ترسو سفن حربية
وغواصات
عليها ترسو أيام..
وأحياناً يرسو قراصنة.
أحلامي محاصرة
بأسماك القرش
في وسط البحر
ولا أمل في النجاة.
بعين واحدة يروض القرصان
ليل العواصف
يضرب لمعان عينه البحر
فتضيء طرقاً
لم يَسِر عليها أحد
غير الموت
سار فيها مرة ولم يرجع.
أحياناً
على الذاكرة
ترسو عين قرصان
عليها ترسو دمعة
وأحياناً ترسو لؤلؤة.
جلالة الثور
الثور يبالغ في جنونه
جثة الأمس
لا تصلح لدم اليوم
الديكور يرتب المشهد
والجيوب ترتب الأدوار
الثور يبالغ في جنونه
يحرث المقبرة
كي يستعيد حكمة الموتى
يدهن أنفه بالبلاهة
ويشرب خمس كبسولات
من الفياغرا
قبل الدخول علينا
الثور يبالغ في جنونه
مرآة
رجل
يصعد الدرج
وظِـله نازل
رجل
يشرب النخب
وشعبه سكران.
سجين
الاسم المحفور
على جدران الزنزانة
هل يحلم أيضاً بالحرية ؟
حين أطلق سراح
جميع السجناء
بقي الاسم سجيناً.
إبل
حين تكون العبارة سيفاً
نكون في فصل الجوع
القارس
كتيبة الفراغ وحدها
لا تدركها الشتائم
ونحن أشباه التماثيل
لا نشتهي من الموت
إلاّ اسمه
ولا نشتهي من أسمائنا
إلاّ الحرف الأخير .
كل نصف شيء
يؤدي إلى شيء
كل نصف مساء
يؤدي إلى طلقة
وكل نصف صوت
يؤدي إلى ثورة .
لا تقل شيئاً
أو نصف شيء
قل أن هيفاء
الهتك عن حفظ أسمائهم
وقل أنا ربّ إبلي
وللبيت ربّ يحميه .
شيء
ثمة غراب
حط على نافذة الحمام
هذا الغراب
ليس في رأسه شيء .
هروب
الأيام التي تركتها خلفك
ستجدها أيضاً أمامك
لا طريق أمام الهارب
سوى الانتظار .
غرفة الجنرال
للشوق أبجديات كثيرة
ولحضوري
متسع من الغياب
ومباغتة اللحظة
في خندق أثمله القصف
وساحقته المنية
وحدها غرفة الجنرال
لا يدركها الموت
أو يثقبها الانسحاب
ونحن جنود الدهشة
نرتل في الخطوط الأولى
أغنية الموت ببطء
نبتكر لرغبتنا مصطلحات
ولأسمائنا معنى
لو نعرف سبباً واحداً للحرب
وحدها غرفة الجنرال
تعرف أسباب الحرب
صورة
عند نصب الجندي المجهول وضعت الأيام وردة
عند نصب الجندي المجهول
التقط القتلة صورة تذكارية .
بذرة
الخوذة وهي مقلوبة
في أرض خصبة
هل بالإمكان أن تنبت يوماً
وتصير حرباً
انحدار
الألم الذي يوزع مجاناً
هل يمكن أن يباع ؟
تطابقت مع نفسي
ثم انحدرت
انحدرت
إلى حيث لا أحد .
الألم الذي يوزع مجاناً
هل يمكن أن يباع ؟
سنوات الانتظار اليتيمة
هل يمكن أن يشتريها متحف
يعرضها …
في صالة الموميات ؟
انتظرت طويلاً
حتى نسيت ما يشبهني
ونسيت ما أشبهه.
جهة الموت
ما قبل الخوذة
سوى أمنية الجندي
ما بعد الخوذة
وهي تتدحرج مسرعة
إلى جهة خامسة
سوى دهشة الجندي
انكسار
مثلي نساها أحد
في منعطف
فرجعت دون ظل
عصفور
المُدرّسة التي كسرت قلبي
كطبشور
رسمت على السبورة قفصاً
وأدخلتني بداخله
وأغلقت القفص
كي يرسم الصغار في دفاترهم
ألحان عندليب بين القضبان.
المدرسة التي كسرت قلبي
كطبشور
ووضعته في حقيبتها
مسحت دموعي على دفتر
أحد الصغار
وأحكمت القفص .
رجم
الدقائق المتعجرفة
حين تكون في متناول يديك
لا ترشق بالمواعيد أحد
حبس
إلى متى سأظل أتذكركِ ؟
نسي المعزون ميتهم
وأنا مازلت
كل يوم أتذكرك
أمعن لشيء لم يكن
هرب المارد من قمقمه
وأنا مازلت محبوساً
بداخل ضحكتك .
نصيب
خذ نصيبك من الكعكة وامض
هكذا قالت
لكنني أخذت نصيبي من الألم
ومضيت . . .
مقام
على غير حلم أتيتكِ
يا بلاد
ومن غير وعد
ما جئتك شوقاً
ولا جئتك لهفة
صدفة لقيتك
عثرت عليك نقطة
فوق النحس
وصرت أنا نقطة
فوق النقطة .
مشيت باتجاه الأسهم
التي انطلقت من الأقواس
حتى تقوّسْت
وصرت قوساً
لا أدري …
أين تتجه الأسهم.
حرية
الأسرى تحررهم الدموع
ينقشون على الجدران
ندم الخنادق
يوغلون في الشك
فيرجعون أسرى
تحررهم الدموع
انتظار
قبل وداعكِ
سوف أربط عنقي
بالشجرة
هذا الحمار المربوط
سيظل ينتظرك
حتى ترجعي
أربعة
ثلاثة قراصنة حين تعدهم
فقدوا ما فقدوا في البحر
قرصان تنقصه رجل
قرصان تنقصه يد
قرصان تنقصه عين
لو يوماً هاج البحر
والتقت الأعضاء الناقصة
ستشكل قرصاناً رابعاً
فصول
أما وقد جنيت كل ثماري
بإمكانك الآن أن تكسريني
وتجمعيني حطباً
شتاؤك دافئ كل مرة
كيف ؟
وأنا لهبك كل شتاء !
آخرهم
قبل أن أطفئ الشمعة
التي لم أشعلها
رأيتهم يركضون فركضت
دون أن أسأل آخرهم لماذا ؟
أو إلى أين ؟
دون أن أقول له:
ما الذي يطاردنا ؟
رأيتهم يركضون فركضت
اثنان
تكشفين أوراقك في الصباح
وأكشف أوراقي في المساء
ليتنا في جسد واحد ننكشف
ذاكرة
كانت هنا بلد
تهجاها هدهد
فأشعل فيها الخراب
كانت هنا بلد
تردُّ الفاتحين على أعقابهم
ولا تعتذر
هي الآن ذاكرة صعبة
نمر عليها كل يوم
ولا نلتـفت .
سر
تحت كل بحر ..
هناك سر ما
لو يعلم القراصنة
ما تحت عينيك
قلبت أيامي ككتاب قديم
ولم أجد فرصة
لأقول لك ما بداخلي
ترملت السنين
وما وجدت لي مرآة
ما وجدت لسجائري أصابع
منفذ
لعينيكِ أعود
هذبتني الممرات
حين بلا نهاية كانت
واحتساني الظمأ
يـا… ه
كنت قد فكرت فيك مرة
هل شعرتِ بوخز تلك اللحظة
لعينيك أعود
حين لا أجد منافذ أخرى
هامش
تـفـيض الليالي
ولا تستقيل الحواس
أخرجُ من جسدكِ
كي أدخل في الهامش
الحياة دون جسدكِ
هامش أيضاً
وجسدك دوني
أدراج فارغة
عيناك
عمر الوردة
انتظار القطف
ما الذي قد لا يكون
وقد استدرجني هذا العمر
انحنيت قسراً
في أوهن طريق
يؤدي إلى ذبح أكيد
غياب
كفّن الغياب أيامي
أكان حتماً عليّ أن أشعر
بالخسارة
حين أراك
بياض كثيف حاصرك
غير أني من استسلم للحصار
كفن الغياب أيامي
كفنه أسود هذا الغياب
العزلة
الورقة التي نسيها الخريف على الشجرة
كانت تحلم بالسقوط
إذ أن في السقوط أحياناً
تكون النجاة
فراغ
الوفاء
فراغ لم يكمله أحد
ارتباك
إنني تواق إليكِ
وحين المحك تمشين
بالقرب منى
كما لو أن أحداً قذف بي
إلى حقل ألغام
وعليّ أن أمشي بحيطة وحذر
بحيرة
الظلام ساحر
يضرب بعصاه قبعتي
فتصير إوزة
الظلام ساحر
يضرب بعصاه رأسي
فيصير بحيرة
الإوزة في البحيرة
وأنا في ظلام القبعات.
أبناء
لا يشبهكِ دم
أيتها الحقيقة
لا تشبهكِ دموع
أيتها التماسيح
المستقبل
صنع المدرس تلاميذه
بموازاة الغد
وصنع التلاميذ مدرسهم
بأمنيات الأمس
على السبورة ..
كان يتواجد المستقبل
أما الآن ..
وقد أغلق العقل أبوابه
ليس لهم سوى الهروب
من النوافذ .
صواب
جرائم كثيرة اقترفها الصفر
دون أن نسائله
والأجدر أن نغفر..
لكل من أخطأوا
لأن في الصواب ألم
ألم الصواب نفسه .
إنني أحبك
وأعرف أنك تخونين
طابور
هذا هو قدر الشعراء
يموتون خارج الكلام
تستريح الفيروسات
على أجسادهم
ولا يملون من الانتظار
هذا هو قدر الشعراء
لا يموتون صدفة
ويقفون بأدب في الطابور
صديق
حين يأتيك مبتسماً
لا تصوب عليه
نفس المسدس .
الأيام أنانية
وأنا لا أستطيع التجديف .
صعود
سقطت من عينيك دمعة
سقط من عينك رجل
سقط من جيدك لهب
هذا تاريخ السقوط
فدعيني أسقط
الشباك تهتز
بابتسامة خفاقة
كان يتساقط كل من حولها
الذين كانوا …
يسيرون بعقولهم نجوا
أما الذين كانوا …
يسيرون بقلوبهم تحطموا
ولم يستطيعوا المواصلة
لا أمل في النسيان
لا أمل في المحاولة أيضاً
لقد وقعنا
واهتزت الشباك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد محمد اللوزي: شاعر من اليمن
“الشباك تهتز .. العنكبوت يبتهج” المجموعة الشعرية الأولى للشاعر
صدرت في طبعة خاصة في صنعاء – عام 2001