محمد عبد الوكيـل جــازم: أتعامل مع من حولي كشخصيات في قصصي ورواياتي
• ما بين الراوي الموضوعي.. والراوي يصيغة الأنا.. تتجرد معاني الحكاية ونشخص شخصيات الحكاية.. ولكن الحكاية.. محمد عبدالوكيل جازم تتجلى بين الراوي والسارد والقاص.. والناطق بكل تفاصيل حكاياته السردية.. لكي ترسمه الحكاية إلى حداثة عقلنة الواقع بين المعلوم والمجهول.. والتشويق العارم في مدار هذا اللقاء – يسمو تعبير القاص والروائي محمد عبدالوكيل جازم بروائع طلل الحكاية.
لقاء/ محمد الجبلي
ما الذي أثار اهتمامك نحو الكتابة السردية؟
– لم يقدني إلى هذه الورطة شيء سوى ذلك الشغف العالي بالقراءة .. بدأت حياتي القرائية منظماً إيقاعات جدي، الذي كان فقيهاً وعارفاً بعلوم القرآن وتفاسيره، ومعانيه، ثم عشقت بعد ذلك قدرته على التحليق وراء سير الأنبياء والرسل، والصحابة، والخلفاء والأعراب والرواة والمتحدثين والشعراء.. وفي كل يوم كنت مدعواً إلى موالد جدي وجلساته، واليوم استطيع أن أفسر شهوة جدي في «الحكي» فالإنسان عندما يصل إلى هذا العمر المتقدم وقد ربّى نفسه على القراءة، والطهارة والتأمل ، يصبح ذاكرة هائلة للأحاديث والعبر والذكريات والاستقراءات، وكل ذلك قادني – دون قصد – إلى قراءة محمد عبدالولي، وعبدالعزيز المقالح وعبدالله البردوني، وزيد مطيع دماج.. ولعل تلك القصدية هي التي جعلتني أندلق بمفردي نحو الأدب في انتقالات، وأظنها كانت تشبه المعارك والصراعات مع الواقع والحياة والوجود، الوجود بشكله الغامض اللذيذ.
كل مراحل فشلي في النشر والكتابة، كانت تعلمني أن أظل يقظاً وأن استمر متعزياً بالمستقبل ومستعلياً النكبات والعراقيل والآلام التي لم تكن في يوم ما صغيرة لكنها عندي كانت تتحول إلى منتج إبداعي أفرغ فيه جنوني.
انحراف الكتابة
هل ترى أن الكتابة انحراف؟
– في رأيي أن الكتابة انحراف نحو قول المستور.. هذا المستور الذي يصبح الإفصاح عنه مع الوقت شيئاً من اللذة والمغامرة.
الكتابة انتصار على قبح الدنيا وتقلبات الأيام وغدر الأصدقاء.. ولو لم أكتب لكنت الآن مجنوناً يهيم في شوارع مغلقة وسماء مطفأة وشمس لا تجيء.
> ماهي تداعيات نهايات قمحية؟
– نهايات قمحية اتعبت ذاكرتي، لذلك عندما انتهيت من كتابتها شعرت أنني طهرت نفسي، نقيتها من شوائب الحياة ودرأت الأكاذيب، ولن أخفي عليك أنني كنت مثقلاً بهم وأريد البوح به وأريد أن أقوله وقد قلته بالطريقة التي خططت لها.. وكان هناك هاجس يدور حول أهمية الثورة وتقهقرها بعد 67م.. ويسيطر على مخيلتي خاصة وأن المادة الخام كانت أمامي، ولم يعد سوى إسقاط تلك المادة على هيئة رواية «نهايات قمحية» وكان ما رويته للناس، ولا يهمني إن كنت قد اخفقت أو نجحت المهم أنني أرحت نفسي وذاكرتي.. وجسدت ما هو الأصدق في نظري وما هو الأعمق، خاصة أنني حاولت الاستفادة من كل ما كتب.
النهــاية
هل نهايات قصصك ورواياتك مقنعة لك؟
– اتطلع يا صديقي إلى كشف الحقيقة.. إلى أن أقول كل شيء.. اتمنى دائماً أن اقول كل شيء عندي، بما يتوافق ورؤى الآخرين وليس بما يتطابق، والتوقف بيني وبينهم توقف نسبي.. ربما يزيد وربما ينقص لكني سأظل أبحث عن شيء ما مشترك.. شيء قد يكون للآن وقد يكون للمستقبل.. كل ذلك يحدث وأنا اتطلع إلى وضع حل لنهايتي أنا – وليس لنهاية ما كتبت – أنا أيضاً أحس أنني بحاجة إلى نهاية تشبه الكتابة.. بمعنى نهاية سريعة.> كيف توافق تطابق البدايات مع النهايات؟
– البداية والنهاية عندي مسألة فنية، لكنها لا تقلقني، فلست من بدأ وليس أنا من انتهى، أنا ذرة في هذا المحيط، والذين بدأوا الحرب هم أناس غيري أعرفهم ولا اعرفهم، والذين انتهوا لا تربطني أي علاقة بهم سوى علاقة المشاهدة.. أنا شاهدتهم فقط ووثقت لتلك اللحظة ثم تمنيت لو لم أوثق.
أتمنى لو تجد لي عذراً، فأنا لم أبدأ مطلقاً.. الذين بدأوا هم أغبياء جداً، والذين انتهوا أكثر غباء.
> كيف ترسم شخصيتك الروائية في نسق الحكاية؟
– الحكاية هي التي رسمتني، ومهما كان التطابق بيني وبين ما أكتب، قد تكون المفردات هي مفرداتي والأسلوب هو اسلوبي، وقد يأخذ الحدث لون بشرتي، وتأخذ الحبكة لون عيوني، وتأخذ الرموز شكل ضحكتي، ولكن لا يعني كل ذلك أنني أنا الذي خططت للرواية، أنا يا صديقي جزء من الثانية في الحكاية.
الإحساس بالزمن
> كيف يتجسد إحساسك بالزمن الحكائي في روايتك «نهايات قمحية»؟
– هذه أيضاً مسألة فنية والإحساس بالزمن ركن أساسي في الكتابة، لأن الكتابة السردية تغوص في الأحداث المتنامية وهذا التنامي ما هو إلا تنامٍ داخل الزمن.. إذن فالزمن يشكل ركناً أساسياً من أركان الكتابة ولا توجد كتابة بدون زمن لأن الزمن حاضر بشكل أو بآخر، ورواية «نهايات قمحية» تتفجر أحداثها داخل زمن محدد مرت به اليمن، هذا الزمن هو زمن حصار السبعين إنها توثيق غير رسمي لتلك الفترة وما دار حولها – أي تلك الفترة – لم يكن إلا شكلاً من أشكال الاسترجاع لأحداث مرت بها شخوص للرواية.. فالرواية «نهايات قمحية» تبدأ زمنياً قبل «حصار صنعاء» بشهور، في تلك اللحظة التي استشعرها «منصور مقبل» حين عرف أن صنعاء ربما تسقط في برتن القوى المناوئة، القوى المستفيدة من بقاء بلادنا خارج التاريخ.. عندها وصل صنعاء.. كان يريد العودة إلى عمله الرسمي لكنه رفض ومعه جميع أصدقائه الذين كانوا معه في «الصين».. وهنا تكمن الروح الانسانية للبطل «منصور مقبل» لأنه لم يقف مكتوف اليدين ولم يتقهقر ولكنه حاول البحث عن البديل، ووجده في المقاومة الشعبية.. وهذا حدث على الواقع، ولا زال إلى اليوم فهناك من يبحث عن حل من أجل البقاء داخل المعترك.. وهناك من يشعل شمعة ولا يلعن الظلام، لأن اللعن يعني استهلاكاً للوقت، المهم أن منصور مقبل انخرط في قيادة المقاومة الشعبية ووقف مع صنعاء، حتى أنه قدم دماءه ثمناً لذلك.
الاسترجاع الزمني يكمن في تذكر منصور مقبل لمشاركته في تفجير الثورة.. وهذا في رأيي يعني تماسك الزمن والاشتغال داخل نقاط محددة تتباعد، ثم تتماسك، تنفصل، ثم تعود للالتقاء مرة أخرى.
عوالم الحزن
> ما الذي يشدك نحو الكتابة بعوالمها السردية؟
– أنا عندما أكون حزيناً أكتب كثيراً، ويتحول الحزن عندي إلى دافع للكتابة، ولكن عندما يتعلق الحزن بالألم.. الألم المتعلق بحريتي.. المتعلق بحياة أطفالي مثلا، بطريقتهم في الحياة، عندما يكون الألم متعلقاً بهذه المسائل يتحول إلى كابوس وإلى شلل حقيقي.. شلل يثنيني عن الكتابة والبوح، والضحك، لكنني في الغالب أحاول المقاومة.. المقاومة بالاستماع إلى فيروز وكتابة الخواطر الخفيفة، ثم انتقل بعد ذلك إلى كتابة القصة والمقالة الأدبية، كل ذلك مقترن بالموسيقى.
أنت تعرف أن الحياة مليئة بالمرضى، وهناك مرضى حقيقيون لكنهم لا يدركون من هم الأصدقاء من الناس، الذين تعتقد أنهم يأكلون ويشربون معك وأنت لا تدري أن في أعماقهم تنام قطعان من الذئاب المتوحشة، قطعان لا تفكر إلا بالفرصة السانحة من أجل افتراسك، إن مثل هؤلاء أنا أنظر إليهم بحب، لأنهم جزء موجود.. أقول في نفسي هذه هي (الشيزوفوينيا) وأعيش مديناً لهم لأنهم ربما ساهموا في تربيتي دون معرفتي عبر المدرسة، والمسرح وربما ساهموا في وصول كتاب ما إلى يدي، ومثل ذلك يحدث، أنا شخص مدين للعالم وعلي أن أتعامل مع الآخرين على أنهم شخوص في قصصي ورواياتي.. شخوص تعيش إرادتها، لا أتدخل في تقرير مصائرها ومثل ذلك حدث في «نهايات قمحية».
الجديد
> يا ترى ما هو جديدك السردي الآن؟
– جديدي… أعمل هذه الأيام على ترتيب أوراقي، وإعادة النظر في كل ما كتبت، واعتقد أن على الكاتب والمشتغل في هذا الهم.. أن يعيد النظر في كتاباته فليس من العيب إعادة النظر في طريقة الكتابة وشكلها ومضمونها لأن الكتابة ما هي إلا عمل تجريبي يحكمها ميزان التذوق وميزان النفس المتكئة على القراءة المتواصلة.
وسوف أصدر قريباً مجموعة قصصية بعنوان «البرد» بعد أن أصدرت كتاب «اليمن في عيوني» الذي كان عبارة عن قراءة في المناطق الأثرية في بلادنا.
صحيفة الوحدة 2006 صنعاء