علي خلفية المشاركة في مهرجانات الشعر بالخارج .. حرب الشوارع في الثقافة المصرية
تحقيق ـ عزمي عبدالوهاب (2006)
أشياء كثيرة في مصر تدفع الإنسان لأن ينظر خلفه بغضب, لأنه سيري حرب شوارع قذرة, يختلط فيها الحابل بالنابل, ويتعامي الجميع عن القضية الأساسية لتجري عمليات التصفية, وحسابات المصالح الشخصية, كل ذلك باسم الثقافة. وبين هذا وذاك توجه الاتهامات للصحافة, يقول أحدهم: إن المبدعين الذين يعملون بالصحافة أفسدوا علي مصر كل شيء هذه المقولة أطلقها بهدوء أعصاب أحد شعراء السبعينيات في تحقيق صحفي, وأنا بدوري أدعوه لتقديم بلاغ للنائب العام ضد الأسماء التالية, لأنهم مبدعون, بعضم عمل لسنوات طويلة في الصحافة, وبعضهم لايزال سادرا في غيه, سائرا علي درب إفساد كل شيء علي مصر.
وهم: أحمد عبدالمعطي حجازي, صلاح عبدالصبور( بأثر رجعي) علاء الديب وفتحي غانم( وكلهم عملوا بمؤسسة روز اليوسف) جمال الغيطاني ومحمود الورداني وعزت القمحاوي ومنصورة عزالدين وحسن عبدالموجود وياسر عبدالحافظ( ومحلهم المختار مؤسسة الأخبار) أيضا حلمي سالم( الأهالي) وبهاء جاهين( الأهرام) وهو يستحق أن يقدم ضده بلاغ ثان باسم لجنة الشعر بالمجلس الأعلي للثقافة لأنه مثل مصر بجوار عبدالمنعم رمضان وحلمي سالم في مهرجان شعري بباريس, وهنا فإن جريمته مزدوجة, إلا إذا كان قد حصل قبل سفره علي ما يثبت أنه شاعر من لجنة الشعر.
يمكن أن تضاف إلي هذه القائمة أسماء أخري علي سبيل المثال لويس عوض, غالي شكري رجاء النقاش, فريدة النقاش, عبلة الرويني, إبراهيم أصلان, صلاح فضل, جابر عصفور( مع الوضع في الاعتبار أن آخر اثنين منهم لهما مساحات ثابتة في صحف كبري) والأخير علي وجه الخصوص يهمل الشعر ليقيم مؤتمرات للنقد والرواية والترجمة, لا يحضرها الجمهور, ويدعو إليها أصدقاءه من النقاد والروائيين والمترجمين والصحفيين طبعا, عموما هذا يذكرنا باتهامات الفنانين والفنانات للصحافة وهم أول من يسعي إليها!
كل هذا اللغط فجرته دعوة وجهت إلي أحمد الشهاوي من مؤتمر شعري بكولومبيا, رأت لجنة الشعر أن في سفره خرقا لناموس اللجنة, التي يستأثر أعضاؤها بدعوات تمثيل مصر في المؤتمرات الشعرية الخارجية, فهم وحدهم من يمنحون صكوك براءات الشعر, وبالتالي لا شعراء خارج لجنة الشعر, ولذلك عجزت اللجنة عن إقامة مؤتمر شعري يليق بريادتنا المصرية( حماها الله) لأن اللجنة الموقرة لا تري أبعد من مواطيء أقدام أعضائها( الموقرين), ولأننا لسنا بعيدين عن هذا المناخ الرديء فإننا نتهم لجنة الشعر بإفساد الحياة الثقافية( لا مصر) لأن أعضاءها الذين يتناوبون فرص تمثيل هذا الوطن في المهرجانات الخارجية, لم يمنعوا عربا من القول إنه لا شعر في مصر يبدو أنهم لم يقنعوا أحدا بإسقاط هذه المقولة.
وعندما شعر البعض بأن الشعر يجد متنفسا في مكان آخر, أطلقوا رياحهم الخماسينية, لتعمي الرؤية, وتهيل التراب علي كل شيء, حتي لو كان في صنعاء, ففي مقال لمحمود قرني بأخبار الأدب يجري الحديث عن أن الجريمة في مصر والمهرجان في صنعاء والجريمة أن مجموعة من الشعراء المصريين الذين سافروا للمشاركة في الملتقي الثاني للشعراء الشباب العرب الذي عقد في اليمن في الفترة من22 إلي26 أبريل الماضي يجمعون بين الشعر والعمل بالصحافة, بعضهم وجهت إليه الدعوة مباشرة من اللجنة التحضيرية للملتقي, وبعضهم الآخر رشحه أحمد الشهاوي, وكان محمود قرني ضمن الفريق الثاني, وهو يجمع بين الشعر والصحافة أيضا, وكونه( قرني) شارك من قبل في مهرجان جرش بالأردن الذي تدعمه وزارة الثقافة الأردنية, أو مهرجان لوديف بفرنسا الذي يشارك فيه الإسرائيليون, ودائما تثار شبهات تطبيعية حول من يشارك فيه من المصريين فقط( لماذا؟ لا أعلم) فهذا لا يعني أن الشعر بات دوره حراسة العروش الكريهة لوزراء الثقافة في وطننا المنكوب وهذه الجملة صاغها محمود قرني علي هيئة سؤال في مقاله المذكور, حيث تعرض لـ النموذج المصري السياحي الكرنفالي الذي انتقل إلي اليمن, وذلك لأنها أقامت ملتقي شعريا للشعراء الشباب العرب, الذين يقصيهم حراس الشعر في بلدانهم من مؤتمراتهم وجوائزهم, فهم في مصر مثلا محرومون من منح التفرغ وجوائز الدولة التشجيعية والنشر العام بهيئة الكتاب إلا من رحم ربي(!) وعلي هذا الأساس فإن معركة محمود قرني هنا في مصر, لأن الجرائم التي تطاله بشكل مباشر هنا في مصر.
وعندما تأتي صنعاء لتضع هؤلاء الشعراء علي خارطة الشعر العربي يكون الحديث عن جريمة وكرنفالات, نعم هناك سلبيات, أشار إلي بعضها قرني وآخرون, وهي صحيحة, أبرزها وضع مجموعة من الأسماء في قائمة ضيوف الشرف وليست المشكلة في أن بعضهم لا يستحق كما أشار هو ولكن الفكرة مرفوضة من الأساس.
ومتي تخلو مؤتمرات القاهرة( الكبيرة) من جرائم, حتي نحاكم صنعاء التي لا تمتلك خبرات العاصمة الكبري ذات التاريخ الطويل في نفي الآخر وصعوبة التواؤم مع الجديد, فعافية الأمم تقاس بما تقدمه من أصوات شابة جديدة في كل المجالات, فما الذي قدمته مصر ثقافيا خلال النصف قرن الأخير علي الأقل حتي نضرب بسيفنا خارج حدودها؟ ومتي صنعت المهرجانات شاعرا حتي ننزعج كل هذا الانزعاج لمجرد أن مجموعة من الشعراء سافروا إلي الملتقي الشعري الثاني في اليمن؟ المؤسف أن شاعرين من شعراء السبعينيات كانا يتسقطان أخبار الملتقي, وهدد أحدهما بالكتابة ضد الملتقي, وأشاع الآخر أن وزارة الثقافة المصرية هي من حدد الأسماء, فأقصت أسماء من القائمة وأبقت علي من ترضي عنهم.
هل بدأت فوضي كوندوليزا رايس الخلاقة تؤتي أكلها في ساحة الثقافة؟ يبدو أن هذا ما يحدث, فكل ما خرج به أحد الصحفيين من مقال قرني وتبعا لما نشر في الصفحة الأولي من صحيفة يومية, فإن من سافروا إلي صنعاء مجموعة من مندوبي الإعلانات علي اعتبار أنهم شعراء وهذا خلاف الواقع ليست المسألة إذن وجهة نظر في القيمة الشعرية لمن سافروا, بل إنما تحولوا إلي مندوبي إعلانات علي يدي المحرر الذي خرج بهذا الاكتشاف العبقري من المقال المنشور بأخبار الأدب.
ويصل الأمر إلي أقصي مداه في سوء النية حين نطالع هذا العنوان في صحيفة أخري: حجازي يستعد لملتقي القاهرة للشعر العربي.. والعائدون من صنعاء يهاجمونه بشدة وهي صياغة عبقرية جديدة, تذكرنا بملفات الأمن المصري حين تقدم للمحاكمة مجموعة من الإرهابيين تحت اسم تنظيم العائدون من أفغانستان أو العائدون من ألبانيا فما علاقة حجازي بالعائدين من الجحيم, ولماذا تسأل المحررة د. محمد عبدالمطلب عن أداء شعراء مصر تحديدا في صنعاء إذا كان الغرض تقييم ملتقي صنعاء بشكل عام؟ ولماذا يجيب الرجل بلغة تعميمية: كان منهم الجيد كما كان منهم الرديء؟
هنا يستحق د. أحمد كمال زكي مقرر لجنة الشعر السابق تحية خاصة, لأنه تناول قصيدة النثر علي صفحات أخبار الأدب بموضوعية شديدة, بعد أن بحث عن نصوص شعرائها, ولم تهد إليه, وقال كلمته بعد أن رأي, مستندا إلي النص لا إلي المقولات الجاهزة, التي أدمنها بعض نقادنا الكبار والصغار علي السواء, وهذا لا يعني أن د. زكي كان منحازا للنص الجديد.
وتتوالي الأسئلة بالتداعي مع التحقيق الصحفي المشار إليه: هل يسيء إلي الملتقي أن ورقة بحثية انتقدت أحد الدواوين؟ وهل معني أن التليفزيون بث حوارا يهاجم قصيدة النثر أن هناك مشكلة خاصة بالملتقي؟ فهذه النقاط جاءت عقب تلك العبارة: بقي أن نقول إن المواقع الأدبية علي شبكة الإنترنت تناقلت أحداثا أخري لم يتطرق إليها البعض وكأن الهجوم علي قصيدة النثر عوار حاول البعض إخفاءه.
ويبقي أن نقول نحن إن التحقيق انتهي بمغالطة تحمل الملتقي مسئولية تكفير نائب رئيس اللجنة التحضيرية الشاعر علي المقري بسبب مجموعته الشعرية يحدث في النسيان, وحقيقة الأمر أن هذه الواقعة تعود إلي عام1997, حين اتهمه وزير الأوقاف اليمني السابق الشيخ ناصر الشيباني, بالطعن علي الرسول بسبب مقال( لا قصيدة) نشره المقري عن الخمر في الإسلام, وذلك قبل أن يعقد الملتقي الأول للشعراء الشباب العرب في العام.2004
وعاود الشيخ حملته في العام2003, متكئا علي إحدي قصائد المقري, فهل هذا يحسب علي الملتقي وعلي العائدين من أفغانستان, آسف صنعاء؟ وهل نجا فرج فودة ومكرم محمد أحمد ونصر حامد أبوزيد ونجيب محفوظ وغيرهم كثيرون من فتاوي التكفيريين ورصاصاتهم وسكاكينهم المثلومة في مصر؟ المتطرفون في اليمن لا يختلفون كثيرا عن أشباههم في مصر.
وينبغي أن نحاكم وزارة الثقافة المصرية ـ بجد ـ لا لأنها بكل قياداتها هيأت مسرح بني سويف ليكون محرقة للمبدعين فحسب, بل لأن كلية الفنون الجميلة مثلا لم تعد كلية للفنون الجميلة, ولأن ثقافة مصر تدفع الشباب للانتحار, رغم أن حملة مشاعل التنوير في وزارة الثقافة وخارجها يملأون الدنيا ضجيجا, من غير أن يهيئوا المجتمع إلي الانفتاح علي فكرة الثقافة في حد ذاتها, وعلي حب الحياة, فالمسألة ليست أن كلية الفنون الجميلة تابعة لوزارة التعليم العالي, حتي يتنصل مسئولو الثقافة من تبعاتهم, فهم مسئولون في الأساس عن جانب كبير من جوانب تشكيل الوجدان المصري, بإشاعة فكرة الثقافة, عن طريق نشر الكتب وإقامة المؤتمرات والحوارات وإبراز المواهب, وذلك لمحاربة التطرف في كل شيء, فقد نجحت الفضائيات في أن يلتف الجمهور حول قضية تامر حسني الفاسدة, في حين فشلت مؤتمرات الثقافة وخناقات المثقفين في أن تجتذب جزءا ولو ضئيلا من جمهور القراء.
وبالمناسبة أو بدون مناسبة يشغلني سؤال بريء عن الدور الذي بات يلعبه الناشر العراقي فخري كريم في الثقافة المصرية بعد أن لعب أدوارا في تاريخ الحركة الشيوعية العربية الحديثة, فـ كريم كان يعقد أسابيع المدي الثقافية في كردستان العراق أثناء الحصار, وحاليا الاحتلال الأمريكي للعراق, ويذهب الشعراء والفنانون المصريون إلي هناك للمشاركة, من غير أن يطالهم رذاذ الاتهام بالعمالة, والكارثة أن صنع الله إبراهيم ـ مثلا ـ اكتشف هناك أصوله الكردية.. ماذا يحدث فعلا؟!*
عيد عبدالحليم: الشعراء يروجون لـ زمن الرواية
بات من الواضح أن جزء أساسيا من أزمة الشعر العربي عامة والمصري خاصة تكمن في الشعراء أنفسهم, فالكثيرون منهم انشغلوا عن قضيتهم الأساسية وهي الدفاع عن حقهم المشروع في الوجود الإبداعي من خلال نصوص مغايرة وراحوا يملأون المنابر الإعلامية بالضجيج, من خلال مقالات الرفض ونفي الآخر والهجوم, دون مرجعية حقيقية لهذا الهجوم. وللأسف الشديد فإن بعض الشعراء يساعدون علي ترويج مقولات معادية للشعر مثل زمن الرواية معتبرين أن موقفهم العدائي هذا يجعلهم من أصحاب المواقف, وهذا مغاير للحقيقية, فالموقف الحقيقي أن تكون شاعرا من خلال التجربة, لكن أن تكون شتاما وتنقص من قدر الآخرين بدعوي الدفاع عن الشعر فهذا لا يجوز. علينا أن نزيل ميراث الأسي الذي مازال البعض يمتنح منه حتي الآن, ويجعلهم يتناسون أن الشعر موهبة لا مهنة, وأن الشعر نص متجاوز, وليس مطية للسفر للمؤتمرات والمهرجانات الخارجية. وهكذا تقاس الأمور وأعلم أن ما يحدثه البعض من ضجة حول مثل هذه الأمور إنما يشبه فقاقيع الهواء التي ما تلبث أن تنتهي,
لكن مع الأسف هذه الفقاقيع تترك خربشات دامية في جسد الثقافة المصرية المترهل.
فارس خضر: لماذا مات عـلي شلش؟!
سؤال ينخر رأسي دائما, ما الذي يجعل شاعرا مهمته الأولي ترميم روح الإنسانية المنهارة يصاب بالعنجهية فيتصور أن لديه الحق في إصدار أحكام قيمة علي شعراء آخرين؟ ولماذا يخلق هذا المناخ الثقافي المشوه كائنات مزهوة بنفسها إلي هذا الحد الذي يجعلها تنفي الآخرين؟! أتساءل فحسب دون أن أنزلق إلي فخ التقييم الموحل بالآراء الشخصية النسبية, لكنني بنفس القسوة سأنفي صفة الشعرية عمن لا يتصفون بقدرات وطاقات إنسانية تليق بما أتصوره من روح الشاعر كيف لنا أن نقبل كل حملة الخناجر الثقافية وهم يتجولون حولنا ليل نهار يطعنوننا حينا, ويلوحون في وجوهنا بأسلحتهم السوداء المدعومة بنظريات وآراء مسنونة بدقة علي حجر الحقد والضغينة والكراهية, فالمهاجمون لملتقي صنعاء يرون أن فريقا من الشعراء المصريين لا يعبرون عن المشهد الشعري لمجرد أن بينهم من يعملون في مهنة الصحافة, يا للرأي المقرف!! لا أحد يطعن في شعرية الآخر عن دراية أو حتي قراءة عابرة فقط, ذوات متضخمة منفوخة تشوه كل جميل لتشعر بالرضا عن نفسها. هل تصدق أن حكاية بسيطة جعلتني أراجع محبتي لأمل دنقل, يحكي أن مواطنا سوريا مصابا بالعرج جاء إلي مقهي ريش وقال بصوت عال: أين أمل دنقل لقد قطعت كل هذه المسافة لكي أراه؟! فما كان من شاعرنا إلا أن نظر إليه وقال: تعال يا أعرج!! أنا أحب ذلك الشاعر الذي يصحو من نومه ويشعر بذنب ما, يشعر بأنه متواطيء في هذه الحياة لأنه لا يستطيع أن يمسح الدم عن جسدها, ذلك الشاعر المغمور بالأسف والمشحون بمحبة تكفي العالم هو الذي أحبه, وماعداه فينبغي أن يعامل بنفس القسوة. ذهبت إلي صنعاء وسعدت بشعراء حقيقيين وبصحبة محبة, ولا يعنيني أن يمنحني بعض اللاعنين ألقابا من عينة مندوب الإعلانات أو أن تعتبر جريدة أدبية متخصصة إقامة ملتقي شعري في بلد عربي جريمة, أليست هي التي وصفت شعراء من قبل بأنهم شواذ فمات علي شلش كمدا من قسوة الابتذال والوضاعة الإنسانية.
كريم عبدالسلام: الفرجة علي عجائب المخلوقات
كان الملتقي الثاني للشعراء الشباب العرب بصنعاء تأكيدا لما أسسته الدورة الأولي للملتقي من مراهنة علي المستقبل وعلي القصيدة الجديدة في مختلف الأقطار العربية. أشهد بوجود روح محبة للإبداع لدي إدارة الملتقي, وأشهد بوجود حرية وتفاعل افتقدناهما في عديد من مهرجاناتنا, وهذا لا ينفي وجود ملاحظات أعربنا عنها بتلقائية للمسئولين عن تنظيم الملتقي, ويكفي التأكيد علي التجديد والتجريب سمتين أساسيتين في ملتقي شعري عربي.
عدت من صنعاء إلي القاهرة بعد أن قرأت شعري دون حذف أو خوف, وفي ذهني خطة لتنظيم ملتقي شعري مصري يضم مختلف التيارات والأجيال في إطار قصيدة النثر, يمكن أن يتطور ليصبح ملتقي عربيا, يضم أطياف قصيدة النثر. لكنني بعد العودة, وبعد حالات النميمة وتقطيع الملابس حول الملتقي وحالات اللطم والندب بشأن التمثيل المصري في المهرجانات وتوزيع الاتهامات المجانية, وجدت أنه من الأفضل الاستمتاع بقطعة موسيقي أو التجول في شوارع القاهرة ليلا أو إعادة قراءة شاعر أحبه أو الإنصات لقصيدة تتشكل, مع الاكتفاء بالفرجة علي عجائب المخلوقات لدينا, وترديد أبيات توفيق صايغ في القصيدة رقم27, من ثلاثون قصيدة: ما الذي يضيء لي الزقاق الأسمر/ويوجه خطاي متسارعة/إلي حيث يسفك الخصب فيضا/وتبقي البراري براري.
محمد الحمامصي: يتجاهلون الشباب لتحيا الأصنام
الهجمة التي تعرض لها ملتقي صنعاء للشعراء العرب الشباب والمصريين الذين شاركوا فيه لم تصدر عن رؤية موضوعية تنتمي للفعل الإبداعي أو الثقافي, وإنما في رأيي تنتمي إلي جهل وعمي بصيرة فالشعراء المصريون الذين شاركوا في الملتقي لكل منهم خصوصيته بل لبعضهم فضل حضور قصيدة النثر المصرية علي خارطة الشعر العربي الجديد كله, لأنهم سبقوا إلي هذه القصيدة ورسخوا للكثير من تقنياتها, وأيضا لأنهم تجاوزوا التجارب السابقة. لقد احتفت صنعاء أشد ما يكون الاحتفاء رسميا وشعبيا وإعلاميا بالشعراء العرب الشباب, واحتضنت ثراء التجربة الشعرية العربية الجديدة علي تنوعها واختلافها, وأتاحت لها أن تتفاعل في مناخ إنساني راق يتطلع لمستقبل أكثر تفاؤلا بالشعر والشعراء, فلماذا يهاجم الملتقي في مصر دون غيرها من البلدان العربية التي شاركت فيه؟ أولا لأن البعض في مصر يستكثر أن تكون صنعاء عاصمة للشعر العربي الجديد, وأن يكون لديها مثقفون مهمومون بحضور وطنهم علي خارطة الإبداع العربي, وثانيا لأن مصر تمتلك أكثر التجارب الشعرية العربية اتساعا وقوة وثراء وتجاوزا وإضافة, وثالثا لأن مصر تعاني دون غيرها من البلدان العربية من هجمة شرسة تهدف إلي قتل الشعر والشعراء تجاهلا ورفضا وتحجيما ونفيا, لأن هناك من يريد قتل التجربة الشعرية المصرية وتثبيتها عند جيل أو جيلين, ورابعا لأن هناك في مصر من يري حياته في تجاهل الشباب الشعراء, وخامسا لأن الحركة النقدية المصرية علي يد أصنامها فقدت قدرتها علي تطوير آلياتها.
نجاة علي: عندما يكون النقد فرقعة إعلامية
النقد في حد ذاته ضرورة, وشيء صحي للمجتمعات التي ترغب في الترقي, شريطة أن يكون هذا النقد موضوعيا, ولا يتخذ كوسيلة لتصفية الحسابات مع الآخرين أو النيل منهم لأهداف شخصية دون التحول إلي فرقعة إعلامية, ولا أنكر إعجابي بفكرة مؤتمر شعري عربي للشباب, بعدما شبعنا من المؤتمرات التي تمتليء بالشعراء الكبار الذين تحولوا بفعل الزمن إلي رموز ينبغي علينا تقديسها مدي الحياة وكانت فرحتي من ناحية أخري أن الذين رشحوني في المرتين الأولي والثانية أنا وبعض الشعراء المصريين مثل كريم عبدالسلام وزهرة يسري وهدي حسين, وجرجس شكري وعزمي عبدالوهاب, كانوا شبابا مثلنا طلب منهم وزير الثقافة اليمني ترشيح بعض أسماء الشعراء الشباب الذين يقرأونهم وتعجبهم كتاباتهم. رأيت أن هذا تقليد جميل من الوزير حيث تعودنا علي أن الوزراء لا يعتمدون في هذه المهام إلا علي الشيوخ الذين لا يختارون إلا الأسماء الكبيرة المتنفذة ثقافيا أو إعلاميا. وفي جلسة جمعتني بالصديق الشاعر علي المقري أبديت له اندهاشي من الأعداد الكبيرة التي وجهت إليها الدعوة مما شكل أزمة حقيقية ذكرتني بأجواء الندوات الشعرية في معرض القاهرة الدولي للكتاب. أيضا أبديت اندهاشي من الحضور الكبير علي عكس الملتقي الأول2004 للشعر العمودي علي الرغم من أن المؤتمر خاص بالشعر الجديد. لكن الجميل فعلا هو الطريقة التي استقبل بها علي المقري انتقاداتي الكثيرة, حيث بدا رحب الصدر وهو ما نفتقده في حياتنا الثقافية .
– عن مجلة الأهرام العربي 2006