المودة – سعد الجوير
لما كان حضورهم يستعصي و يباغتني غيابهم الفصيح ، صففتُ الحديثَ ، و انتظرت بين مدينة من الأسئلةِ و زمنٍ يستبخلُ فلا يوزّع هداياه كلما انتظر أحبابه و لا يجازى بغيرِ انتقاماتهم .
و لما كان الكلامُ جنةَ الوحدةِ توزّعتُ في جراحه و جعلتُ حدقتيّ لدى غابتهِ البعيدةِ ، و لما أفسد الغيابُ جرأتي تركتني لديه و تعاميت !
كلما مشيتُ تناوبتني الظنونُ ،
فأركضُ .
لا أثرَ لمحطاتِ قطاراتٍ
و لا هسهسةٍ لمطاراتٍ بعيدةٍ
فيما تكون الشواطئ تأريخاً و لا وجود لها الآن
عزائي ..
أمنية وحيدة و عامرةٌ بالشؤمِ
فكأنَّ دمي يسيل لأستمع لصوتِ العتمةِ يلفني بطيئاً ثقيلاً و يدفعني حيث شرائك الضباعِ و خلوةِ النسورِ بفريسةٍ فطست.
صار يسائلني مجدٌ قديمٌ ؛
عن الماء الذي
صحواً في الينابيعِ
و النجمةِ التي
وحيدةً في سماء مظلمةٍ
و القميص الذي
براءة يشتمّه الذئبُ و يضع علاماته على طريقٍ موحشةٍ و طويلةٍ و ليس فيها سواه من أثر.
وجه معلقٌ بينَ سماواتٍ كاملةٍ و نصف أرضٍ هو الجحيمُ أم أقولُ هو ميزانُ الفصل بين الجدّ و الحفيد؟
الجنةُ : هي الغامضُ الذي يكونُ جحيماً كله في الغياب .
كنت لغيابهم أشعل مواقدَ الندمِ و أصنعُ الندماءَ الطيبين و تشيرُ إليّ النجمةُ من هناكَ فلا أهتدي و لا أعودُ أدراجي .
كلما دفعت أذنيّ في جهاتهم يغني الصدى أن لا أتبعهم فتُهزُّ حيواتي و تكون لي غصةُ المسافرِ و مباغتة الطريدِ .
تصطفُّ طويلاً مباهيةً أمامي فيالقُ الندمِ ، ينفتحُ الدربُ بعدها و تتسع الخطى ، و أمرّ على حجراتي المضيئة في صحراء شاسعة .
أقول :
لماذا يا أنتم
نصِفُ لكم الحبَّ و تصفّونَ لنا المكائدَ ؟!
و أقول :
لماذا نصنعُ لكم الزعفرانَ و البخورَ
و الوردَ الذي اشتريناه بفقدِ آخر أسمالنا
و تضعونَ لنا الوحشةَ و أكياسَ الضغينةِ
و توزعونَ على أطفالنا
عيدَ الجنازات ؟!
كنت أراهم هناك ؛ يقلبون وجوههم في فضاء غربةٍ موحشةٍ ، و ينتخبون خطواتهم ، حتى لا يباغتهم لهاثُ الفّارينَ فلا يبتعدون عن الأرضِ التي حرثوها طويلاً ، و أسرّ في دخيلتي : كلما امتدت بهم الغوايةُ انفتحت لهم الجهاتُ كلها و باتوا في مهبّ الرائحة .
أقربُ شجيرةِ الفوضى
فلا يداهمني الندمُ
كلما أضأتُ قناديلَ الشارعِ .
كادت تكون لي المودةُ
موضوعةً في قارورةِ المكائدِ
و تتثاءب أمامي دروبُ الضغائن .
مازال في المكانِ
تجربةٌ أضع أقدامي
في الأرضِ الخطأِ .
لستُ لأبحث عن ندماءٍ ، ليتراجع الجميعُ عن المخلبِ و النابِ .
لقد تبعثرت أصابعي
و انشقّ قميصي
و ليس للذئب من شأنٍ .
و كان صديقي الغرابُ
و كان صديقي الثعلبُ .
كنت أقف هناك
تنهال اللحظةُ فتهتزّ شباكهم
و لا أكون الغشيم الذي في قدورهم
هذا المساء .