المهرجان في صنعاء والجريمة في مصر

محمود قرني 
أبريل 2006

المهرجان في صنعاء والجريمة في مصر
وتساؤل بريء: هل بات دور الشعر حراسة
العروش الكريهة لوزراء الثقافة في وطننا المنكوب!

اعتذاري للشاعر اليمني الموهوب ‘علي المقري’ لابد أن يسبق الاعتذار لوزير ثقافتة ‘خالد الرويشان’ وإن اختلفت الأسباب ­ جذريا ­ في الحالين..
اما اعتذاري ‘للمقري’ فيأتي كواجب محتم لشاعر يدرك أهمية الدور الذي يمكن لدولة في عراقة الجمهورية اليمنية أن تلعبه في مسارات الثقافة العربية التي تطمح الي تحديث تجلياتها الابداعية، وأظن أن المقري كان واحدا ممن دافعوا ببسالة عن اطلاق ‘مؤتمر الشعر الجديد’ الذي انطلقت دورته الاولي تحت راية عروبية في مطالع عام 2004 في العاصمة اليمنية صنعاء.
غير أن سوء الادارة وسوء التقدير والاهدار البالغ للقيم الادبية جميعا أجبرني علي الاعتذار عن عدم قبول تلك الدعوة اليمنية العزيزة للمشاركة في الدورة الثانية للمهرجان التي انعقدت في الفترة من 22 إلي 26 من ابريل الجاري.
رسالة الاعتذار لعلي المقري ­ فيما اعتقد ­ كانت في مستوي رقة وعذوبة الرد الذي وصلني منه، فرغم تحفظاته علي أسبابي ­ التي بدت طعنا اجماليا في المهرجان ­ إلا أنه حاول جاهدا أن يلتمس لها بعض الوجاهة وبعض الحق في الوجود.. وقابلها بالاحترام والتقدير الكاملين، لذلك أحببت أن اعتذر لعلي المقري، الشاعر، والانسان وكذلك لكل شاعر موهوب علي أرض اليمن يرفض أن يهان الشعر دفاعا عن العروش الخائرة لوزراء الثقافة العرب.
اما اعتذاري لوزير الثقافة اليمني فلا يتعلق ­ ألبتة ­ برقة مشاعره ولا بدوره في الارتقاء بالثقافة اليمنية أو اعادة الاعتبار لحضورها، حسبما ستذكر وتفصل التقارير الصحافية التي ستسفر عنها أيام الكرنفال اليمني الخمسة، وهو ما يبدو أنه الهدف الاوحد للمهرجان.
فقد تابعت عن قرب هذه الطريقة السافرة في اختيار الشعراء المشاركين وفي تدبيج قائمة تستعيد التقسيمات الفئوية والطبقية….. والأبوية اسمها ‘قائمة ضيوف الشرف’.
ومع التقدير الكامل لجميع المشاركين الذين تختلف أسباب مشاركتهم، فان ثمة تساؤلات لابد من طرحها في مواجهة هذه الامراض العربية المزمنة التي ترسخ خلالها النخب المثقفة لهذه الاشكال المتسلطة للعمل العام ومن ثم الوعي العام، تساوقا مع وعي الدولة الشمولية الذي يدعم الثقافة ليس باعتبارها أداة لتغيير الوعي ولكن باعتبارها أداة مناسبة للدعاية لنظم سياسية شبه فاشية، تعتمد علي المنطق البطريركي في ادارة شئونها وفي صناعة مساحات واسعة من التغييب تهدف في النهاية الي الابقاء علي قدسية الحاكم وعبودية المحكوم ولا تتورع مثل هذه الانظمة عن ارتكاب أبشع الجرائم حفاظا علي مساحات العنف والسيطرة الرمزيتين، في المقابل سنجد بين النخب الفاسدة من يبرر جرائمها تحت مزاعم بذيئة وفجة من قبيل الاستقرار والوحدة والهوية والابقاء علي الاوضاع الراهنة ضد الاستهداف الخارجي، وهو ما يبرر فيما بعد اتهام شرفاء هذه الاوطان بالخيانة العظمي، يتأكد هذا الفهم الدعائي من حجم المشاركين ‘ثمانون شاعرا عربيا بالاضافة الي مائتين وخمسين من شعراء اليمن’ فهل معدة الوطن متلبكة بثمانين شاعرا شابا، أم هي ضرورة ضرب جيد الشعر برديئه لتتحول الفسيفساء ­ إجمالا ­ إلي لوحة مزورة يزيح.. السيد الوزير الستار عنها وهو يفتح شدقيه أمام الكاميرات؟!

* * *
علي كل حال تضاءلت الوظيفة التي كانت تتمسح بقومية الدولة العربية، تحت وطأة غياب المشروعات السياسية وضمور الأهداف الكبري وتلاشي القيم الوطنية النبيلة، فذهبت الدولة إلي أحضان البيروقراطية والفساد ثم القمع، حتي تحولت هذه الاحلام الوطنية الكبري، التي كان يقودها مفكرون، الي عروش متهاوية لوزراء لا ينتمون للثقافة ولا يمتون اليها بأية صلة رغم انهم أوشكوا علي اعلان أخوتهم لها في الرضاعة.
ويبدو أن النموذج المصري صاحب الطابع السياحي الكرنفالي يتم تعميمه في ارجاء الوطن العربي، وربما دبج رجالنا المقالات تلو المقالات في عبقرية النموذج المصري القابل للتصدير.
ويبدو أن ابتلاء مصر بوزير ‘تشكيلي’ لم يعصم اليمن السعيد من وزير علي نفس الدرجة من التشكيلية، لدرجة نرجو ألا تصل الي حد التطابق. فالمرء يكاد يراوده شعور بأن فاروق حسني واحد من أولياء الله الصالحين حيث تحل بركته وبركة مؤتمراته علي وزارات الثقافة الشقيقة. وله الآن أن ينام ملء جفونه بعد أن صار له زملاء من الكرنفاليين الذين لا يعنيهم ­ مثله ­ انعقاد المؤتمرات في ذاتها بقدر عنايتهم بعدد الصحافيين الذين سوف يكتبون عنها، وقدر عنايتهم بعدد الكاميرات التي سترصد عدساتها حفل الافتتاح، وهذا النظر ليس غريبا علي رجل السياسة في العالم العربي، فحدوث حريق مروع يودي بحياة اثنين وخمسين فنانا وناقدا في مسرح قصر ثقافة بني سويف ليس هو الحدث، انما الحدث هو انتقال السيد الوزير الي مكان الحادث.
بهذا المعني لا أري غرابة في أن يحيل وزير ثقافة ما، أمر مؤتمر طليعي أو يدعي الطليعية والتقدم الي صحافيين هنا وهناك، ليختاروا شعراء من الصحافيين أيضا، أو ليختاروا مندوبي اعلانات باعتبارهم شعراء.
فعلها صحافي مصري يدعي الشعر وهو البعيد عن سماواته، فعلها نيابة عن الزعماء أو أشباه الزعماء الذين يفيضون عليه ويفيض عليهم، فعلها، حيث كان موكولا من السيد خالد الرويشان باختيار التمثيل المصري، وسوف ينتج الامر أثره قبل أن ينفض المؤتمر، ستكون صور معالي الوزير علي كل الصفحات، وربما انتهي المؤتمر الي اعتباره الرائد الحقيقي للشعر العربي الجديد، فهل كانت مصادفة ­ إذن ­ أن يكون اختيار الغالبية الغالبة من الشعراء من بين الصحافيين؟ وهل نخطيء اذا قلنا انها جريمة حقيقية ضد الشعر العربي، حيث الاهدار الكامل للقيمة الحقيقية للطاقة الابداعية الموهوبة، لشعراء فوق الحصر علي امتداد الوطن العربي، أستطيع أن أؤكد ذلك من خلال المشاركة المصرية ­ فالشعراء الذين شاركوا في الدورة الاولي للمهرجان ­ وإن كانوا يمثلون جانبا من الصورة ­ الا انهم لا يحتلونها كلها، لذلك لا يمكن فهم تكرار دعوتهم وتجاهل بقية المشهد، حيث كان لابد من استكماله بأسماء لا يمكن اقصاء أي منها، فهناك فتحي عبدالله، عماد أبوصالح، محمد متولي، علاء خالد، عاطف عبدالعزيز، أسامة الدناصوري، محمود خيرالله، ابراهيم داود، علي منصور، أحمد يماني، وعماد فؤاد، وآخرون لا تسعفني الذاكرة بأسمائهم.

* * *
أما بقية الاسماء التي جاءت من اختيار هذا الصحافي القفازي فلا تمثل شيئا ­ بالمطلق ­ في خارطة الشعر المصري . مع ملاحظة أن مفهوم ‘الشعر الجديد’ في ذهن اللجنة التحضيرية للمؤتمر يبدو محتاجا الي شيء من الضبط، فلم نستطع أن نتبين المعيار الذي يتحدد وفقا له مفهوم الجدة، هل هو السن، هل هو النص، أم هو الشكل، وهل قصيدة النثر هي المعيار الوحيد لجدة الشعر في نظر اللجنة، كل هذه أسئلة لم تستطع المقدمات النظرية التي شاعت حول دورتي المؤتمر الاجابة عليها بشكل واضح.
اما قائمة ‘ضيوف الشرف’ فهي الأخري اساءة لا تقل فداحة عن نظيرتها في اختيار قائمة الشعراء. والاساءة هنا لا تتعلق فقط بالاسماء المرموقة التي نالها الاذي من اجبارها علي قضم تفاحة معطوبة في سلة المهرجان.
فوضع مثل هذه الفوارق أمر غير سائغ الا في الثقافة العربية التي يبدو أنها منكوبة بمكبرات الصوت التي تصدع ليل نهار باسم الشاعر الكبير والناقد الكبير والصحافي الكبير أيا كان الحجم الحقيقي لهذا أو ذاك من هؤلاء الكبراء.
واذا كان لابد لنا من ‘كبير’ يؤمنا علي السنة التي استنها النظام الابوي، فهل يمكننا أن نسوغ وجود أسماء مرموقة ذات وزن شائع ومستقر في الثقافة العربية الي جوار أسماء ليس بامكانها تقديم المبرر علي احتلالها هذه المكانة، ويمكننا بهذا المعني تبجيل قائمة الشرف وهي تضم كمال أبوديب، صلاح فضل، محمد عبدالمطلب، جابر عصفور، قاسم حداد، حاتم الصكر، وحلمي سالم، لكن هل يمكننا تبجيلها بنفس الدرجة عندما نتبين انها تضم أسماء مثل: ‘أشرف أبواليزيد، ميسون صقر، ناصر عراق، أحمد الشهاوي، مجدي رجب، اسكندر حبش، عبدالكريم حسن، صبري مسلم، مبارك حسن خليفة، بالاضافة الي أسماء أخري نسمع عنها للمرة الاولي.
فهل وضع المؤتمرون اسم أشرف أبواليزيد واسكندر حبش ­ علي سبيل المثال ­ ضمن قائمة الشرف لقيمتهما الشعرية؟!!
أم لكون الاول يضمن تغطية موسعة في مجلة العربي وبعض المطبوعات الكويتية، والثاني يضمن مثلها في جريدة السفير؟ اذا كان الامر كذلك فلن اكون مخطئا اذا هنأت الزميلين علي مكانتيهما الصحافية المرموقة، ولو كنت اعرف لهما انجازا شعريا يؤهلهما لهذا الشرف لهنأتهما ­ كذلك ­ عليه.
وهل ­ بنفس المنطق ­ وضع المؤتمرون ناصر عراق، ومجدي رجب، وأحمد الشهاوي، بالإضافة إلي هذه الاسماء التي لا نعرفها ولا أظن القارئ الكريم يعرف عنها شيئا، فهذه أسماء لا يمكن لأحد أن يحصل علي أي معلومات عنها سوي من دليل التليفونات أو مصلحة السجل المدني ودار المحفوظات.
لن يضيرنا ­ بالقطع ­ أن يحصل هؤلاء علي أعلي الاوسمة اليمنية، أو غير اليمنية، لكن لابد لمثل هذه القوائم ­ المرفوضة جملة ­ أن تقدم البراهين علي هذه التمايزات المؤسفة وغير المقبولة التي اوقعت نفسها تحت طائلتها.
فكم تتحمل صحافتنا العربية من أوزار باسم أبنائها، وكم عدد الموهوبين في اليمن وغيره الذين يمكنهم أن يضاروا من مثل هذه الممارسات، وكم من هؤلاء الصحافيين يمكنه قراءة نص شعري قراءة صحيحة، وكم من هؤلاء يمكنه تقييم مهرجان شعري بهذا الحجم، لا انتظر ­ بالطبع اجابات علي هذه الأسئلة، بل أعلم حجم الحنق الذي يمكنها ان تثيره.
لكنني اعصم نفسي واصدقائي وكل من يشاطرني هذا النظر من مؤازرة مثل هذه الاعتداءات المخجلة علي الكائن الارقي الذي نملكه، فالشعر لن يترخص حتي لو استدرجته أيدي اللصوص والمقلدين بليل، الشعر جوهر أمة علي أعتاب الضياع، فهل يليق بنا المشاركة في حمل الجناز؟!
وهل يستحيل ما نكتبه الي بنادق وحراب نحرس بها العروش الكريهة لوزراء الثقافة في وطننا المنكوب؟!
2006

اترك رد

اكتشاف المزيد من عناوين ثقافية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading