مختارات شعرية لعلي المقري
“أنا الذي كنت في المرآة”: مختارات شعرية
يحدث في النسيان
(1997-2002)
جثة النصر
يهتكونَ النِّسيان
بحثوا عنه في الهيْبَةِ,
صرخ أقلَّ من رصاصةٍ:
– أنا لستُ قميصَ الشَّعبِ,
أو حذاءَ الدولةِ.
لكنهم تحدَّثوا عن تفاصيله,
كأنَّهُ جُثّةُ النّصر
كأنَّه ليس هو
كأنَّه كانهم
كأنَّه كان
نسينا الكلام
جئنا على حربٍ, في ليلٍ يتراكمُ فوق بعضه الذي هو نحنُ.
قَطَعْنَا الإسفلتَ, ومضينا في طريق سيَّل خطواتنا إلى جهات تسْطعُ بالعتمة وهي تحترق بحطب الأوهام وزيت العادة.
نمشي حيثُ لا نمشي
كأنَّنا عرفنا الحربَ أوَّ لَ مرةٍ
أو عُدْنا من موتٍ توغَّلَ في أصواتنا
نحن الذين كُنَّا قد نسِينا الكلام
نتحدث بصمتِ صافرٍ(1)
كي لا نُتَّهَمَ بالصَّمْت أو بالكلام.
1 – صافر: طائر يصفر ليلا خيفة أن ينام فيؤخذ ومنه المثل:هو أجبن من صافر(المنجد).
صرتُ أشبه الذي هو أنا
أنا الذي هو كنتُ في المرآة
لم أكن أنا الذي كنتُ هو خارجها.
استسلمتُ للمرآة,
أنا الذي هو في خارجها
هو الذي أنا في داخلها.
صرتُ أشبه الذي هو أنا
20/8/2002.
ثم قال
جاء قبل أن يحدُثَ ما حدَثَ
وكان يظُنُّهُ ألاَّ يحدُث.
ما حَدَثَ حدثَ في حضورِه
أحداثٌ كثيرةٌ, قال, قد حدثت من قبلُ
لكن ما حدثَ هذه المرَّ ةَ, لم يكن قد حدثَ
لقد حدثَ في حضوره.
ثم قال:
هكذا, حدث ما حدث..
حدث ما حدث لأَنَّ هناك من تذكَّرَ ما لم يحدث
……………….
………………
……………..
……………..
ما لمْ يحدُثْ كان يحدُثُ في النِّسيان
21/5/2002
أنامُ بدون عُكَّاز
أنامُ في النَّهارِ
أصحو في الليلِ
أنام في الصَّحو
أصحو في النوم
هكذا, أكسِرُ الأزمنة من عَضُدِها
أكسر حاجتكَ إليَّ,
حاجتي إليكَ,
لنبلك العالي,
وانضباطكَ الرفيع
أكسر النهار من ساقه
وأنام بدون عكَّاز الغد
21/1/2002.
الأيّام الصعبة
ظننَّا الحياةَ سهلة،
إذْ رافقنا كارل ماركس لسنوات طويلة
كان يشدُّنا ، منذ طلوع الفجر حتى هبوط النَّوم،
إلى ثورات وانتفاضاتٍ ومظاهراتٍ
تُزيح السِّتارَ عن بهجة الحياة
إلى أبدِ الأبد
كانت أيّاماً سهلة،
أن نصحو مع (مارسيل خليفة) نُغنِّي:
(منتصب القامة أمشي
مرفوع الهامة أمشي
في كفّي قصفة زيتون
وعلى كتفي نعشي)
أو ننهضُ مع شمس (فيروز):
(طلعت يا محلى نورها
شمس الشموسة)
كانت أيّاماً فقيرةً وسهلة،
فبالرغم أننا لم نكن نؤمنُ بوجود رب كريمٍ أو بخيل
كان يكفينا لنغالط الفقر أنْ نغنِّي (سيد درويش):
(ياللي معك المال
برضه الفقير له رب كريم)
كانت أيّاماً سهلة،
حتى عندما تراكمت الخيبات،
وصرنا كثيراً ما نمسك الرفيق كارل ماركس بذقنه الكث،
ونعاتبه مثل أيِّ شيخ مسلم : (الله المستعان).
بعدها أيضاً،
كانت أيّاماً سهلة،
ونحن ننتقل إلى السكن مع جان بول سارتر
مجاورين سيمون وكامو
حيث لم نعد نقول، أبداً، صباح الخير
كانت أيّاماً متشحة بالسواد وسهلة،
أنتزع فيها ميلان كونديرا منّا الضحكَ
والتباهي بالنسيان
كان الندم يشدّنا من أوّل الصبح
حتى آخر النوم
ذبحنا سنوات العمر على عتبة الندم
ولم يتبقّ لنا أيُّ شيئ لنتباهى به
أو
نندم عليه،
صرنا بلا تباهٍ،
وبلا ندم،
بلا أيِّ شيء.
كم صارت الأيّام صعبة؟
صنعاء 2/8/1999م
مسابقة الأعداد المتقاطعة
أوّلهم يسكرُ في الوقتِ
ثانيهم يمشي في الكلام
ثالثهم ظِلُّ رابعهم
رابعهم ظلام
خامسهم صمتٌ وسادسُهم
سادسهم ُكُلُّهُمْ وسابعهم
سابعهم سادسهم
سادسهم خامسهم ورابعهم
خامسهم رابعهم
رابعهم ثالثهم وثانيهم
ثالثهم ثانيهم
ثانيهم أوّلُُهم
أوّلهم ثانيهم وثالثهم
علب أفكار
أغلق المفاهيم التي ضاقت من بعضها
أغلق عشرين مفهوما حول الجنس
ومفهومين حول الحرب
أغلق عُلب أفكار فتحها مخزنو القات
وبدون هذه المفاهيم والأفكار
بدون الشخص الذي كُنْتُه طوال النهار
أحاول أن أنام
هكذا…..
خاليا…..
حتى الأحلام سأوجلها هذه الليلة
أريد أن أنام خاليا من كل شيئ
كميّتٍ لم يعد له إلاَّ أن يرقبَ هاويته بهدوء
مَنْ يدُقُّ الباب؟
هذا الّليلُ لا أحَدْ
هذا الصباح لا أحد
هذا النهار لا أحد
هذا أنا
لا أحد
21/1/2002
كأنَّكِ وحدي
ستكتشفين غدا أنّ الظلَّ الذي كان يتبعكِ لم يكن ظلَّك بل هو ظلّي
وسأكتشف أنا أنّ التي كانت تمشي إلى جواره لم تكن أنتِ
كأنَّني وحدكِ في الترقب
كأنَّكِ وحدي في الغياب
ربَّما في حياةٍ أُخرى,
لن نُغلقَ فيها أيّامنا على فزعٍ
أو نفتحها في ارتباك,
ستصبح أوهامنا عاريةً منَّا
وحيث ابتعدنا سَنَجِدُنا
حينها, رُبَّما, نبكي
أو نضحك
نندمُ
أو نغنيِّ
….
….
….
….
ما الفائدة?
تدليك
أحتاج إليكِ بشكل مؤقت
يمكن أن تُسمِّيه حُباً أو عِشقاً أو جنوناً
ما أحتاجه ليس عناقاً
أو قبلةً عابرة
لكنَّهُ ،أيضا، ليس دواما طوال الَّليلِ
لساعة واحدة فقط
أريد أن أعرِّيكِ تماما
ثم آخذكِ إلى الحمّام
وأدلكُ جسمكِ بالصابون وتدلِكينني
حتى يسهل الدخول إليكِ والخروج مِنِّي
بعدها تقفين عاريةً
تنشِّفينَ جسمكِ
بالمنشفة التي أُقدِّمها للناس الذين لا أهتمُّ بهم كثيرا
وتذهبين بدون وداع
4/9/2002
لم نكن نحن
أنا المسكوت عنهُ
لم أٌصبح مغنِّيا كي أثير انتباهكِ
هناك أشياء كنَّا نفكِّر بها سويَّة
لكن أحداً لم يقل أنَّنا متشابهان
بعد أيَّامٍ كثيرة
ستنكشف ُ الصورةُ
وسيعرفُ الآخرون
أننا لم نكن نحنُ
11/8/2002
لفٌّ وَدَوَرَان
جاء مُبتلّاً مثل خفقة ريشٍ ، يبرِّرُ
سقوط الطائر مغشياً على أغصانِ الحلاوة.
قال إنَّهُ لم يستطع المقاومةَ
حين ازدحم الكلام وفاض الجسد.
أراد أنْ يمضي إلى مبتغاه
أحاطنا بالإشارات
واللفِّ والدوران.
كسرَ الماءَ ضحكةً
والغبنَ ملامةً
قال إنَّهُ لم يكن هو حين كان هو
هو الذي أنصت للنداء الحار
30/11/1999.
غُرفٌ داخلية
يبلُغُ ذُروَةَ الكلامِ إذْ يبدأُ ينحدرُ إلى أقاصي الصَّمت
يُطَلِّقُ الأهل من اهتمامِهِ الصَّاخبِ
ويبلعُ أقراص نومٍ كُلَما تذكّرَ ابْنَتَهُ وهي تندهُ (بابا)
هكذا،يكتشفُ غُرفَهُ الداخليةَ على حقيقتِها
تلك الغرفُ التي كان يَظُنُّها طُرُقَهُ الجديدةَ إلى ألأحلام
ولم يتوقَّعْ بأنَّهُ سيجدُها ذاتَ يومٍ خاليةً منهُ
كأنَّها ليست غُرُفَهُ الداخليةَ
وليس هو مفاتيحَهَا
11/11/1999.
كان الوقتُ من عينيكِ
كان الوقتُ من عينيكِ لا مِنْ ذَهَبٍ
أتذكّرُ الكلماتِ وهي تسَّاقَطُ مبتهجة بلا معنىً.
أتذكّرُ تأليفنا (فنَّ القُبلاتِ) الذي لم نلْقَ ناشراً لهُ غيرَ شفائِفِنا والسنَتِنا،
تطبيقِنا(فنَّ الأتيكيت الجنسي)الذي يبدأُ بالنظراتِ وينتهي بِهَا.
أتذكّرُ لعناتِنا إذْ نسكرُ ،وضَجَرَنا إذْ نفيقُ،
إشاراتِنا إلى جهات سبعِ لنَخْتَبِرَ وجودَنا المشكوكَ بهِ ،
إشاراتِنا وهي تتوزَّعُ من أصابِعِنا مع كلِّ كلامٍ لتعودَ إلينا،
سخريتنا من أنفسِنا إذْ نتحدَّثُ للمرآة،
فرحنا إذْ نتضاجعُ عارِيَيْنِ وعيونُ الشبابيكِ مفتوحةٌ علينا.
أتذكّرُ الفقرَ إذْ كنَّا نقتُلُه أحلاماً ونكسِرُهُ ضحْكةً
أتذكر دموعا على كاس خمر ٍ اكْتَرَعَ،
ودموعا من كاس خمر أفرَحَنا
كان الوقتُ من عينيكِ لا من ذهبٍ
بغمزةٍ أنقذتاني من تعثُّر خمرٍ وفضيحة جنسٍ،
وحمتاني من فلتةِ الكلامِ
عيناكِ نفسهُما اللتانِ كانتا تبكيان إذا مِتُّ خُدعةً
وترقصان إذا بُعثتُ بقدرتِهِ،كما كنا نقول ،مبنيين للمجهول
أتذكّرُهُما ترقبانَنِي حيناً،وتُبعدانني من لفتاتِ الرَّصاصِ حينا آخر
أتذكّرُهُما تقولانِ لي:انْتَبِهْ
وتغمُضانِ عليَّ في الظلام
بياضٌ في ميونيخ
بياضٌ في الأصابعِ
بياضٌ في العيونِ
بياضٌ في الجدارِ وعلى الطاولةِ
بياضٌ على السريرِ وفي المرآة
بياضٌ في الماءِ
بياضٌ في الحمَامِ وعلى البابِ
بياضٌ في الكلامِ
بياضٌ في الصَّمتِ
بياضٌ على الفندقِ
بياضٌ في الفندقِ
بياضٌ يلفُّ الفندقَ
بياضٌ فيه الفندقُ
بياضٌ في الأكلِ
بياضٌ في الشرابِ
بياضٌ في (صباح الخير)
بياضٌ في( مساء الخير)
البياضُ الذي هبط في ميونيخ هذا الصباح لم يكن ثلجاً
إنّه بياضٌ حارٌّ فاض من جَسَدِكِ
البياضُ الذي على السريرِ وفي المرآةِ
هو نفسُهُ البياض الذي يمشي في الشارع
البياضُ الذي يمشي في الشارع ويغطّي المارةَ
البياضٌ الذي غطّى السياراتِ والأرصفةَ وزجاجَ البيوتِ والمحلاتِ
البياضُ الذي غطَّى العيونَ فلم تَرَه وهو يفيض من جسدِك
ميونيخ23/11/2001
يحدث في الذكرى
في برلين كنيسةٌ،قَصَفَتْها الحربُ،للذكرى
متحفٌ،يؤرّخُ العلاقاتِ الجنسيَّةَ،للذكرى
بقايا جدارٍ وبوّابةِ وحدةٍ للذكرى
برلمان،تحت قبَّةِ الكلامِ،للذكرى
كلامٌ صاخبٌ،في ليالٍ عابرةٍ، للذكرى
نازيَُّون ورجالُ حروبٍ ودِبَبةٌ للذكرى
عراةٌ ومسالمونَ ومهرجاناتٌ للذكرى
أطفالٌ يولَدُون للذكرى
أناسٌ يعيشونَ للذكرى
ما يحدُثُ في بِرلين
يحدُثُ في الذكرى
برلين30/11/2001
دروس خصوصية في الحرية
– 1 –
ليست الحرّيةُ أنْ تقولَ كُلَّ ما تعتقُد أنّه حقيقةٌ
بل وتقول أيضا كل ما تعتقد أنه كذبٌ
الحرّية ليست في أن تدافع عن ما قلته
بل وفي إنكار وتكذيب ما قلته أيضا
ليست الحرية أن تقول ما لا تعلم
بل وأن لا تقول ما تعلم
– 2 –
لا تنتهي حريتك حين تبدأ حرية الآخرين
بل يصبح لها معنىً
المعنى حرّيةٌ مجاورة
– 3 –
الحرّية ليست كما قيل لا تُشترى بالذهب
بل وتُشترى أيضا بالفضّة والبرونز, والحديد
فإذا لم تستطع أن تبيع حرّيتك
أو ترهنها, على الأقل
فحريتك ليس لها قيمة
وبالتالي أنت لست حُرّاً
– 4 –
الحرّية ليست في أن يحاسبك الآخرون أو تحاسبهم
بل هي أيضا في رفضك لعقابهم أو رفضهم لعقابك.
وهي إذْ لا تحميك من العقاب,
فإنها لا تمنعُ عقابك للآخرين أيضا
– 5 –
ليست الحرّية الزائدة عن حدِّها هي التي لا تطاق,
بل اختراقها هذا الحد كهدف
الحرّية لا تَخترق ولا تَهدف
إن تهدف أو تخترق,
هي حرّيةٌ مجاورةٌ
الحرّية تفيضُ ولا تَجرف
– 6 –
الحرّية تمضي ولا تَصل
تَصِلُ إذْ لا تمضي
الحرّية لا تصلُ إذْ تصلُ
الحرّية لا تصلْ
إنْ تصلْ
هي حرّية مجاورة
– 7 –
الحرّية لا تنطلق
الحرّية انطلاق ٌ
هي ليست لديها قاعدة انطلاق
الحرّية بلا قاعدة
الحرّية انطلاق إذ هي ليست مُنطلقاً
الحرّية منطلقٌ إذ هي ليست انطلاقاً
المنطلقُ حرّية مجاورة
– 8 –
الحرّية تبدأ حين لا تكون
الحرّية تنتهي حين تكون
الحرّية تبدأ ولا تكون
الحرّية تبدأ بلا بداية
الحرّية بلا بداية ولا نهاية
الحرّية تبدأ
– 9 –
الحرّية ليست قرينة الجهل
كما هي ليست قرينة المعرفة
الحرّية بلا معنى
المعنى حرّية مجاورة
– 01 –
الحرّية ليست فعلاً
الفعل حرّية مجاورة
الحرّية ليست اسماً
الاسم حرّية مجاورة
الحرّية ليست صفةً
الصفة حرّية مجاورة
– 11 –
الحرّية لا أبٌ لها ولا إخوةٌ
لا زوجٌ لها ولا أبناء
الحرّية ليست مقطوعة من شجرة
الشجرة هي التي مقطوعة من حرّية
– 12 –
الحرّية ليست هي هذه الدروس الملقَّنة
التلقين حرّية مجاورة
صنعاء5/1/2001.
ترميمات
(1988-1996)
ترميمات
عيون تسيح على الإسفلت
يتحسّس العابرون عيونهم
فلا يجدونها.
عيون على الإسفلت
يمد العابرون أصابعهم ليلتقطوها
فلا يجدونها.
يُرمِّمُون ظنونهم أينما ابتعدوا
غصةٌ في الأصابع ِ
غصةٌ في العيون ِ
حيثُما ابتعدوا
و…
ينطفئونَ سكتةً في الضَّوء.
مضوا مُحمَّلين بكلامٍ ثقيل ٍ
لم يكن لدينا متَّسعٌ لنحِبَّهم
تَرَكوا عيونهم في جُيوبنا
وأصابعهم في إشاراتنا
هكذا..
لم نستطع أن نكرههم بسهولة
طائر
يرتعش جناحا الطَّائر
على امتداد الأصابع
ثم يقف فجأة
فجأة يقف الطَّائر
في سماء العين ،
ويخبِّئ رأسه في جَفْن السُّنبلة
طائرٌ أنت هو ،
فما بال الغرفة لا تشهد بذلك
ولا الجلد الإسمنتيُّ يتقمَّص بصماتك
كنتَ يوم الخميس فارغاً من ريشك ،
فقالت الأعشابُ :
لا طيرَ سِوَاكْ.
كيف لا تَشهدُ الأعشابُ :
أنَّ الجبال تُشْبِهُ الأصابع
وأنَّ الأصابع لا تطير.
بين جبلين
رقبَ نجمةً بين عُمرين
قال لها : كُوني رَمْزاً لأيِّ شيْءٍ
وراح ينطفئُ في الكلام
عاتبها قليلاً
ونام.
كيس الذاكرة
يَسْقطُ قبل طلوع السُّلَّم الَّذي نَصَبَهُ وبقيَ يَصْعدُ في نظرته الَّتي كانت وهي تصعد تتحسَّسُ ثلاثين عاماً تكلّست أسفل كيس الذاكرة وكأنَّها تَرْفَع اللَّفتة الأخيرة التي ألْقتْها عليها وتمضي في سلَّمِها
معطف
كيف نمشي والأرصفةُ نائمةٌ في ضجيج الشَّوارع والعُبورُ أقلُّ مِن خَطْوَتيْنِ في الوَرَق.
كيف نُعاتبُ الوردة التي لم تغُضْ رائحتَها عن العسكر القادمين ؟
كيف نعاتبها والحرب واقفةٌ على عتبة ساعة تلدغُ عُمرنا بعقاربها.الحرب التي قد تدخل في فراغ الوقت قبل أن تَخْلِس مِعْطَفَها الرَّصاصيَّ وتغيب في أصابعنا دون صمتٍ أو كلام ؟
الجنود
بدون عُيونهم
جاؤوا قبل طلوع اللّّيل
منقسمين على أنفسهم
ومبهورين بالظَّلام
ألْقَوا في آذاننا أصواتهم
وكرَّعُوا دَمَ الكلام
بعد هبوط الليل طلعوا
في أقدامهم عيونٌ
وفي عُيونهم دُخان.
جثث
نَخْلَعُ البلاد من مدائحنا التي شاخت ثلاثين حرباً أربكتنا إشاراتُ رصاصها الموجَّهة إلى جثثنا التي سبق لها الموت قبل أن تحاول الحياة في غفلة من آباء يحددون لها جهات العيش وأمهات لم يستطعن مقاومة ثورات ندمهن أبداً.
أسباب
نَرْجَعُ إلى أحجار الذَّاكرة
قبل أن نواصل أو نَظُنُّ الوصول
لا رَغوة الكتب
ولا التماثيل الجديدة وجهتنا
نُغلق الكلام
منبهرين كالنَّمل من أحجامنا
ولأسباب أقلُّ من الحرب
نبقى نستمعُ إلى مُواء الرّيح.
عيون
كتابٌ مغلَّف بالعساكر
به فتحةٌ كبطن السِّجن
وعيون.
كانت الساعةُ من وجع تدور
طفلة تلحس الصمت
تَعْتَجِن
تتمرَّغُ بالأسئلة
وحيدة.
تَفَسَّخَتِ الغرفةُ حَجَراً حَجَرا
جثَّةً وبقايا جدار
غُصةً في التراب
مسافة طعنة
عاد
يَخلعُ الهدوء عن عاداته
ويشربُ عمره كلَّّما استيقظ من فرحٍ
تسلَّفَ مُراوغةً من لَفْظةِ البنتِ
وحاول الانزلاق إلى مستنقع الكلام
ـــ إبن سِكّةٍ مختونة ٍ
وشارعٍ مخصيٍّ
أبتعدَ مسافةَ طعنةٍ
وعاد إلى فحْمِ العلاقة
حافَّة الكلام
مَزَاجُ المَمَرَّات ِ
في لمسةِ العرض ِ
خَطْفُ الَّلفظ من طرفِ الثَّوبِ
هناك في حافَّة الكلام
وداعٌ بلا أصابع أو لقاء
بياض ٌ لا يكفي
البياض ليس في اليد
وليس في الذَّاكرة التي انسكب فيها القطرانُ سهواً.
* * * *
* * * *
* * * *
في الورق بياضٌ لا يكفي الخطَّ إذا سال مُنْسكباً في الوحشة أو أصفرَّ من غيمةِ موتٍ تخطفُ الوقت وتمضي إلى ستِّ جهات
في الورق بياضٌ لا يكفي لستّ جهات
أصوات
سِتارةٌ على نافذة الأصوات
والبابُ مُغْلَقٌ بالغياب
ستارةٌ ونافذة
بابٌ مقفلٌ وغياب
أصوات..
خطف الكلام
وصلتِ الساعةُ إلى تمامها
ولا أحدَ يلتفت
صخبٌ في الغرفة ِ
خطفٌ في الكلام
ضجيجٌ في البال
ولا أحد
هاشم علي
إلى حكيم العاقل
هكذا جاؤوا
قَطَّعونا من شجرة ابن رشد
وَنَفَوْنا إلى جبل الدخان
لم يتركونا نقرأ عاداتنا
أو نتحاور في الزحام
قطراتُ الْوَحْشَة
يَهْطُلُ اللَّيلُ وحشة
فنمُدَّ أيادينا
علَّنا نحسّ الأُخوَّةَ في قطراتها
نفتحُ نافذتين علينا
فلا نرانا.
جلسنا في الوحشة ،
نسألُنا ونُجيب.
نُعاتبُ عيوناً صَدِئَتْ
في وَحْلِ الضَّوْءِ ،
ونتذكّرُ ميّتينَ نَسَوْنا في قُبورهم
نَقْْبِضُ على الهواء بأصابع خمس
ونُصِرُّ (أعرامنا مبهررين)
كَمَنْ يستعدُّ للقتل أو الانتقام
بلا فائدة
هكذا
دائماً
إذن نفتحُ أفواهنا
علَّنا نضحك علينا
أو نصير أنبياء طاهرين
مُطهَّرين بالطهارة
فكرة :
نُغْلِقُ ، عن الناس ، أيّامنا
ونُبْعِدُ الأهل مسافة ذكريات
ونقول إنَّنا اعتزلنا الدَّنيا
لأن الله صار صديقنا
ولا أحد يرافقنا ، غيره ، في الظلام.
عمر
بَعْدَ وقتٍ جامد ٍ
وظنون
كَشَفَ خبايا وجهِهِ
بعيداً عن المرايا
وبأربع كلماتٍ وطلقة
أسْدَل عمره على النافذة
ونام بين حائطين
وجع
يُوْجِعُ الماءَ
إذا نَظرَ مُرتبكاً إليه
أو مَشّطهُ من الحصى
يوجع الحصى
إذا سجّلَ عمر الجبال
أو كتبَ كلاماً عن القوَّة
بلا فائدة
يوجع عُمْرَه
بلا فائدة
ترتيب
رَتَّبَ الأيّامَ كي تمضي
لكِنَّها دارت
رتب البنت كي تهدأ
لكنها فاضت
رتب الماء للأوهام
لكنها سَالَتْ
رتب الكلمات ليلقاها
لكنها غابت
ساعة متأخرة
أسَالَ عَرَقَ الذاكرةِ من قصبة القلب :
الأعوامَ
والتعبَ المنسوجَ بالصمت والكلام
البناتِ
والضَّجَرَ
والنَّدم
خَلَسَ نَفْسَهُ عن نَفْسِهِ
ثَرْثَرَ إلى ساعة متأخرة من العمر
ونام
المراثي أبقى من الأصدقاء
إلى أين يمضي هؤلاء ؟
رسمنا جبلاً فاخضرَّ في بناته الكلام
رسمنا طائراً بلا قفص فطار
رسمنا امرأةً تشهق مبتلَّةً لا تنام
رسمنا شارعاً أنسكب في أيّامه الزِّحام
رسمنا ظِلاً يهرب من ظلام
إلى أين نمضي ؟
يقلعُ قلبه
قبل أن يجفَّ مَكْمَنُ الخيبات
ويلهث بعدَ قطعةِ ندم
إلى أين يمضي الولدُ ؟
من طوابق اللَّيل
تفيض ابتسامتها خضراء
وتنسكبُ في شقوق الكلام
إلى أين تمضي البنتُ ؟
كأنَّ أحجاراً ميّتةً بَقِيَتْ في ممرَّاتنا وواصلنا
التعثُّرَ فيها.
كلّما اقتربنا مسافةَ رعشةٍ مضينا في بُعدٍ تَطَاوَلَ فينا
مرّةً أخرى نُحاولُ أن نلمسَ أحجارَ
قلوبنا التي اسْودّتْ كفحم الكلام
إلى أين نمضي يا رفيقة ؟
تنزفُ الإشاراتُ من أصابعه
هنا كان يمضي
هنا مضى
إلى أين يمضي ؟
يُمكِنُ للشَّمس أن تُصبح رمزاً للكوليرا
والنجمة رمزاً للطاعون
أو.
لن تكونا رمزي أيَّ شيءٍ
إلى أين نمضي يا رفيقة؟
يبدأ أوهَامَهُ قبل غروب الخيل في القصيدة
تتعب الخيلُ من الرََّكض في القصيدة
إلى أين يذهب هؤلاء الجياد ؟
تكنس المقاهي مواعيدَنا
فنمشي إلى طريق مسدود بالمحاولات
نجلسُ على كَتفيِّ الطريق
لم نسأل.
أو ننتظر
لم نتبادل أيَّ شيءٍ
لم نحاول أن نحاول
إلى أين نمضي ؟
تلمعُ الجنِّياَّتُ في الليل إذ يهبطنَ
من أفواه الجدات التي ظلَت فاغرةً
إلى الآن.
إلى متى ؟
العينان ستمتدَّانِ إلى نهايةٍ متوقعة
إلى.. .. ؟
صباحٌ مُوغلٌ في الوحشةِ
تشُدّهُ أشجانُه إلى أيّام كانها رمزاً
فينفلتُ في ارتعاشاته خجلاً
ويسيل
إلى أين تمضي يا..؟
الجدار ُ أقرَبُ الطرق التي تؤدِّي إلينا
والمراثي أبقى من الأصدقاء
إلى أين مضينا ؟
ما بيننا مسافة طلقة وحروب خضراء
حريق الأيّام المكسّرة
يضيءُ حطب الأوهام في البال
إلى….؟
ضيّع أصابعه في الإشارات
ولا أحد أشار إليه
أين يمضي ؟
قطّع الأعيادَ على نفس
ولم ينس راس السَّنة
يمضي إلى أين ؟
المرارة مرّت هكذا
وبعد سنوات قصيرة
مررنا نحنُ
نحن إلى أين نمضي ؟
غرفةُ من الإخوان
كي نهدأ
مسبحةٌ من القنابل
كي ننام
إلى..؟
صنعاءُ عجوزٌ مراهقةٌ
محجَّبةٌ بالله والقبيلة
قامةٌ من الرَّصاص
ليلٌ مسلَّح
إلى أين تمضي ؟
صفَّقتُ لك في الأشياء كي نحيا
والمرّة الثانية كي نحاول أن نحيا
والمرّة الثالثة كي نحاول
والمرة الرابعة كي نحاول أن نحاول
نحن إلى أين نمضي ؟
تعصرني الحلماتُ
لتسكبني لزُوجةً بين أفخاذ تؤدّي
إلى شهقةٍ تُفني
وشهقةٍ تُعيد
يُربِكُني التعرُّجُ
فأنفلتُ مقسوماً عليَّ
علي. إلى أين تمضي ؟
الثلاثون التي في المفكّرة ليست عمري
ولا أنا في البطاقة أنا
الثلاثون التي شَهِدَت عليَّ
وزوَّرتْ أصابعي
الثلاثون التي استبدلتني بندمٍ
الثلاثون الثلاثون
إلى أين يمضي علي المقري ؟
نص مغلق
فرح بجنوني الذي اختاره الناس لي. دون أن أختاره أنا أو يختارني هو. كلام الناس طيّب. وأنا لست أطيب من كلام الناس ومن جنوني. هل أنا مجنون ؟
أو. هل أنا عاقل ؟ لا عاقل إلاّ هو ولا مجنون إلا أنت. إذن أنا عاقل ومجنون. لا. أنا عاقل؟. مجنون ربما. مجنون عاقل. عاقل. مجنون. فتحية لا تحذِّريني من كلام الناس. أحبُّ كلام الناس. مجنون مجنون وليكن. عاقل عاقل وليكن. يا جماهير شعبنا العظيم علينا اليوم أكثر من أيِّ يوم مضى أن. أن.. أن.. أن نناضل. نعم نناضل حتى آخر قطرة من عيوننا. خطاب سخيف أنا لا أؤمن بالمباشرة الجنسية. قصعة المنجا وجرّة أمي وبقرتنا الحُميراء وبكائي الذي خبأه أخي بين العابه وسافر. إلى أين ؟
أحببتك يا فتحية كما أحببتت قصعة المنجا التي كانت أمي تُسقِّعها لي في جرَّتها. وعدتُ أمي بأن أصبح سميناً ككبش ووعدتك أن أقطع العادة السرّية ومزاحمة النساء في الأسواق ولكن العمالة يا فتحية تعتبر خيانة وأنا عميل لك كأي عميل أصيل لمخابرات أصيلة.
ألم أقل لك. كم أنا كذاب ورائع.؟
سأتجاوز حدود بلادي
وأدخل بلادي
طبعا،
نغيِّر الجزمات
غير مبالين بثبات الحزب
وهيبة الدولة.
أنت ماء. لا. بل أنثى. عاش الرئيس. يسقط القط. يعيش العيش والملح. إلى الحاكم بأمري لا حكم لك بعد اليوم.
أنا الشعب تعذبت في سبيل العذاب وجننت في سبيل الجنون. أيُّ بلاد لا تتسع لأكثر من ثورة هي ليست بلادي. الحرّة صفية يكون قدومك مع أوّل قمر. اركبي حرّيتك وتعالي.
أنا مجنون يا صفية. أضحك أم أبكي. لو جاء الآن أي واحد وقال عني مجنون لقتلته. نعم سأقتله. سأقتله. أنا مسكين يا صفية. أنا لا أستطيع قتل حتى ملك أو رئيس من الذين. الذين . فكيف أقتل من يصفني بالجنون. أنا تعبان يا صفية ومجنون. ارمي لي بمخدّتك لأبكي عليها. أو. أنا لا أعدُك بالضحك أو البكاء. يا صعاليك الدنيا لا تتّحدوا. فالمجد لكم. المجد لنا. تسقط اللغة الفارغة من عمرنا.
أيها الحزن ، يا إلهي. أرجو أن تسامحنا وتغفر لنا أفراحنا التي لم نرتكبها بعد. بالنسبة للمراحل النضالية التي خضتها ضد الضد كنت ضدا عظيماً. عاش علي المقري. يسقط رئيس التحرير عميل النساء. أنا لست مجنوناً يا عمّال صنعاء. أنا زعيمكم المناضل وأنا المناضل الزعيم. الماء لا ينفع أن يكون رمزاً لأنثى لا نعرفها. الزعيم الرمز كان يبيع لنا عمره في سوق التعب ويصرّ على أن يكون زعيماً. قلت لك سأغادر المدينة في الصبح كي أسأل عرق الدنيا عن رائحتك. قلت لك أشياء قليلة. لكنهم جاءوا. أخذوا عمري إلى غرفة من بياض. إلى غرفة من جنون. صدّقيني يا فتحية أنا لست مجنوناً لكنهم قهروني. أنا الذي كنت أدّعي أن لا أحد يستطيع قهري.
والآن ما أروع أن أقول لك من المستشفى : مساء الخير. لسبب بسيط هو أنني كنت أعتقد لا أدري. ما أتفه المرض إذا لم يكن جنوناً. وما أتفه الجنون إذا كان مرضاً.
ورغم هذا مساء الخير. كم أنت شبقة ورائعة. بدونك لا غرفة لي. بدونك لا جنون لي. نحن الذين لا اسم لنا نحب الناس الذين لا اسم لهم. هاتف لا يهتف. الفرق بين المرشح للجنون والمرشح لمجلس النواب كالفرق بين خمر الدنيا وخمر الآخرة.
ما أتعس هذه المدينة لا تحتمل أكثر من مجنون واحد. شا. سوف. لن..فضاء آخر وأغيب.
عمر يتقاطع مع بعضه ويفرح. يتقاطع مع نفسه ويبكي. من طرق الباب وغاب. من يطرق القلب ويبقى ؟
بعد الموت
بعد ساعاتٍ قليلةٍ من إعلان موتي
سأُحسُّني مكفَّناً بالبياض ،
أو مطفأ في حفرة
وكبقية الأموات،
سأحاول أن أنتشلني
من هاوية مفزعة
كبقية الأموات
سأحاول أن أصرخ :
أعيدوني من الموت
ولكن ،
حتى وإن كنتم لا تزالون قريبين مني ،
سيكون الصوت قد ضاع
والحركة قد بَرُدَت
حين أكون قد مِتُّ
سأحزن كثيراً
لأني ، أنا الذي فكّرت بالانتحار مراتٍ عديدة
لم أعرف ، وأنا حيّ ،
أن الموت مُوحشٌ
إلى هذا الحد.
حين أكون قد مت
ستظل أيادٍ غير مرئية
تتقاذفني في فراغ مظلم
سأبقى أصرُخُ فيه
إلى حين
روائي وشاعر من اليمن