قصيدة النثر في اليمن بين الشعري والروائي

دكتورة وجدان الصائغ

في المجموعة الشعرية الموسومة (مرقص) للشاعر محمد عبدالوهاب الشيباني – الصادرة عن وزارة لثقافة صنعاء 4002م تجد نسقاً جديداً لكتابة قصيدة تغادر فضاءاتها الشعرية لتغدو اداة من ادوات السرد الروائي الا انها تنحاز الى تدوينها الطباعي لتعلن عن هذه المغادره مند الفص الاول لهذه المجموعة الموسوم بـ (العيسوب) اذ يثبت ردفة عبارة (ثابت معنياً بالرواية ) وانتهاء بالفص الأخير الموسوم بـ (هؤلاء) ويردفه بعبارة (الرواية ليست معنية بهم)… وحين ننتقل من عتبة العنونة الى عنونة فصوص المنجز ستجد مثلاً (أم ضياء/ النبات / خليل . بوسي/ فطوم / احلام / رامي / هديل/ الكابتن سين / ناهد / اقبال/…) هي فصوص اشبه ما تكون بمسارد روائية وحين تنتقل الى تفاصيل المتون ستجد استيطاناً واعياً لتلك الانوات التي تحركت على مسرح النص وترنحها تحت وطأة الحرمان والفقد الذي يشاكل ترنح الراقص على ارض المرقص هذا المكان الملتبس الذي يحيل الى تحولات الإمكنة الرامزة للهوية والانتماء وامتساخها بل وصيرورتها مكاناً خصباً لغياب القيم وضياعها تأمل ما قاله الشيباني في الشذرة الموسومة (علبة) (الليل يمر ثخيناً هنا):
حينما جهزت
شركة النفط
في المساحة المجاورة للمبنى
هنجراً واسعاً حتى يستطيع
موظفوها
اقامة شعائرهم
بالتأكيد لم يكن القائمون على
ادارتها يعلمون
ان شخصاً ما سيحوله بعد سبع من السنين
الى علبة ليل
يزدحم في جنباتها
الباحثون على المتعة في جو تختلط فيه الموسيقى
واصوات المغنين الهواة
بلحم الراقصات
بل الامتزاج الواعي بين انوات المتون والنسق السياسي يضيء الرؤى الراعفة التي تشهد امتزاج الكوميدي بالتراجيدي وهي حركة تبتعد عن المحلية لتناقش هموم الانسان انى كان .. لاحظ مثلاً ما قاله عن نساء المرقص المحترفات.
ومن هنا
اختفين كل النساء
مع دخول أول ايام الصيام تماماً كما اختفى الجيش العراقي من بغداد في التاسع مع نيسان
المتن يوثق بهذه الصورة الكاريكتيرية لفجيعة المكان الرامز للحضارة (بغداد) بغياب مسانده الدفاعية وجنرالاته العتاة وتركه مستباحاً لبساطيل المارينز ومجنزرات الغزاة والمخيال النصي يعيده واعياً الى ذاكرة التلقي ليفضح جوهر الرمز الذي وقف عليه المنجز برمته … ومثل هذا ينسحب مثلاً على (ليال) الغازية بشعرها الأصفر واسنانها الذهبية) تأمل هل خطر ببال الحاجة ليال بعد نجاتها من مذبحة بائعات المتعة
قبل حرب العراق الأخيرة
انها ستكون مسؤولة
عن اثنتين وعشرين فتاة
من بنات جلدته (الغجريات)
…… هل خطر ببالها شكل الطاولة الواسعة التي ستجلس اليها لست ساعات
كل ليلة تمضيها في اكل القات وتدخين المارلبورو الابيض
وشرب البيرة
وتوجيه البنات والرد على مكالماتهن
من التلفونات المحمولة
وهل خطر ببالها ايضاً
انها ستستأجر خزانة بنكية سرية
لتضع فيها بسبورات وعقود
عمل الفتيات الممهورة بختمها
الحديدي
هل خطر ببال الحاجة السمينة بشعرها الأصفر واسنانها الذهبية انها ستبتكر جدولاً اسبوعياً.
اذا يمكنك مباشرة ان تلمح أصابع الشيباني وهو يشكل شخوصه المهيمنة على السردي والشعري المستجلبة من الواقعي واليومي .. هي شخوص تذكرك بشخوص نجيب محفوظ الملفعة بالرمز والتي ارخت كما يؤرخ الشيباني لاسباب هزيمتنا المعاصرة .. هو يرسم صورة كاريكتورية لكنها للأسف لا تخز ضمير التلقي الذي تعايش معها وانما يستدعيها بكامل ملامحها من التراجيدية الواقعية العربية .
فتجد في ليال الكينونة المغلفة بالعقيدة (الحاجة) والمتقشرة عن بشاعة الرؤى وغياب المعتقد وضياع القيم .. الشيباني في منجزه الشعري نجح في ان يخلق شراكة بين التلقي والمبدع الذي اكتفى بنصف الصفحة حين انتفى الهيكل التدويني لقصيدة النثر لسرد تفاصيل روايته – التي خرقت صفحاتها الثلاث والسبعين الحجم المألوف للرواية – ليمنح القارئ سانحة ملء النصف الآخر من الصفحة برؤاه وعذاباته التي سيستجلبها من معايشاته الخاصة للحدث

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: