أيُّنا يسكرُ الآن؟ – عبد المجيد التركي
لا أعي
كيف كنتُ أزيِّف صدق المرايا
وكيف امتلكتُ
تعابير وجهي ..
كنتَ تعلم
أني أخاتلُ جـيبكَ
لكن كفـَّيك :
أدفأُ من شعلة العيد
أسرعُ من دمعةٍ
في عيون الثكالى
وأنجعُ
من جُرعة البنسلين .
إنَّ بي :
خوفَ سُكَّرةٍ
لا تجيد السباحةَ
أحزانَ سنبلةٍ
في مهبِّ العصافيرِ
أي المناديل يا أبتِ
سوف تكفي لتجفيفنا
فالمساء بأحزاننا يستضيءُ !!
ترى أي شيءٍ يبرر صيغة ( نا )
غير ذاتٍ
تقاسمها النعشُ
والقبرُ
والاشتهاءُ
وأيدٍ مُهلِّلةٍ
تتداول ” سوق ” الجنازةِ
ترجو من الله أجر تزاحمها
في مظاهرةٍ
كان فيها المدى يتفصَّدُ بالطلِّ
والأرجوان.
أنا الآن مستوحشٌ
مثل رأس الحسين
سآوي إلى حفرةٍ
فالجبال تفتش عن عاصمٍ
من أزيز الرصاصِ
سأشربُ نَخْبَ الترابِ
ويمشي الموَكَّلُ بي
تحت نعشي حزيناً كأمي
يردِّد كالناس
ما تقتضيه المصائبُ
ينسى خميرتَه في دمي
ثم ينسجُ لي
من محاسن غيري قميصاً
ويرحل صوب مواعيده
ليس يكذبُ
كالأصدقاء .
كنتُ أرقبُ سَكْرَتَه
كارتقاب العِشارِ لميقاتها
كارتقابِ السجينِ
لشمس الخلاصِ
أُناديه :
يا آخر الميتين أفِقْ . .
أيُّـنا يسْكَرُ الآنَ
يا عِنَباً عتَّقَته المشيئةُ في لحظةٍ
لا حساب لها في تقاويمنا
ها أنا دون شكٍّ
أفارقُ في غمرة السُّكْر جِلدي
– كأني أجنحة من ضياءٍ –
وألمَحُ ظِلَّ الموَكَّل بي مُستريباً
يُعَـقِّمُ مِشْرَطَهُ من ذنوبي البريئاتِ
يقطع بيني وبين أصابعه المطمئناتِ
خيط الذهول .
أجيءُ
وقد شجَّني برزخٌ
من سواد الأراملِ
من خبرٍ في الجريدةِ
يُعلنُ موتي
ويَلعنُ وقتي –
أفتش عن جدتي في زحام العظام ..
تذكرتُ تعويذةً للندى
من جفاف القلوبِ
تذكرتُ آخر مسودّةٍ للوصية :
إن عُدتَ يا ولدي من رُفاتكَ
لا تخبرِ الطير
إن القبور التي اكتنفتك دهاليزُها
لا تحبُّ الضجيج .
سألتُ أبي :
* هل وجدتَ بخمرته
نشوةً خدَّرَتْـكَ
وجاء بِِزيِّ طبيبٍ
يذيبُ التوجُّسَ
بين سرير الطوارئ والنَّعش ؟
– لا علم لي
غير أني أتيتُ
بلا نشوةٍ
وبلا رائحة .
علّمتني المقابرُ
أن المدى خدعةٌ
للذين يرون بأقدامهم
أن للصمت رائحةًً
لا تفوح بها الأبجديةُ
أن القبور ستمخَضُنا بمشيمتها
وسنخرج من رحمها
دون زغرودةٍ
دون قابلةٍ
واحتفاء .
كيف أهربُ منكَ
ومن دفء أمي !!
كيف يخرسُ صوت الحليبِ
وتنسى الدماءُ فصيلتها ؟
سوف ألقي عليك السلامَ
كأيِّ غريبٍ
يفتشُ عن أُلفةٍ
في زحام الهروبِ
الذي لا يؤدي
وتلك الجموع
التي جمعها
لا أحدْ .